لم تكد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) تعلن وقف العمليات المشتركة مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سورية، بسبب القصف التركي على شمال سورية، وفي محاولة للضغط على الولايات المتحدة للتدخّل ومنع عملية عسكرية برية تركية متوقعة هناك، حتى عادت هذه القوات لتعلن أمس البدء من جديد “بعمليات ملاحقة داعش بالاشتراك مع التحالف”.
وترافق ذلك مع إعراب “قسد” عن عدم رضاها عن الدور الروسي “الذي لم يستطع منع الانتهاكات التركية”، في مؤشر إضافي إلى عدم قدرة هذه القوات التخلي عن الدعم الأميركي لها، خصوصاً مع إصرار أنقرة على مبدأ “القضاء على الإرهاب في مصدره“، وتأكيدها أنها ستشن العملية البرية في “المكان والزمان المناسبين”.
تنسيق “قسد” والتحالف الدولي
وأعلن عضو القيادة العامة لـ”قسد” محمود برخدان، في تصريح لـ”فرانس برس” أمس، أن هذه القوات بدأت أمس “بإعداد جدول جديد للبدء بعمليات ملاحقة داعش بالتنسيق والاشتراك مع التحالف الدولي اعتباراً من يوم غد” السبت، وذلك “بعدما اضطررنا إلى وقف العمليات ضد خلايا داعش لأيام عدة”، مشيراً إلى أن “تركيا استهدفت مقاتلينا الذين كانوا يعملون بشكل مباشر مع التحالف في مخيم الهول والقاعدة العسكرية المشتركة في شمال الحسكة، ما أدى إلى استشهاد عدد من المقاتلين”.
وجاء كلام برخدان بعد ساعات من إعلان المتحدث باسم “قسد” أرام حنا أن هذه القوات أوقفت جميع عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة مع الولايات المتحدة. وقال حنا لوكالة “رويترز” إن “كل عمليات التنسيق والعمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب مع التحالف” و”جميع العمليات الخاصة المشتركة التي كنا ننفذها بانتظام” قد توقفت.
كما تحدث حنا لـ”العربي الجديد” عن الجهود الدولية، خصوصاً الروسية، لإيجاد تسوية لتجنّب التصعيد العسكري، قائلاً إن “قسد” ترحب بهذه الجهود، “ورحبت بدخول القوات الروسية إلى مناطقنا في شرق الفرات باعتبارها الطرف الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر/ تشرين الأول 2019”.
حنا: جهود موسكو لم تكن كافية لضمان حماية أهلنا والأراضي السورية، ونحن بالتالي غير راضين عن الدور الروسي
وأضاف “عملنا مع القيادة الروسية على أرفع المستويات لضبط خط التماس والمناطق الحدودية، وزودناهم بكل التفاصيل بشأن خروقات الجانب التركي لهذه الاتفاقات، واستهداف نقاط طبابة ومستشفيات ومدارس والمرافق الخدمية ومواقع آهلة بالسكان”.
وأعلن أن “قسد” تقدّر بشكل إيجابي دور القوات الروسية في “تجاوز عقبات عدة وحماية المنطقة”، لكنه استدرك بأن “هذه الجهود لم تكن كافية لضمان حماية أهلنا والأراضي السورية، ونحن بالتالي غير راضين عن الدور الروسي الذي لم يستطع منع الانتهاكات التركية”.
لكن مقابل حديث “قسد” عن وقف العمليات مع التحالف الدولي، كانت وكالة “فرانس برس” تفيد بأن التحالف استأنف أمس دورياته المعتادة في مناطق سيطرة “قسد” في شمال سورية بعد تقليصها إثر الضربات الجوية التركية على المنطقة.
وقالت إن دوريتين للتحالف انطلقتا صباح أمس في اتجاهين مختلفين من قاعدة رميلان في شمال شرق البلاد برفقة مقاتلين من “قسد”. وتضمنت كل دورية أربع مدرعات رفعت الأعلام الأميركية ورافقتها سيارة عسكرية لـ”قسد”، وجالت إحداها في قرى متاخمة للحدود التركية قرب مدينة المالكية الحدودية، فيما توجهت الثانية شرقاً باتجاه الحدود العراقية.
ونقلت “فرانس برس” عن مصدر عسكري كردي قوله إن “التحالف الدولي استأنف بالتنسيق مع قسد دورياته المعتادة في شمال شرق سورية بعدما قلصها إثر الضربات التركية على المنطقة”.
وأضاف “تم وضع برنامج أسبوعي جديد لاستئناف العمل بشكل طبيعي”، مشيراً إلى أن “الدوريات تراجعت من 20 دورية أسبوعياً إلى نحو خمس أو ست بعد الضربات التركية”. وقال المصدر “لم يتوقف التنسيق بين قسد والتحالف، لكنه تراجع مع تقليص الدوريات”. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس عن تسيير دوريات أيضاً في محافظة دير الزور.
تركيا تطالب أميركا وروسيا بالوفاء بتعهداتهما
مقابل ذلك، كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يشدد، أمس، على أن العملية العسكرية التركية في سورية لا تشكل تهديداً لأحد. وفي تصريح صحافي خلال مشاركته في فعالية حزبية شمال غربي تركيا، دعا أكار روسيا والولايات المتحدة وبقية الحلفاء للوفاء بالتعهدات التي قدموها لتركيا.
