واشنطن – تتجاوز أهمية سلطنة عمان في الشرق الأوسط والعالم الـ5.4 مليار برميل من احتياطياتها النفطية المؤكدة التي تضعها في المرتبة الثانية والعشرين عالميا. حيث يقول المحلل سيمون واتكينز في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي إن أهمية السلطنة الحقيقية لكل من الولايات المتحدة والصين تكمن في موقعها الجغرافي الذي يجعلها أهم مركز للنفط والغاز في العالم. حيث أن للسلطنة سواحل طويلة على طول خليج عمان وبحر العرب مما يوفر وصولا غير مقيد إلى أسواق الشرق والغرب على قدم المساواة.
وتوفر عُمان وموانئها ومنشآتها الرئيسية للتخزين بهذا البديل الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران، والذي يمر عبره ما لا يقل عن ثلث إمدادات النفط الخام في العالم. لذلك، تركز واشنطن وبكين على أي تطورات كبيرة في عمان. وحدث الكثير منها في الآونة الأخيرة بما يهم الجانبين. وكان مفتاح كل هذه التطورات هو أن التحالف الغربي يبدو أخيرا أنه لاحظ كونه يخسر في عمان لصالح الصين، كما حدث في العديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد الانسحاب الأميركي أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في مايو 2018.
وكما أوضح موقع أويل برايس مرارا وتكرارا خلال هذه الفترة، استخدمت الصين “دبلوماسية دفتر الشيكات” لتوسيع وجودها في عمان. وتمثل الصين بالفعل حوالي 90 في المئة من صادرات النفط العمانية ومعظم صادراتها من البتروكيماويات، وسارعت إلى التعهد بتقديم 10 مليارات دولار أخرى على الفور للاستثمار في مشروع مصفاة الدقم الرائد في السلطنة.
عُمان وموانئها الرئيسية للتخزين توفر البديل الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران
وعلى الرغم من أن استثمارات من الصين كانت موجهة أساسا نحو استكمال مصفاة الدقم، فقد ضُخّت أيضا في تشييد منطقة صناعية بمساحة 11.72 كيلومتر مربع في الدقم لقطاع الصناعات الثقيلة والصناعات الخفيفة ومتعددة الاستخدامات. وقد مكّن هذا الصين من ترسيخ قَدَمِها في مناطق إستراتيجية في السلطنة.
ويرجح واتكينز أن ما تريده الصين من عُمان هو السيطرة على جميع الممرات الرئيسية لشحن النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا والغرب التي تتجنب طريق رأس الرجاء الصالح الأكثر تكلفة والأكثر تحديا من الناحية البحرية حول جنوب أفريقيا ومضيق هرمز الحساس سياسيا.
ويتماشى هذا مع هدف بكين الإستراتيجي الواسع الذي تجسّد في مشروع “حزام واحد، طريق واحد”. وتتمتع الصين بالفعل بالسيطرة الفعالة على مضيق هرمز بفضل اتفاقها الشامل لمدة 25 عاما مع إيران. وتمنح نفس الصفقة الصين سيطرة على باب المندب المضيق، الذي يُشحن من خلاله النفط الخام عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن ينتقل إلى البحر المتوسط ثم غربا. وقد تحقق ذلك لأنه يقع بين اليمن (الذي يعطله الحوثيون المدعومون من إيران، تماما كما تريد الصين) وجيبوتي (التي فرضت الصين قبضتها عليها).
ونظرا إلى الأموال التي أنفقتها الصين بالفعل في السلطنة، كانت بكين مستعدة للانتقال إلى المرحلة التالية من خطتها “الاستعمارية” كما برز مؤخرا في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأماكن أخرى، وخاصة في إيران والعراق وسريلانكا وجيبوتي، وهي تقييد عُمان بصفقات من نوع “فندق كاليفورنيا” (يمكنك أن تترك غرفتك في أي وقت تريد لكن ليس بوسعك الرحيل أبدا). وتتضمن الخطوة التالية انتظار بكين المرحلة التي لا يعود فيها البلد المضيف قادرا على تحمل مدفوعات التسديد والفائدة المتزايدة في نهاية فترة العقد، وتطرح حينها طرق استرداد ديون على غرار مصادرة الأراضي الإستراتيجية التي تعهدت بها الدولة المضيفة كضمان للصفقات.
لنتحدث عن الغرب، الذي قد يبدو للصين أنه لا يمتلك ما يكفي من الدربة على خوض مثل هذه الصفقات. لكنه لم يبن أكبر إمبراطوريتين منذ روما (بريطانيا العظمى والولايات المتحدة) دون أن يكون لديه ما يكفي من المعرفة التي تستحق الاهتمام.
