لا تزال محافظة كركوك، شمالي العراق، تحت وطأة الصراع على ملف إدارتها أمنياً، بعدما تم إخراج قوات البشمركة منها في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عقب استفتاء انفصال إقليم كردستان في 25 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، ليتسلم منذ ذلك الوقت الجيش العراقي و”الحشد الشعبي” الملف الأمني في المحافظة.
وفي ظل الصراع على كركوك الغنية بالنفط، بين حكومتي بغداد وأربيل، تثار بين فترة وأخرى مشاكل بشأن هذا الواقع، كان آخرها إبداء أحزاب كردية استياءها مما سمته استمرار حملات التفتيش التي تقوم بها قوات الأمن العراقية في المناطق والأحياء الكردية في المحافظة، معبّرة عن امتعاضها من وجود مقرات عسكرية داخل المدينة، لترتفع تحذيرات من صراع قومي في المحافظة ذات التركيبة السكانية المختلطة قومياً.
رسالة الأحزاب الكردية
ووجّهت الأحزاب الكردية، أمس الجمعة، رسالة إلى رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، تضمّنت سبع نقاط، جاء في مقدمتها أنه “توجد انتهاكات غير دستورية وغير قانونية متكررة ضد أهالي كركوك بصورة عامة والأكراد على وجه الخصوص، في وقت تحتاج فيه المحافظة إلى تعامل حكيم”.
ووقّع على هذه الرسالة ممثلو 14 حزباً كردياً في كركوك، أبرزها الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والتحالف المدني الكردستاني. وركزت على الملف الأمني، مطالبة بإخراج المقرات العسكرية من وسط المدينة، والتي اعتبرت هذه الأحزاب أنها “غير ضرورية وظاهرة غير حضارية تؤدي إلى تشويه المظاهر المدنية لكركوك”.
كما شددت الأحزاب على أن “حملات التفتيش الرسمية وغير الرسمية المستمرة في الليل في عدة مناطق مثل الشورجة، رحيماوا، شوراو، كردستان، دروازة وبنجا علي، أدت إلى هجرة العديد من سكان تلك المناطق”.
واتهمت هذه الأحزاب القوات العسكرية بـ”التدخّل لمصلحة قومية معينة على حساب القوميات الأخرى، بالأخص في ملف الأراضي الزراعية، ما تسبب بنشوء نزاعات قومية بين المزارعين في القرى”، محذرة من “إحداث تغييرات ديمغرافية في المحافظة”.
محمد العبيدي: عمليات كركوك ضمن متطلبات نقل الملف الأمني من وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية
وتحدثت عن “تمييز من قبل إدارة المحافظة بين أحياء كركوك في إيصال المشاريع الخدمية، ما جعل سكان المناطق الكردية يشعرون بالتهميش”، مشيرة إلى أن “هناك إجراءات غير قانونية من قبل حواجز التفتيش خارج المدينة، من بينها فرض إتاوات على المزارعين والتجار والكسبة، ما أدى إلى غلاء أسعار السلع والبضائع”، كما أشارت إلى “التغييرات الإداريةالتي أجريت في دوائر كركوك من قبل المحافظ، والتي لا تتناسب مع الحجم السكاني للمكون الكردي”.
ودعت تلك الأحزاب رئيس الجمهورية إلى “العمل على تحقيق التوازن والعدالة”، محذرة من “عواقب خطيرة في حال لم يتم أخذ النقاط المذكورة بنظر الاعتبار”.
من جهتها، نقلت محطة تلفزيون “روداو” الإخبارية المرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، عن مصادر وشهود عيان، تأكيدهم “انتشار قوات أمنية كبيرة منذ أيام في الأحياء الكردية بمدينة كركوك، وأن تلك القوات تنفذ عمليات في هذه الأحياء خلال الليل، فيما تقوم بنصب حواجز أمنية خلال النهار، الأمر الذي يثير القلق والامتعاض لدى السكان”.
وأشاروا إلى أن “عمليات تلك القوات التي تنفذها خلال الليل لا تعرف أسبابها، كما أن ممارساتها الأمنية بالنهار تضغط على المحال التجارية ما يجبر أصحابها على إغلاقها”.
ونقلت المحطة عن عضو لجنة كركوك للحزب الشيوعي الكردستاني دلشاد صالح قوله: “نشعر بأن الغرض من وجود قوات الجيش في كركوك سياسي، للضغط على المناطق الكردية”، مؤكداً أن “تلك القوات تقوم بنصب الحواجز الأمنية والتفتيش في أغلب الأحياء الكردية، ما أدى إلى امتعاض سكانها”.
خطة وزارة الداخلية
وفي المقابل، أكد العقيد محمد العبيدي، من قيادة عمليات كركوك، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن عمليات التفتيش في كركوك تشمل جميع الأحياء والمناطق، وهي ضمن خطة تأمين لوزارة الداخلية في عموم مدن العراق، ضمن متطلبات نقل الملف الأمني داخل مراكز المدن من مسؤولية وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية.
وأضاف أن “تلك الإجراءات تتم بشكل مهني وبعيدة عن أي توجهات أو ضغوط سياسية، والتحسس السياسي الحالي من قبل القوى الكردية مبني على مخاوف لا وجود لها على أرض الواقع”.
دلشاد صالح: نشعر بأن الغرض من وجود الجيش في كركوك هو الضغط على المناطق الكردية
وكانت المحافظة قد شهدت خلال الشهر الماضي تراجعاً أمنياً وهجمات من قبل عناصر “داعش”، دفعت أطرافاً حكومية وسياسية لإطلاق دعوات لتعزيز وجود القوات العراقية في المحافظة، الأمر الذي أثار مخاوف الجانب الكردي الذي يأمل بإعادة البشمركة بالتنسيق مع الجيش في المحافظة. وكان النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبد الله، قد دعا إلى انتشار قوات مشتركة من الجيش والبشمركة في المحافظة، ومراجعة تقييم الإجراءات الأمنية لمنع الخروقات المستمرة فيها.
وكثفت قوات الجيش و”الحشد الشعبي” عملياتها في المحافظة، وهو ما يثير قلق الأكراد. وأول من أمس الخميس، أعلنت قيادة “الحشد الشعبي” أن قوة تابعة له “وبالاشتراك مع قوة من وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في كركوك تمكنت بعملية أمنية نوعية من الإطاحة بأحد عناصر داعش، والذي كان يشغل منصب آمر السجون في قاطع الحويجة”.
من جهته، اعتبر عضو التيار الصدري عصام حسين أن التحركات الحالية في كركوك هي “بداية صراع عربي كردي”، في إشارة إلى مسألة تنازع الإدارة على المدينة بين بغداد وأربيل، وأضاف في تغريدة له على “تويتر”، محذراً من مغبة ذلك، أن “ما يحدث في كركوك “بداية صراع عربي كردي قد ينتج الإرهاب مرة أخرى”.
العربي الجديد