تواجه الحكومة المغربية موجة رفض للإجراءات الضريبية التي أقرتها ضمن مشروع قانون المالية لعام 2023، وتلوح بعض التنظيمات المهنية باتخاذ خطوات تصعيدية، متسلحة في ذلك بنجاح المحامين في التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة بشأن تلك الاقتطاعات.
الرباط – وجدت الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش نفسها في موقف صعب بعد أن فتحت باتفاقها المبدئي مع المحامين حول الاقتطاعات الضريبية الباب أمام قطاعات أخرى للمطالبة بالمعاملة بالمثل.
ولوّحت ثمانية تنظيمات مهنية بالمغرب على غرار هيئة المهندسين المسّاحين الطبوغرافيين والمنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين، وهيئة الأطباء والصيادلة باتخاذ خطوات تصعيدية، معبرة عن رفضها الشديد للإجراءات الضريبية الجديدة.
وأقرت الحكومة المغربية في مشروع مالية 2023 الذي صادق عليه مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان) وتجري مناقشته داخل مجلس المستشارين (الغرفة العليا للبرلمان)، حزمة من الإجراءات لمعالجة الاختلالات المالية من بينها اقتطاعات ضريبية من المنبع لاستخلاص الضريبة من المهن الحرة.
وأثار ذلك غضب العاملين في المهن الحرة وفي مقدمتهم المحامين الذين سارعوا إلى الضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها بخصوصهم عبر الدخول في إضراب مفتوح تراجعوا عنه بعد نجاحهم في التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة.
ويقضي الاتفاق بتخفيض الاقتطاع من المنبع إلى نسبة 10 في المئة عوض 15 بالنسبة إلى المحامين الذاتيين و5 في المئة بدل 10 بالنسبة إلى الشركات المدنية.
وتم الاتفاق على إعفاء المحامين الجدد من أداء الضريبة لمدة خمس سنوات وتخفيض مبلغ التسبيق المالي من 300 إلى 100 درهم (من 30 إلى 10 دولارات) عن كل ملف. وشجع الاتفاق القطاعات الأخرى على التحرك من أجل تخفيض الإجراءات الضريبية في حقهم، في خطوة من شأنها أن تعمق أزمة الحكومة.
واعتبر المحامي بهيئة الرباط والبرلماني السابق شقران إمام أن تحرك الهياكل المهنية أمر طبيعي ويجسد دينامية المجتمع المغربي، كل من موقعه، من أجل الدفاع عن مصالح الفئات التي تنتمي إليها والاستماع لملاحظاتها بخصوص ما جاء في مشروع قانون المالية الذي ركز على المداخيل الضريبية وأغفل واقع وطبيعة عمل عدد من القطاعات والإكراهات التي تعيشها.
وأوضح إمام في تصريحات لـ”العرب” أن مشروع قانون المالية غاب عنه الفعل التشاركي، وأصبح في لحظة ما بعد إيداع مشروع القانون بالمؤسسة التشريعية حجر عثرة أمام التعبئة الجماعية من أجل تجاوز الصعوبات القائمة من منطلق الحق والواجب.
وتبدي الهيئات المهنية تحفظات شديدة على رفع نسبة القيمة المضافة من 10 إلى 20 في المئة، وفرض ضريبة الاقتطاع من المنبع بنسبة تصل إلى 20 في المئة على رقم معاملات عدد من المهن الحرة، مثل الهندسة والطب والمحاسبة والتوثيق والمحاماة.
وأكد عبدالبر منديل رئيس فيدرالية جمعيات واتحادات المحامين الشباب بالمغرب في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة لم تعتمد أي مقاربة تشاركية مع التمثيليات المهنية في صياغة مشروع قنون الماضية وانطلقت مباشرة لطرحه بمجلس النواب والدفاع عن مقتضياته التي كان بعضها غير دستوري”.
ولفت منديل إلى أن طريقة تعاطي الحكومة دفع بالأطراف المستهدفة على غرار المحامين إلى التحرك وتنظيم وقفات احتجاجية واعتصامات أمام البرلمان ووصل الأمر حد الإضراب عن الطعام مما اضطر الحكومة إلى فتح حوار مع المؤسسات المهنية للمحامين الأمر الذي شجع فعلا ممثلي العديد من المهن الأخرى للتحرك بالاحتجاج ومحاولة الدفاع عن وجهات نظرهم.
وعقب حصول توافق مع الحكومة بخصوص الملف الضريبي أعلنت “جمعية هيئات المحامين بالمغرب” الثلاثاء الماضي عن تعليق الإضراب المفتوح عن العمل الذي بدأه المحامون يوم الاثنين الماضي، فيما رفضت “فيدرالية جمعيات المحامين الشباب” مخرجات اللقاء الذي جمع بين مكتب “جمعية هيئات المحامين بالمغرب” ورئيس الوزراء.
وأعربت الفيدرالية في بيان لها عن رفضها المبدئي لـ”أيّ اتفاق لا يتضمّن سحب المقتضيات الضريبية والسماح للمواطنين بالاستفادة من خدمات العدالة من دون حواجز مادية”، ما يعني أن ملف تصعيد المحامين لم يحسم نهائيا.
في المئة هي نسبة التخفيض في الاقتطاع عوض 15 بالنسبة إلى المحامين الذاتيين وفق ما يقتضيه الاتفاق
وقال رئيس فيدرالية جمعيات واتحادات المحامين الشباب بالمغرب إن الاجتماع الذي تم مع الحكومة لم يسفر عن أي اتفاقات قطعية بل وعود من الطرفين وتوافق على عرض حل وسط على لجنة تقنية من الطرفين.
وأشار منديل إلى أن قواعد المحامين رفضت كليا الصيغة المقترحة، وهذا أمر صحي في ظل مفاوضات عسيرة مرتبطة بأجل قصير ودقيق، موضحا أن ما حصل هو أن جميع هيئات المحامين السبعة عشر كانت تخوض شكلا نضاليا يقضي بإضراب مفتوح عن العمل، لكن بعض الهيئات اختارت فتح الحوار والاجتماع مع رئيس الحكومة وتعليق الإضراب، فيما فضلت الهيئات الأخرى الاستمرار فيه إلى حين التوصل إلى اتفاق فعلي.
وأكد منديل أن الجميع مقتنعون بكون المشكلة المتعلقة بالضريبة ليست سوى جزء من أزمة بين الحكومة والمحامين الذين لا يزالون محافظين على استقلاليتهم ومواقفهم الداعمة لحقوق المواطنين والديمقراطية.
وأوحى منديل بوجود استهداف ممنهج للمحامين عبر ترسانة من مشاريع قوانين تتضمن إملاءات من جهات بعضها خارجي، حسب تعبيره. ووفق إمام فإن الأساس اليوم يبقى الوصول إلى حل عملي واقعي بعيدا عن منطق الصراع الذي يحاول البعض فرضه كأمر واقع وبخيارات شخصية أحيانا.
وشدد إمام على أن قطاع المحاماة موحد من أجل إحقاق العدالة الضريبية من منطلق الحق والواجب وليس كما يروج البعض ممّن يهمهم خلط الأوراق وتقديم الإشكال القائم بصورة مغايرة، معتبرا أن “الاختلاف في التعاطي مع ما تم الوصول إليه مرحليا، وفي انتظار عمل اللجنة المكلفة بالوصول إلى نص نهائي متوافق عليه، يبقى صحيا وفي إطار من الانضباط الجماعي والمسؤول لقرارات مجالس الهيئات عبر ربوع المغرب”.
العرب