وأضاف “نستعد للقيام بكل ما يجب القيام به، وعندما يحين الزمان والمكان (المناسبين)، ستقوم القوات المسلحة التركية بما يقع على عاتقها كما فعلت حتى الآن، ولا ينبغي لأحد أن يشك في ذلك”. ودعا أكار الدول الحليفة لبلاده لـ”قطع علاقتها بالإرهابيين ووقف دعمها والتخلي عنهم”، ووجه كلامه لتلك الدول قائلا “تركيا حليفتكم ويمكنكم التعاون معها، ونذكّر حلفاءنا بأن الجيش التركي هو الأساس الذي يمكنكم الاعتماد عليه في مكافحة الإرهاب”.
أكار: عندما يحين الزمان والمكان، ستقوم القوات المسلحة التركية بما يقع على عاتقها، ولا ينبغي لأحد أن يشك في ذلك
وشدد على مواصلة تركيا بحزم مكافحة المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها “العمال الكردستاني” والوحدات الكردية و”داعش” من دون تمييز بينها داخل البلاد وخارجها، مؤكداً أن القتال سيستمر حتى تحييد آخر إرهابي، وأشار إلى أن تركيا تتحرك وفق مفهوم “القضاء على الإرهاب في مصدره”.
من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن بلاده بحاجة لتطهير شمالي سورية من تنظيم “العمال الكردستاني” مثلما فعلت مع تنظيم “داعش”. وفي كلمة ألقاها على هامش مشاركته في النسخة الثامنة لمنتدى الحوار المتوسطي الذي أقيم في روما، قال جاووش أوغلو إن الولايات المتحدة وروسيا فشلتا في الوفاء بوعود “تطهير الحدود السورية” مع تركيا من المسلحين الأكراد.
وتابع: “لقد توصلنا إلى تفاهم مع الولايات المتحدة وروسيا ولقد التزمتا بدفع هؤلاء الإرهابيين جنوباً بعيداً عن حدودنا… لكن منذ ذلك الحين، لم يفيا بالتزاماتهما”.
ميدانياً، واصل الجيش التركي عمليات القصف المدفعي والجوي لمناطق سيطرة “قسد”، وقصف أمس بالمدفعية والصواريخ مواقع “قسد” في قرى تل شعير، وشيوخ تحتاني، وجارقلي، وزورمغار، ومزرعة أحمد منير، شرق نهر الفرات قبالة مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي. كما طاول القصف قرى الدبس وجديدة ومشيرفة، غرب ناحية عين عيسى بريف الرقة الشمالي، ومحيط تل أبيض بريف الرقة.
كما أعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان، أمس، تحييد 5 من “العمال الكردستاني” شمالي سورية، كما أعلنت أن جهاز الاستخبارات التركي تمكن من تحييد قيادي في “العمال” يدعى محمد ناصر في سورية، وهو خبير في مجال الصواريخ، ولعب دوراً فاعلاً في التخطيط لعمليات تخريبية، وفق الوزارة.
التلويح بورقة “داعش”
وليست هذه المرة الأولى التي تلوّح فيها “قسد” بورقة “داعش” بهدف الضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمنع تركيا من شنّ عملية عسكرية، وكانت قد أعلنت في 23 الشهر الماضي أنها أوقفت التنسيق مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمحاربة “داعش”.
ورأى المحلل والأكاديمي الكردي فريد سعدون أن تنظيم “داعش” يشكّل خطراً حقيقياً على “قسد” نفسها، وأنه سوف يستغلّ أي تطورات لاستعادة نفوذه في شرق الفرات. وأضاف سعدون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذا “أمر محسوم، وهناك محاولات سابقة للتنظيم للتمدد باتجاه الحدود التركية والعراقية، وفي ذروة تمدده عام 2014 وصل إلى الحسكة وريف القامشلي”.
وأعرب سعدون عن اعتقاده بأنه في حال خفّت سيطرة “قسد” فإن “داعش” سينشط من جديد وسيحاول السيطرة على المناطق النفطية بشكل خاص، مذكّراً بمحاولة التنظيم مطلع العام الحالي السيطرة على سجن غويران، وأنه قد يكرّر مثل هذه المحاولات في حال لمس ضعفاً من “قسد”.
وأشار إلى أن “داعش” يسيطر بطريقة ما اليوم على حركة مرور شاحنات النفط عند الحدود العراقية، ويفرض إتاوات على أصحاب تلك الشاحنات. ورأى سعدون أن تصريحات “قسد” المتكررة بشأن وقف التنسيق مع التحالف إعلامية وتستهدف الضغط على الأميركيين لتقديم المزيد من الدعم لـ”قسد”، مشيراً إلى أن هذه القوات تستخدم ورقة “داعش” أيضاً لتخويف دول الجوار.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي محمد جزار، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “قسد” تستغل ورقة “داعش” لابتزاز المجتمع الدولي، معتبراً أن التنظيم لا يستطيع السيطرة على مناطق جغرافية جديدة لأنه تخلخل كجسم عسكري، بغضّ النظر عن العمليات المتفرقة التي يقوم بها هنا وهناك، ثم يتوارى عناصره في عمق الصحراء. وشكك جزار في أي أنشطة لعناصر التنظيم خارج البادية السورية والعراقية، معتبراً كذلك أن مثل هذه الأنشطة قد تكون مفتعلة من قِبل “قسد” بهدف الاستثمار السياسي.
العربي الجديد