أربيل – حذرت أوساط سياسية كردية من أن الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني وخصمه الاتحاد الوطني الكردستاني بدأت تتجه إلى تصعيد أشد سياسيا وأمنيا، وفي غياب وسطاء من الإقليم، فإن الوضع قد يتجه إلى صراع كردي – كردي مفتوح يهدد استمرار الكيان الكردي.
وقالت هذه الأوساط إن كلاّ من الحزبين يتحرك للحصول على المزيد من المكاسب، وإن خطاب التخوين يخلق مناخا عاما من التوتر يمكن أن يسرّع بالمواجهة العسكرية لأيّ سبب حتى وإن كان بسيطا، مشيرة إلى ارتفاع منسوب الاحتقان بسبب مقتل الضابط في جهاز مكافحة الإرهاب هاوكار جاف في أكتوبر الماضي بأربيل عبر زرع عبوة لاصقة في العربة التي كان يستقلّها.
وأجرى بافل طالباني ابن الرئيس العراقي الراحل جلال طالبني ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني زيارة الأربعاء الماضي إلى أربيل يرافقه قائد قوات مكافحة الإرهاب التابعة للحزب وهاب حلبجي المطلوب قضائيا من قبل مجلس أمن إقليم كردستان بتهمة التورّط في اغتيال جاف.
ورأى مراقبون في هذه الخطوة المفاجئة تصعيدا جديدا في العلاقات المتوترة أصلا بين طرفي النزاع، وأنها تعد تحديا للحزب الديمقراطي الكردستاني ما قد يعمّق الأزمة السياسية بين الحزبين، خاصة بعد أن صعَّدت قيادات الاتحاد الوطني من لهجتها ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني ذي الأغلبية البرلمانية في الإقليم وبغداد، متهمّة إياه بالاستفراد بالقرارات والحكم في الإقليم.
وأكد حاجي مصيفي عضو المجلس القيادي للاتحاد الوطني أن الحزب الديمقراطي يدفع الأوضاع نحو اقتتال داخلي على غرار ما حصل قبل عقود. وأضاف مصيفي “حان الوقت لكي نبعث برسالة إلى جميع الأطراف مفادها أن الاتحاد الوطني لن يقبل بالاستفراد بالقرارات في الحكم واحتكار السلطة في الإقليم”.
كما حذّر مصيفي من أن الاتحاد الوطني “لن يقبل من أيّ طرف، كائنا من كان، تحريك القوات العسكرية”، في إشارة إلى تطويق منزل قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان في أربيل مؤخرا، الأمر الذي أدّى إلى تعقيد المشهد السياسي وتأزيم العلاقات بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، متّهما الحزب الديمقراطي بإيواء أعضاء ومسؤولين أمنيين كبار منشقين عن الاتحاد الوطني ليستخدمهم ورقة ضده.
ويضغط الحزب الديمقراطي من أجل دفع خصمه إلى تسليم المتهمين في اغتيال القيادي في هيئة مكافحة الإرهاب.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي بلند إسماعيل في مقابلة تلفزيونية في وقت سابق إنه “يجب تسليم جميع المسؤولين في الاتحاد الوطني الضالعين في قضية اغتيال جاف”، مضيفا أن القضاء أصدر مذكرات اعتقال بحقه، ولا بدّ من تنفيذ القرارات القضائية.
وأوضح إسماعيل أن حكومة الإقليم مستعدة لإحالة الملف إلى جهة دولية لإجراء تحقيقات بخصوص العملية التي وصفها بالإرهابية والتي تمّ تنفيذها في أربيل الشهر الماضي، وتابع قائلاً إن “الاتحاد الوطني يعمل على خلط الأوراق لتعقيد المشهد السياسي في إقليم كردستان”.
