العملية التركية في سورية: أردوغان يريد “حزاماً أمنياً” وأميركا تتوسط

العملية التركية في سورية: أردوغان يريد “حزاماً أمنياً” وأميركا تتوسط

مع مواصلة الجيش التركي قصف أهداف عسكرية لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) واقتصادية، في شمالي وشرق سورية، تبقى التساؤلات قائمة حول إمكان إقدام أنقرة على شنّ عملية عسكرية برية، في ظل معارضة أميركية وروسية لتحرك كهذا، مقابل إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إقامة “حزام أمني” على حدود بلاده مع الشمال السوري. ومع هذا الإصرار التركي، يتصاعد الحراك الأميركي الذي يمهد، كما يبدو، لتسوية ترضي أنقرة، وتدفعها للتخلي عن أي تحرك بري.

تركيا عازمة على “اجتثاث الإرهاب”

وأكد أردوغان، أمس الجمعة، أن هدفه إقامة “حزام أمني” على حدود بلاده. وفي كلمة له خلال فعالية بمناسبة “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة”، في إسطنبول، قال أردوغان إن تركيا تدافع عن حقوق الأطفال والنساء أيضاً عبر الحزام الأمني الذي تعمل على تشكيله خلف حدودها الجنوبية (شمالي سورية).

وأضاف “إن شاء الله سنستكمل هذا الحزام من الغرب إلى الشرق على امتداد حدودنا، ونضمن تطلع مواطنينا والناس الذين يعيشون في تلك المناطق بثقة نحو مستقبلهم”.

وتعهد بمحاسبة قتلة النساء والأطفال الذين راحوا ضحية الهجمات الإرهابية أخيراً. وأضاف: “إذا لم نحاسب قتلة النساء والأطفال فهذا يعني أننا لم نقم بمسؤوليتنا في إدارة البلاد، ولم نؤد أبسط واجباتنا الإنسانية أيضاً”.

ولفت الرئيس التركي إلى أن “الذين دخلوا البرلمان بشكل أو بآخر ثم تجولوا مع الإرهابيين في جبال قنديل (معقل تنظيم حزب العمال الكردستاني) لا يمكن أن يكون ممثلين لأصوات الشعب (في إشارة إلى أعضاء بحزب الشعوب الديمقراطي)”.

وشدد أردوغان على أن “الذين يقفون خلف التنظيم الإرهابي قاتل النساء والأطفال، هم شركاء في الأعمال الوحشية وسفك الدماء والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها التنظيم”.

وفي كلمة ثانية له، أمس، خلال مراسم إنزال سفينة حربية صنعتها تركيا لصالح باكستان، في قيادة حوض بناء السفن بولاية إسطنبول، أكد أردوغان أن بلاده عازمة على الاستمرار باستراتيجيتها لاجتثاث الإرهاب من جذوره. وتابع: “فليتشبث الإرهابيون بمن يريدون، لكننا سنحاسب وسنواصل محاسبة أعداء الإنسانية على كل قطرة دماء أراقوها”.

نفى أكار قصف قوات بلاده نقطة مراقبة أميركية شمالي سورية

من جهته، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، استمرار عملية “المخلب – السيف” التي بدأت بعملية جوية واسعة ضد معاقل تنظيم الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني شمالي سورية والعراق، منذ يوم الأحد الماضي. ولفت إلى أن العملية متواصلة عبر ضربات عقابية من البر والجو، مشيراً إلى أنه جرى تحييد 326 إرهابياً حتى أمس منذ انطلاقها.

ونفى أكار قصف قوات بلاده نقطة مراقبة أميركية شمالي سورية. وأضاف في تصريحات صحافية لدى مغادرته مقر حزب “العدالة والتنمية”: “ليس من الوارد إطلاقاً أن نلحق الضرر بقوات التحالف أو المدنيين”. وتابع: “هدفنا الوحيد هم الإرهابيون، حيثما يوجد إرهابيون هدفنا هناك. عدم إلحاق الضرر بالمدنيين والبيئة أهم مبادئنا”.

تضارب حول العملية البرية التركية

في السياق، قال مصدر في “الجيش الوطني” السوري المدعوم من تركيا، لـ”العربي الجديد”، إن العملية البرية باتت وشيكة، وذلك بعد الاجتماع الذي عُقد أمس الأول الخميس في منطقة حوار كلس على الحدود السورية التركية بين ضباط من الجيش التركي، وقادة الفصائل في “الجيش الوطني”.

وأكد المصدر أن وجهة العملية العسكرية سوف تستهدف بشكل رئيسي مدينة عين العرب وريفها، وقد جرى توزيع محاور القتال على الفصائل، مع رفع أعداد كل فصيل من فيالق “الجيش الوطني” الثلاثة، تحضيراً للمعركة التي تنتظر ساعة إطلاقها إشارة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب المصدر.

وكان القيادي في الفيلق الثاني التابع لـ”الجيش الوطني” الفاروق أبو بكر قد قال لـ”العربي الجديد”، إن “فيالق الجيش الوطني رفعت الجاهزية القتالية استعداداً لتنفيذ أي عمل عسكري مرتقب خلال الأيام المقبلة ضد مليشيات قسد”.

وعلى الرغم من إصرار المسؤولين الأتراك على العملية البرية في سورية، لا يتوقع إطلاق هذا الهجوم البري على الفور، كما نقلت وكالة “فرانس برس” أمس، عن مسؤول تركي لم تكشف عن هويته.

