في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، انفجرت قنبلة في شارع الاستقلال المزدحم في إسطنبول، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين. ووصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحادث بأنه هجوم إرهابي، فيما زعم وزير الداخلية، سليمان صويلو، أن حزب العمال الكردستاني وميليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية هما المسؤلان عن الهجوم.
وفي عملية أمنية وحملة اعتقالات نفذتها حكومة أردوغان تحت بند “مكافحة الإرهاب”، تم اعتقال أكثر من 50 شخصًا، بمن فيهم أحلام البشير، المرأة المشتبه في زرعها القنبلة. ويثير هذا الهجوم الأخير مخاوف من أن الحوادث الإرهابية ستزداد في الفترة التي تسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في حزيران (يونيو) 2023. ومن المرجح أن تكثف قوات الأمن الداخلي التركية نشاطها لمكافحة الإرهاب، كما يغلب أن يتم تعزيز الأمن في البلاد في الأشهر المقبلة.
ومع ذلك، سوف يكون الأمن القومي التركي مدفوعًا بمجموعة أوسع من العوامل الخارجية والداخلية، بما في ذلك الاقتصاد المتعثر والانقسام السكاني المتزايد.
يهيمن الرئيس أردوغان على السياسة التركية. وقد انتخب رئيسًا في العام 2014، وكان سابقًا رئيسًا للوزراء منذ العام 2003. وقد نجح أردوغان، وهو سياسي محافظ اجتماعيًا وشعبوي، في حشد مؤيديه في العام 2016 للرد على محاولة للانقلاب، ثم فاز لاحقًا بولايته الرئاسية الثانية في العام 2017. وحافظ أردوغان على منصبه بالبطش والتقلب في الولاءات في علاقاته الدولية.
أدى اندفاع أردوغان في التعاون مع روسيا بشأن سورية إلى إثارة الحلفاء من خلال شراء تركيا أنظمة صواريخ روسية من طراز “أس-400”. كما عرقل أردوغان انضمام السويد إلى حلف “الناتو” بسبب موقف ستوكهولم من نشطاء “حزب العمال الكردستاني”، واستمر في الإدلاء ببيانات تحريضية ضد اليونان الشريكة في “الناتو”.
ومع ذلك، سهل حواره المستمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاوضات؛ حيث نُسب إلى أنقرة نجاح مبادرة عبور شحنات الحبوب عبر البحر الأسود في تموز (يوليو) 2022، التي توفر ضمانات أمنية لتمكين استئناف صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية. ومن المرجح أن يلعب اردوغان أيضًا دورًا رئيسيًا كلما كانت هناك إمكانية لإجراء مفاوضات سلام حقيقية في النزاع الأوكراني.
إضافة إلى اليونان وقبرص وبلغاريا، تمتلك تركيا حدودًا مع سورية والعراق وإيران وأرمينيا وجورجيا، وتؤثر على روسيا وأوكرانيا من خلال التحكم في الوصول إلى البحر الأسود. كما تزيد صراعات المنطقة من عدم الاستقرار الداخلي. ووفقًا للأمم المتحدة، تستضيف تركيا لاجئين أكثر من أي دولة أخرى على مستوى العالم، بحوالي 3.7 مليون لاجئ. وتعمل العديد من الجماعات الإجرامية والإرهابية ذات المستوى العالمي في مفترق الطرق الجيوستراتيجي هذا. ومع ذلك، فإن لدى البلاد جهاز أمن داخلي قادر وفعال.
يعود تاريخ الشعوب الكردية إلى ما قبل الحدود الوطنية الحديثة، لكن مفهوم الوطن المستقل تصاعد في أواخر القرن العشرين، حيث أصبح الأكراد مهمشين بشكل متزايد في جميع أنحاء المنطقة. وتم تشكيل “حزب العمال الكردستاني” في السبعينيات منذ أن شن حملة عنيفة في كثير من الأحيان من أجل الحكم الذاتي. وجرت مفاوضات مع السلطات التركية على مدار سنوات عديدة، لكن الحرب الأهلية السورية جعلت الوضع أكثر تعقيدًا، لا سيما مع الدعم الغربي للجماعات الكردية ضد “داعش”.
وتشكلت “وحدات حماية الشعب”، التي تشتبه السلطات التركية بضلوعها في هجوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) في إسطنبول، بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011. وتنتمي المجموعة إلى “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي السوري، وتزعم السلطات التركية أن كل هذه الجماعات مرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” وأنها مسؤولة عن أعمال عنف عبر الحدود.
