الرئيس الصيني يواجه ضغوطا كبيرة تفاقمها الاحتجاجات

الرئيس الصيني يواجه ضغوطا كبيرة تفاقمها الاحتجاجات

نيويورك – بعد عامين على انتشار وباء كورونا صار من غير الممكن أن يشكك أحد في أن أفراد الشعب الصيني قد سئموا إجراءات الإغلاق المفاجئ، ووضع البوابات الحديدية حول المنازل، والتحاليل اليومية للكشف عن الفايروس، والحماس الزائد من جانب المسؤولين لإنفاذ القانون في تطبيق الإجراءات.

وترى المحللة الأميركية كلارا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن الاجراءات التي تسببت للصينيين في مآس كان يمكن تجنبها. فهذه التطورات فجرت موجة احتجاجات شعبية انتشرت في أنحاء الصين، لتظهر قدرا لا يوصف من شجاعة المقاومة وتحدي السلطة. ومع ذلك فالموقف يتطلب قدرا كبيرا من التريث قبل القفز إلى أيّ استنتاجات أو توقعات.

وتقول ماركيز إن الاحتجاجات مأساوية وخطيرة وتطيح في حالات نادرة بأنظمة.

ويواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يبدأ فترته الرئاسية الثالثة، ضغوطا هائلة أغلبها ناتج عن أخطاء سياسية لا يمكن التراجع عنها بسهولة. ويمكن القول إنه يمر الآن بأصعب لحظاته كرئيس لثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، حيث لا يستطيع حل معضلة صفر إصابات بفايروس كورونا، ويكافح لتعزيز النمو الاقتصادي، لكنه أبدا لم ولن يسقط.

وتضيف كلارا أن ما نراه في أنحاء الصين بالغ الأهمية، وكذلك كان الأمر في احتجاجات هونغ كونغ عام 2019 وفي بيلاروس وتايلاند عام 2020 وفي إيران عام 2022. وكذلك أيضا كان غضب المواطنين الصينيين والذي تم التعبير عنه في الغالب عبر الإنترنت احتجاجا على وفاة الطبيب لي وينليانغ الذي كان أول من كشف عن ظهور فايروس كورونا المستجد في الصين في بدايات الجائحة.

وهناك أيضا الناشط الذي رفع لافتة على أحد جسور بكين في وضح النهار وقبل أيام من بدء المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في الشهر الماضي وكتب فيها “كونوا مواطنين لا عبيدا”.

وترى المحللة الأميركية أن الأمر المهم هو ما سيحدث لاحقا. فالتاريخ يقول إن موجات الغضب الشعبي أقل خطورة على بقاء الأنظمة المستبدة من رد مسؤولي هذه الأنظمة على الاحتجاجات. فهل تستطيع حكومة تكرّس السلطة في يدها تحت قيادة الرئيس الصيني شي في نزع فتيل السخط الشعبي وتفريق الحشود؟ أم أنها ستحاول ببساطة إجبار الجميع على الصمت كما فعلت من قبل، وربما باستخدام القوة إذا لزم الأمر وهو ما يهدد بتفجير موجات غضب أقوى؟

ويرى رجال الحزب الحاكم الذين يمسكون بمطارق السلطة أن كل مشكلة عبارة عن مسمار يجب الدق عليه.

ورغم أن الاحتجاجات تجري في الصين حاليا، فإنها تتسم بالطابع المحلي، وتركز على موضوعات معيشية مثل التأخر في صرف الرواتب أو ظروف العمل أو القطاع العقاري المضطرب، حيث رأينا حالات غضب بسبب عدم الانتهاء من تنفيذ مشروعات إسكان ليقرر المواطنون التوقف عن سداد أقساط وحداتهم السكنية.

وتشير نظرة سريعة على البيانات التي جمعتها “نشرة العمل الصينية” إلى حدوث المئات من الاحتجاجات العمالية. كما أن دورية “تشاينا ديسنت مونيتور” التي تصدرها منظمة فريدم هاوس تضيف ما يصل إلى 668 حادثة تشمل كل أشكال المعارضة خلال الفترة من يونيو إلى سبتمبر الماضيين، احتجاجا على أمور متباينة بدءا من الاعتراض على إعادة توزيع المدارس وحتى جرائم الاختلاس من جانب مسؤولين محليين.