كان أحد التطورات الرئيسية في هذا السياق هو توقيع اتفاقية الاستكشاف والمشاركة في الإنتاج بين وزارة الطاقة والمعادن العمانية وشركة شل عُمان لحلول الغاز المتكاملة، وهي تابعة لشركة رويال داتش شل البريطانية، إلى شركة النفط العمانية وتوتال إنرجيز الفرنسية لاستكشاف وتقييم وتطوير موارد الغاز الطبيعي والمكثفات في المنطقة 11. وتتمثل الإيجابية الجيوسياسية الرئيسية لهذه الأنواع من الصفقات على وجه الخصوص في أنها تتطلب وجودا كبيرا على الأرض من الرعايا الأجانب، بما في ذلك أفراد الأمن وموظفي الدعم الآخرين، كجزء من الصفقة.
ولا تختلف هذه الصفقة عن سابقاتها، حيث أسست شركة شل نفسها كمشغل للمنطقة 11، بحصة عمل بنسبة 67.5 في المئة، مع امتلاك شركة النفط العمانية 10 في المئة وتوتال إنرجيز 22.5 في المئة، وفقا للمعلومات الصادرة عن الشركتين. وستشهد أنشطة اتفاقية الاستكشاف والمشاركة في الإنتاج الاستحواذ على 1400 كيلومتر مربع في أواخر 2022.
كما ذكر وزير الطاقة والمعادن العماني المهندس سالم بن ناصر العوفي أن هذه الاتفاقية تعزز العلاقات الإستراتيجية مع شركاء في القطاع مثل شل وتوتال إنرجيز وشركة النفط العمانية وغيرها لضمان أمن الطاقة في سلطنة عمان وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، مضيفة لقيمة سلسلة التوريد المحلية.
ووفقا لمصادر قانونية تحدث إليها موقع أويل برايس حصريا في سلطنة عمان الأسبوع الماضي، قد تأتي المزيد من الاستثمارات القادمة من الشركات الغربية، حتى في الدقم ومن خلال العمل المنجز مع صندوق الاحتياطي العام العُماني. والدقم هو المشروع البارز الذي يركز على البتروكيماويات في عُمان والذي تأخر استكماله لعدة سنوات حيث عانت السلطنة من قيود الميزانية بسبب انخفاض أسعار النفط. كما هو موضح في العديد من المقالات في موقع أويل برايس على مر السنين، يحتل مشروع مصفاة الدقم الذي تتجاوز قيمته 8 مليارات دولار الآن 900 هكتار من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وهو مشروع مشترك بين شركة النفط العمانية وشركة البترول الكويتية العالمية.
230 ألف برميل معدل منتجات النفط الخام يوميا عند تشغيل مصفاة الدقم
وبالإضافة إلى الموقع الرئيسي لمصفاة الدقم، يشمل مشروع المصفاة أيضا بناء مرافق التخزين والتصدير للمنتجات البترولية في الميناء، ومنشآت محطة رأس مركز لتخزين النفط، وخط أنابيب النفط الخام بطول 80 كيلومترا من رأس مركز إلى المصفاة. ومن المتوقع عند تشغيل مصفاة الدقم تكرير 230 ألف برميل يوميا من منتجات النفط الخام.
ووفقا لتعليق حديث جدا من نائب الرئيس التنفيذي للتصنيع في شركة البترول الكويتية العالمية شافي العجمي، ستنطلق عمليات الدقم التجارية في 2023.
أثناء ذلك، يبحث صندوق الاحتياطي العام في السلطنة عن مستثمرين دوليين محتملين في سلسلة من عمليات التعويم المخططة للأسهم للعديد من الأصول الرئيسية في عمان. وتأسس الصندوق في 2020 بعد اندماج صندوق الاحتياطي العام وجهاز الاستثمار، ويُنظر إليه على أنه المفتاح لخطة التنمية “عمان 2040” التي تهدف إلى تقليل مساهمة الهيدروكربونات في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 10 في المئة بحلول ذلك العام.
ويتحكم الصندوق في أصول محفظة التنمية الوطنية وصندوق الأجيال المستقبلية، حيث تمتلك المؤسسة الأولى حصصا في حوالي 160 من الأصول والشركات الوطنية، بينما تمتلك الثانية أصولا أجنبية واستثمارات في السوق العامة والخاصة.
ومن بين العديد من الأصول الحكومية عالية القيمة الخاضعة لسيطرة صندوق الاحتياطي العام للدولة، نذكر شركة النفط العمانية الحكومية، وبورصة مسقط، والشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال.
وتتألف شركة النفط العمانية نفسها من الأصول المنفصلة سابقا لشركة النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية والشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال. وفي 2019، باعت عُمان 49 في المئة من شركة الكهرباء القابضة لشركة مؤسسة الشبكة الحكومية الصينية مقابل حوالي مليار دولار. ومع ذلك، ونظرا إلى الوعي المتجدد في غرب عمان بالأهمية الإستراتيجية الحاسمة لتدفقات النفط والغاز في الشرق الأوسط، يبدو أنه من غير المحتمل أن يُسمح للصين بالشراء الحر لكل شيء آخر معروض في المستقبل.
العرب