سعي العراق لمحاربة الفساد يقابَل بالتشكيك

سعي العراق لمحاربة الفساد يقابَل بالتشكيك

ككل الحكومات العراقية السابقة، أطلقت حكومة محمد شياع السوداني حملة لمكافحة الفساد، يشكك مراقبون في جدواها. ولئن أعلنت الحكومة العراقية إيقاف عدد من المتهمين بالفساد ومحاسبتهم إلا أن جهودها حسب محللين لن تطال كبار الفاسدين المتحصنين بالتسويات السياسية.

بغداد – يشهد العراق منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء حملة لمكافحة الفساد، وهو بند رئيسي على أجندة الحكومة العراقية الجديدة، إلا أن مراقبين يشككون في القدرة على محاربة ظاهرة يختلط فيه السياسي بالمالي.

وللعراقيين ذكرى سيئة من حملات مكافحة الفساد التي باتت بندا رئيسيا على أجندة جميع الحكومات العراقية المتعاقبة التي فشلت في تحريك الملف. ويقول محللون إن حكومة السوداني لن تكون أفضل من سابقاتها.

وأفادت مصادر أمنية عراقية الأربعاء بأن قوة أمنية ألقت القبض على هيثم الجبوري المستشار المالي لرئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، وذلك على خلفية تضخم أمواله، في إطار متابعة ما يعرف بـ”سرقة القرن”.

وقالت المصادر إن عملية الاعتقال “جاءت بناءً على تضخم أموال الجبوري، بطرق مجهولة المصدر وغير شرعية”، مؤكدة أن “أمر الاعتقال له علاقة أيضا باعترافات أدلى بها نور زهير صاحب شركة ‘الأحدب’ والمتهم الرئيسي بـ’سرقة القرن’ للسلطات القضائية ضد الجبوري”. وشغل الجبوري عدة مناصب منها المستشار المالي لرئيس الحكومة السابق ونائب أسبق، ورئيس اللجنة المالية النيابية في الدورة البرلمانية السابقة.

ومنذ أن بدأت الحكومة الجديدة مهامّها بإطلاق حملة ضدّ الفساد برز التساؤل عن مدى إمكانية الوصول إلى كبار الفاسدين الذين يمتلكون تأثيراً كبيراً عليها ولهم حصص داخلها، ولاسيما أن التقارير المتزايدة حول الإجراءات الخاصة بمكافحة الفساد تظلّ دون المأمول.

ومن هنا يشكّك معنيون بالملفّ في قدرة الأخير على تحقيق إنجاز في هذا المجال. وسيفتح الفشل في محاربة الفساد، أو استهدافه فئات معيّنة والتغاضي عن أخرى، عاجلاً أم آجلاً أبواب عودة الاحتجاجات في مواجهة الحكومة.

ويقول رئيس “تجمع محاربة الفساد” أحمد الريس إن “الفساد في العراق متجذّر ومُتمأسس ويتمتّع بحماية قصوى من الداخل والخارج. وأصابع الاتهام موجّهة إلى كلّ مَن مارس العمل السياسي”، معتبرا أن “الدليل على تورّط الطبقة السياسية في الفساد، هو المال السياسي والإنفاق الجنوني في كلّ عملية انتخابية”.

ويرى الريس أن “السوداني لا يستطيع الوصول إلى عدد كبير من اللصوص المحميّين مِمّن منحوه الثقة، وسيلاحق اللصوص المتواجدين في خنادق أخرى”، مضيفاً “لم نلمس إلى الآن جديّة الحكومة في محاربة الفساد. ولدينا ملفّات لا تصلح للتداول الإعلامي في المرحلة الحالية، لكنّنا سنقدّم إلى الحكومة ملفّات مهمّة إذا ثبت صدقها”.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي الأحد استعادة “جزء” من نحو 2.5 مليار دولار اختلست من حساب بنكي لهيئة الضرائب، داعيا أي شخص متورط في القضية إلى تسليم نفسه وإعادة الأموال العامة المسروقة.