وفي الوقت نفسه فإن الاحتجاجات السياسية تظل قاصرة على الإنترنت وغير معتادة إن وجدت ولا تكتسب زخما على المستوى الوطني، وذلك بسبب الصعوبة البالغة في تنسيق مثل هذه الاحتجاجات، والرقابة الحكومية الصارمة على أيّ أنشطة، والخطورة الجسيمة التي تنطوي عليها مثل هذه الأنشطة كما هو الحال في أيّ نظام سلطوي.

ورغم صعوبة الوصول إلى صورة كاملة لما يجري في الصين حاليا، اعتمادا على حسابات فردية ولقطات يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل ويبو وتويتر، فالواضح أن هناك زخما في هذه الاحتجاجات وهو العامل السحري الذي يمكن أن يحول السخط إلى قوة سياسية لا يستهان بها.

فالشعور بالإحباط كان يتزايد بين الصينيين منذ فترة، والسياسة التي كانت بكين تأمل في نجاحها في تجنب الفوضى والاضطرابات من خلال تقليل عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا أصبحت نفسها محفزا على الغضب. فجائحة كورونا خلقت شكوى مشتركة بين مختلف قطاعات الشعب الصيني، وجمعت تلك المجموعات من عمال المصانع إلى طلاب المدارس وأبناء الأقليات وسكان الأحياء المضطهدة في بكين وشنغهاي. كما أصبحت النساء اللائي عانين من التهميش في ظل حكم شي في الواجهة. وبسرعة تداخلت القضايا المعيشية اليومية مع القضايا السياسية لدى المواطنين.

والصين التي كان يفترض عليها باعتبارها دولة سلطوية أن تتحرك بسرعة لمواجهة كارثة كورونا، انتظرت وقتا طويلا لمواجهة هذا التحدي، وتواجه الآن ارتفاعا كبيرا في أعداد الإصابات وتكافح من أجل السيطرة عليها أو التنبؤ بها.

فهل هذه تعتبر نقطة تحول بالنسبة إلى الصين؟ وهل هي مثل عام 1976 عندما تم سحق المظاهرات التي نجحت في التعبير عن الاستياء الشعبي، أم أنها مثل عام 1986 بآمالها المتكسرة أو حتى حادث تشيرنوبيل بالنسبة إلى الصين؟

وتقول كلارا ماركيز إن هذه اللحظات التاريخية بارزة ومهمة بالفعل، لكن لا يمكن القول إن ما تشهده الصين حاليا هو تكرار لها، على الأقل حتى الآن.

وأبسط سبب لهذه القناعة هو أن الدولة تنتظر تلاشي الاحتجاجات وهو أفضل سيناريو بالنسبة إلى الحكومة. وهو سيناريو محتمل في ظل غياب الحركة الموحدة، أو القيادة أو حتى القضية المشتركة باستثناء الغضب في هذه الاحتجاجات.

فإذا استمرت الحشود في التجمع سيظل الرئيس الصيني يمتلك العصا والجزرة اللازمة لتطهير الشوارع من الاحتجاجات. وفي كلمة له بعد توليه قيادة الحزب الشيوعي بأيام قليلة، قال شي إن الاتحاد السوفيتي انهار “لأنه لم يكن هناك شخص يتمتع بالرجولة الكافية لمقاومة الانهيار” وهو خطأ لن يسمح بتكراره.

فالمشكلة بالنسبة إلى الحكومة الصينية هي أنه حتى إذا نجح شي في احتواء الاحتجاجات سيظل الغضب الشعبي موجودا. كما أن الاقتصاد سيظل يعاني من الضغوط، ولن يستطيع الرئيس الصيني إعلان نهاية معركة الصين ضد كورونا دون انتصار حقيقي، وهي كلها أمور من الصعب عليه تحقيقها ليظل الرجل جالسا فوق برميل من البارود.

العرب