حراك أميركي لتسوية تقنع أنقرة

ويتوازى ذلك مع حراك أميركي مكثف لمحاولة تحقيق مطالب قدمتها أنقرة، وبما يدفعها للتخلي عن هذا الهجوم، يقوده منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك.

وتحدث موقع “باسنيوز” الكردي عن أن قائد “قسد” مظلوم عبدي التقى بوفد أميركي برئاسة ماكغورك، وبحث العملية العسكرية التركية وتبعاتها على المنطقة. وذكرت وسائل إعلام قريبة من الإدارة الذاتية أن ماكغورك يقود جهود التهدئة بين تركيا و”قسد”، وذلك لتركيز الجهود على محاربة تنظيم “داعش” في المنطقة، كما أكدت أن ماكغورك أعرب خلال اتصاله بعبدي عن “رفض واشنطن أي هجوم عسكري تركي”.

في سياق متصل، نقل موقع “تلفزيون سوريا” عن مصادر وصفها بالمطلعة، أن وفداً أميركياً عقد أمس الجمعة اجتماعاً طارئاً مع قادة “قوات سورية الديمقراطية” في الحسكة، لبحث وقف التصعيد والعملية التركية المرتقبة في شمال شرقي سورية

وقال المصدر إن الوفد يترأسه المبعوث الأميركي في مناطق “قسد”، نيكولاس غرينجر إلى جانب مستشارين سياسيين وعسكريين ومسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون.

جدد غرينجر تأكيد معارضة بلاده بشدة العمل العسكري الذي يزيد من زعزعة حياة المجتمعات والأسر في سورية

وفي السياق، جدد غرينجر، تأكيد معارضة بلاده بشدة العمل العسكري الذي “يزيد من زعزعة حياة المجتمعات والأسر في سورية”. ودعا غرينجر، في بيان، إلى وقف فوري للتصعيد الذي “شكّل في الأيام الأخيرة خطراً غير مقبول، وتهديداً لسلامة المدنيين والمسؤولين الأميركيين والقوات العسكرية الأميركية”، على حد تعبيره. فيما قالت مصادر تحدثت لـ”العربي الجديد” إن ماكغورك اتصل بقائد “قسد” مظلوم عبدي حيث بحث الطرفان تطورات الوضع في شمال شرق سورية.

في غضون ذلك، تحدثت صحيفة “حرييت” التركية عن عرض قدمته واشنطن إلى أنقرة للتخلي عن فكرة العمل البري شمالي سورية، يقضي بسحب قوات “قسد” مسافة 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية. وبحسب الصحيفة، قدم السفير الأميركي في أنقرة جيف فليك العرض في اجتماع مع وزير الدفاع خلوصي أكار.

جاء ذلك فيما تواصلت التحذيرات من قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي من أن العملية التركية البرية المحتملة ستؤدي إلى ظهور تنظيم “داعش” من جديد. وأضاف عبدي في تصريح لمحطة “بي بي سي نيوز” أنه “في ظل استمرار تركيا في استهداف مناطق في شمال شرقي سورية، سيؤدي ذلك إلى اندلاع حرب أهلية ثانية في سورية، وإيقاف عملياتنا ضد داعش”.

ميدانياً، واصل الجيش التركي قصف أهداف لـ”قسد” في شمالي وشرق سورية. وقصفت القوات التركية بالمدفعية، أمس الجمعة، مواقع لـ”قسد” في قريتي دادا عبدال وبوبي بريف بلدة أبو راسين شمال الحسكة، في إطار العملية العسكرية “المخلب – السيف”، والتي أطلقتها تركيا الأحد الماضي.

واصل الجيش التركي قصف أهداف لـ”قسد” في شمالي وشرق سورية

وطاول القصف أيضاً مواقع “قسد” في بلدة الشيخ عيسى وقرية أم الحوش شمال حلب، وسط تحليق مكثّف للطيران المسيّر التركي في سماء ريف محافظتي حلب والحسكة.

ووفق المركز الإعلامي لـ”قسد” فقد طاول القصف التركي خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية (حتى عصر أمس) أكثر من 116 قرية وبلدة، استخدم فيها الطيران الحربي والمُسيَّر والأسلحة الثقيلة. وأعلنت “قسد” مقتل 12 من الجنود الأتراك و8 من فصائل الجيش الوطني السوري خلال العمليات العسكرية، مقابل مقتل 8 من عناصرها خلال الساعات الأخيرة.

من جهته، أعلن الجيش الوطني أنه أحبط محاولة تسلل لقوات من قوات النظام، بعد اشتباكات عنيفة استمرت ساعتين، بالقرب من مدينة الباب، الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة “درع الفرات” شرقي محافظة حلب.

وقال المحلل العسكري، القيادي السابق في الجيش الحر، العقيد عبد الجبار العكيدي، إن موضوع العملية البرية غير واضح تماماً حتى الآن.

وأضاف العكيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه من الواضح حتى الآن عدم وجود تفاهمات حول هذه العملية بين الأطراف المعنية، معتبراً أن أقوى مؤشر على عدم حدوث عملية برية هو حجم القصف التركي الجوي والمدفعي الواسع والذي وصل إلى نحو 70 كيلومتراً في العمق السوري، إضافة إلى استهداف قيادات في “قسد” وأهداف اقتصادية تؤثر على الموارد المالية لـ”قسد”، وكل ذلك يوحي بأن هذا هو مدى العملية.

العربي الجديد