وفي تصريح خاص بـ”العرب” أكّد ريبين أحمد هردي، الكاتب الكردي المختص بالشؤون السياسية، أن الأوضاع الحالية تدفع إقليم كردستان نحو الهاوية، كما أنها تهدد الكيان الدستوري للإقليم، خاصة مع غياب لغة عقلانية وحكيمة لإيجاد حلول جذرية للأزمات التي تعصف بالإقليم الذي يدفع ثمن الصراعات والخلافات المحتدمة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني اللذين يعدّان شريكين أساسيين في نهل الثّروات والإيرادات المالية طوال إدارتهما للإقليم على مدى ثلاثة عقود متواصلة من الحكم.
وأشار هردي، الذي يُعرف بتوجهاته المعارِضة للسلطات في إقليم كردستان، إلى أن الجيل الجديد لقيادات الأحزاب التقليدية خاصة داخل الحزبين الرئيسيين يفتقر إلى الحنكة السياسية، والقدرة على اتخاذ قرارات صائبة لمصلحة الإقليم والمواطنين، لافتا إلى أنه من الضروري أن يراجع كل من الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني سياساتهما الخاطئة والتي لطالما أثارت غضب المواطنين طوال السنوات الثلاثين الماضية.
واضاف أن “انقسام إقليم كردستان إلى إدارتين منفصلتين أمر محتمل في أيّ لحظة، وهما تتوزّعان على المنطقة الخضراء للاتحاد الوطني والمنطقة الصفراء للحزب الديمقراطي الكردستاني”، مؤكداً أنّ هذا الأمر قد يؤدي إلى تفكيك الكيان الدستوري الذي بات هشا حاليا، إلا أنه وبسبب المعادلات الدولية والتفاهمات الإقليمية لا يزال قائماً حتى هذه اللحظة.
يذكر أن حزب الاتحاد الوطني بزعامة طالباني كان قد وجّه قبل أيام انتقادا لاذعا لغريمه في الحزب الديمقراطي الكردستاني، متهماً إياه بـ”الطمع” بالمناصب والمكاسب المادية على حساب حقوق الأكراد.
وتأزمت العلاقات بين الحزبين مؤخراً بسبب توزيع الحقائب الوزارية في حكومة محمد شياع السوداني في المركز ببغداد، وتمّ الاتفاق على أن يتولّى الأكراد أربع حقائب وزارية، غير أن الخلاف بين الحزبين الكرديين حول وزارات الإعمار والإسكان والبيئة عرقل تسمية وزرائهما، بينما منح السوداني وزارة الخارجية للحزب الديمقراطي، وحقيبة العدل للاتحاد الوطني.
وبسبب ذهاب منصب رئيس الجمهورية لحزب الاتحاد، يريد الحزب الديمقراطي الحصول على ثلاث حقائب وزارية، وترك حقيبة واحدة لحزب الاتحاد الذي ردّ بأن منصب رئيس الجمهورية هو لكلّ الأكراد. يضاف إلى تلك الخلافات صراع محتدم بين الحزبين على المناصب العليا، وعلى حصّة إقليم كردستان في موازنة العام 2023.
وكان رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني قد رفض مطلع نوفمبر الجاري إطلاق تسمية المناطق “الخضراء والصفراء” في الإقليم، وهي تسمية تشير إلى المناطق الخاضعة لسيطرة أحد الحزبين.
وقال نيجيرفان “لا يصحّ أن تكون هناك منطقة خضراء وأخرى صفراء، بل يجب أن يكون هناك كردستان فقط”، مشيراً إلى أن الاتحاد الوطني شريك رئيس للحزب الديمقراطي في العملية السياسية منذ العام 2003 وقبل ذلك، رغم كل المشاكل التي كانت قائمة بين الحزبين.
وقد أدّى اعتماد الحكومات التي تمّ تشكيلها بعد الغزو الأميركي للعراق مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع المناصب الحكومية إلى تكليف شخصيات لا يستند اختيارها على الكفاءة، وزاد من الفساد والصراعات داخل مؤسسات الدولة.
العرب