كانت هناك العديد من الهجمات الإرهابية المدعومة من الأكراد في تركيا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك فترة مكثفة بين 2015-2017 عندما قُتل مئات عدة من الأشخاص، معظمهم من المسؤولين الحكوميين الأتراك وأفراد من قوات الأمن. وشهدت تركيا في الفترة نفسها أيضًا هجمات من تنظيم “داعش” استهدفت مصالح كردية ومواقع سياحية. وفي 16 آذار (مارس)، قتل انتحاري مدعوم من “داعش” خمسة أشخاص في الشارع نفسه الذي وقع فيه هجوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر). ومنذ العام 2018، تم تحييد تنظيم “داعش” إلى حد كبير في سورية، وأدى دور جهاز المخابرات الوطني التركي إلى تدهور أحوال “حزب العمال الكردستاني” بشكل كبير. وبالتالي، انخفض عدد الهجمات الإرهابية، مما جعل هجوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الأسوأ منذ أربع سنوات على الأقل. وقد استهدفت العديد من الهجمات الأقل مستوى في الفترة المؤقتة قوات الأمن التركية في جنوب شرق البلاد، وبعيدًا عن مركزي البلاد، أنقرة واسطنبول.
كان أكبر تحديين تواجههما تركيا هما اقتصادها ومجتمعها المنقسم. وقد عانى الاقتصاد بشدة منذ منتصف العام 2021. في السابق، كان معدل التضخم يحقق نموًا مستدامًا بنحو 5 في المائة سنويًا، وارتفع من حوالي 10 في المائة في أواخر العام 2020 إلى أكثر من 80 في المائة، بينما انخفضت قيمة الليرة بسرعة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى إبقاء البنك المركزي أسعار الفائدة منخفضة مع ارتفاع التضخم. وقد هاجر العديد من الأتراك الشباب، بدافع من ضعف الآفاق المحلية، مما أثر بشكل أكبر على إمكانات النمو في المستقبل. كما أصبح المجتمع مستقطبًا بشكل متزايد بين الطبقات الريفية والفقيرة والدينية، والمجموعات الأكثر علمانية وتعليمًا وتوجهًا إلى الغرب. وفي كلتا الفترتين الرئاسيتين الأخيرتين، تم إصدار تشريعات لزيادة الضغط على مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، لتقليل الرقابة البرلمانية، وتقويض حقوق الإنسان.
في حديثه يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) للاحتفال بالذكرى التاسعة والتسعين لتأسيس الجمهورية التركية، أطلق أردوغان فعليًا حملته لإعادة انتخابه. ووعد بتحقيق نفوذ دولي أكبر لتركيا، وتحسين حقوق المرأة، وكذلك حماية القيم العائلية فيما كان يُنظر إليه على أنه هجوم على الأقليات.
وبعد أيام، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، أصبح كمال كيليجدار أوغلو، زعيم المعارضة الرئيسي والمنافس المحتمل لأردوغان على الرئاسة، الهدف الأول لقانون “التضليل الإعلامي” الجديد. وطلبت الشرطة من النيابة العامة التحقيق مع زعيم حزب الشعب الجمهوري لانتقاده رد فعل الحكومة على تجارة المخدرات. وفي الأشهر المقبلة، من المرجح أن يصعد أردوغان خطابه الشعبوي. ومن المرجح أن تكون هناك هجمات متزايدة على وسائل الإعلام وشبكات المجتمع المدني، وعمليات قمع أمنية تستهدف الجماعات الكردية.
ومن المرجح أيضًا أن يستفيد من وضعه على المسرح العالمي، كوسيط في النزاع الروسي الأوكراني، بينما يظل أيضًا في عدائه لليونان وغيرها من القضايا القومية. ويغلب أيضًا أن تظل السلطات الأمنية في مستويات عالية من التأهب، وتحافظ على وجود مرئي في المناطق السياحية وغيرها من المناطق الرئيسية، وربما تنتشر بأعداد أكبر في المناطق الحدودية مع سورية. ومن الممكن شن مزيد من الهجمات، سواء كانت مرتبطة بحملات انتخابية أو كجزء من نشاط إرهابي طويل المدى. وستظل مثل هذه الهجمات على الأرجح في جنوب شرق البلاد وستواصل السلطات الأمنية التركية عمليات مكافحة الإرهاب لردع هذا النشاط وتعطيله بقوة.
الغد