وكشف السوداني أن نور زهير جاسم، وهو أحد رجال الأعمال المتورطين في القضية، أعاد ما يزيد قليلا على 125 مليون دولار من أصل أكثر من مليار دولار “اعترف” بأنه أخذها. وأوضح رئيس الوزراء أنه سيتم الإفراج عن رجل الأعمال بكفالة مقابل إعادة باقي الأموال المسروقة في غضون أسبوعين.

وأثارت القضية التي تم الكشف عنها في منتصف أكتوبر وأطلق عليها اسم “سرقة القرن” سخطا شديدا في العراق الغني بالنفط والذي يعاني من استشراء الفساد. وتورد وثيقة من الهيئة العامة للضرائب أنه تم دفع 2.5 مليار دولار بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 عن طريق 247 صكا صرفتها خمس شركات. ثم تم سحب الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات التي يخضع أصحابها، وهم هاربون في الغالب، لأوامر توقيف.

وأضاف السوداني “تمكنت الجهات المختصة من استرداد الوجبة الأولى” والبالغة أكثر من 128 مليون دولار. وتحدث رئيس الوزراء العراقي في كلمة متلفزة وهو يقف بين رزم أوراق نقدية مكدسة. وقد أعاد هذه الأموال نور زهير جاسم الذي أوقف في نهاية أكتوبر في مطار بغداد أثناء محاولته مغادرة البلاد في طائرة خاصة.

وقال السوداني إن القضاء توصل إلى “اتفاق” مع المتهم على إعادة المبلغ كاملا، وتابع “سيطلق سراحه بكفالة حتى يسهل عملية استرداد المبالغ”. وأردف أنه تم القبض على متهم آخر في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي وسيسلم إلى السلطات في بغداد. ويشدد رئيس الوزراء باستمرار على رغبته في مكافحة الفساد، ويصدر إعلانات ومبادرات حول هذا الموضوع منذ توليه السلطة في أكتوبر.

◙ “سرقة القرن” ليس الأول ولن يكون الأخير، وهو جزء من سلسلة فساد مستشر يعود إلى اختلالات في رقابة أموال الدولة

وينخر الفساد كافة مؤسسات الدولة والإدارات العامة في العراق، ورغم صدور إدانات قضائية إلا أنها نادرا ما تستهدف مسؤولين كبارا. ويقول مراقبون إن ما يسمى “سرقة القرن” ليس الأول ولن يكون الأخير، وهو جزء من سلسلة فساد مستشر في البلاد، وترجع إلى اختلالات على مستوى رقابة أموال الدولة في الإدارة والآليات المستخدمة ما يسمح لهذه السرقات أن تمر دون أن تشعر بها أي جهة رقابية.

ويصنف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث تحتل الدولة المرتبة 157 عالميا من إجمالي 180 دولة ضمن مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي. ويؤكد محللون أن البلاد تعاني من مشكلة محتدمة رغم أن المنظمة لم تحدد أرقاما دقيقة لحجم الفساد في البلاد.

وفي 2014 كشف رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي عن وجود نحو 50 ألف جندي وموظف في وزارة الدفاع يتلقون رواتبهم دون وجود حقيقي لهم في أرض الواقع. وفي 2015 قال وزير النفط آنذاك عادل عبدالمهدي إن الموازنات العراقية من عام 2003 إلى عام 2015 بلغت 850 مليار دولار وهي أرقاك كبيرة إلا أن الفساد أهدر نحو 450 مليار دولار.

وفي 2021 كشف الرئيس العراقي آنذاك برهم صالح أن أموال النفط منذ 2003 تصل إلى نحو ألف مليار دولار، لافتا إلى أن تقديرات الأموال المنهوبة تبلغ نحو 150 مليار دولار.

العرب