إسقاط تركيا طائرة عسكرية روسية قرب الحدود السورية سيخلّف نتائج سياسية حميدة. أولى بوادر هذه النتائج جاءت على لسان الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية الذي شكّك في الدور الروسي في محاربة «داعش» وقدّم تفاصيل تُثبت ذلك، مشيراً إلى أن التنظيم لم يكن موجوداً في منطقة عمليات الطائرة الروسية المستهدفة، وأن «معظم الغارات الروسية كان يصب مباشرة في مصلحة دعم نظام الأسد، والذي هو أساس المشكلة».
يُستبعد أن يجرّ حادث الطائرة الروسية إلى مواجهة كبرى، لكن الذي لا جدال حوله هو أنها أصبحت سبباً في لجم العدوان الروسي على الشعب السوري، وفرز المواقف التي كانت شبه غامضة قبل سقوط الطائرة. أنقرة كانت قلقة منذ اليوم الأول لبدء «عاصفة السوخوي»، وجاءت اعتداءات باريس، وقبلها سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، لتجعل التدخُّل الروسي يبدو كأنه يحظى بتأييد دولي، لذلك كانت تركيا تبحث عن فرصة لكسر هذا الغموض أو التردُّد، وإن شئت، التكاذب، واتخاذ خطوة تسمح بإعلان موقف «الناتو» (الحلف الأطلسي) من التدخُّل الروسي، فضلاً عن أن الحلف تعامل مع الخطوة التركية كأنه ينتظرها، من أجل إيصال الرسالة التي كان على موسكو أن تعرفها منذ اليوم الأول.
هل الخطوة التركية مفيدة لتسريع حل الأزمة السورية؟ الأرجح أنها لن تكون كذلك، وربما زادت توغُّل الأقليات في الملف السوري. موسكو ستعمد إلى دعم الأكراد، وتركيا ستواجه هذه الخطوة، وربما لعبت بورقة السوريين من أصول تركمانية، للتدخُّل في الأراضي السورية المتاخمة لحدودها. ولكن واضح، حتى الآن، أن تركيا تنال من الغطرسة الروسية بدهاء سياسي، وأعصاب باردة. والأهم أنها تتجه إلى وسم التدخُّل الروسي بصفته دعماً للنظام السوري، وتكراراً للدور الإيراني في سورية. أنقرة أجبرت موسكو على الاصطفاف مع طهران، واستمرار وحشية التدخُّل الروسي والإيراني، واستهداف المدنيين العزّل، ودعم نظام بشار. وتجاهل محاربة تنظيم «داعش»، سيشكل مع الوقت موقفاً مضاداً لدور البلدين في الأزمة السورية.
لا شك في أن تركيا سعيدة بالتهوُّر الروسي، والتهديد بـ «حق الرد». روسيا تخوض حربها المتوحشة في سورية من أجل مصالحها، وتركيا تدافع عن أمنها وحدودها، ولن تعطي روسيا فرصة لتهديد هذا الأمن، فضلاً عن أنها تملك قوة تدرك موسكو حجمها.
الأكيد أن أنقرة أفسدت خطط بوتين، ونجحت في إذلال روسيا ولجم غطرستها، واستفزتها على نحو يهدد بفشل مهمتها الملتبسة.