اتسعت دائرة الرفض لنظام الفاتورة الإلكترونية الذي تسعى الحكومة المصرية إلى الانتهاء من تطبيقه بحلول عام 2025، خاصة من قبل أصحاب المهن الحرة مثل الأطباء والمحامين والفنانين وغيرهم على الرغم من انضمام قطاع واسع من كبار الممولين والشركات له.
وتأتي تلك الخطوة -التي بدأتها الحكومة عام 2020- في إطار مساعيها لحصر جميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية من جهة، وزيادة الإيرادات الضريبية ومحاصرة الاقتصاد غير الرسمي من جهة أخرى، فضلا عن تيسير تتبع الفواتير وإصدارها.
وكانت مصلحة الضرائب المصرية ألزمت المنشآت الفردية -سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية مثل المحامين والأطباء والفنانين والمحاسبين القانونيين والمهندسين والاستشاريين- بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية في موعد أقصاه 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ما هو نظام الفاتورة الإلكترونية؟
كانت البداية بتطبيق النظام الجديد بشكل تجريبي على عدد صغير من الممولين والشركات، بحسب رشا عبد العال معاونة رئيس مصلحة الضرائب، قبل أن يشمل عددا أكبر، وتقسيم البرنامج على عدد من المراحل تنتهي في 2025.
الفاتورة الرقمية (الإلكترونية) هي بديل الفاتورة الورقية لتسجيل كافة المعاملات، سواء كانت سلعا أو خدمات بين الشركات أو بين الشركات والأفراد، ولها شكل موحد وخصائص محددة، ويتم التوقيع عليها إلكترونيا وإرسالها واستلامها من خلال المنظومة الإلكترونية لمصلحة الضرائب.
وتقول وزارة المالية إنها تأمل الانتهاء من تطبيق الفاتورة الإلكترونية بشكل كامل لتحقيق عدة أهداف، من أبرزها القضاء على الاقتصاد غير الرسمي، وسهولة تبادل البيانات إلكترونيا، وانخفاض التكاليف وسهولة الفحص الضريبي، فضلا عن وجود رقم تعريفي خاص بكل فاتورة وخروج جميع الفواتير في شكل موحد.
مضاعفة الضرائب
تشكل الضرائب العمود الفقري لإيرادات الدولة لتمويل الموازنة، إلى جانب الاستدانة لسداد القروض وفوائدها، وتستهدف الحكومة تحقيق أعلى إيرادات ضريبية في تاريخها بقيمة 1.065 مليار جنيه.
في سبتمبر/أيلول 2021 قال وزير المالية محمد معيط لوكالة رويترز “أتوقع أنه باستكمال المشروع (الفاتورة الإلكترونية) سترتفع إيرادات الضرائب إلى ضعفيها، من تريليون إلى تريليوني جنيه مصري” (الدولار يساوي 24.62 جنيها).
وأشار معيط إلى أن “هذا سيساعد على نحو واضح في دمج القطاع غير الرسمي، لأنه سيكفل أن يكون كل القطاع غير الرسمي ملحوظا ومشمولا في القطاع الرسمي”.
وتعد مسألة الانضمام إلى منظومة الفاتورة الإلكترونية إلزامية وليست اختيارية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم (206) لسنة 2020، وفقا لبيان وزارة المالية، ويترتب على عدم الانضمام إليها تطبيق أحكام القانون وعقوباته.
جباية وأعباء مالية
بدوره، قال أحمد خزيم الخبير الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة إن “الهدف الرئيس من تعميم هذا القرار على أصحاب المهن الحرة هو زيادة إيرادات الدولة من الضرائب لتمويل الموازنة، وهذا يتعارض مع خضوع هذه الفئات لضريبة الدخل والقيمة المضافة وغيرها من أنواع الضرائب”.
ورأى خزيم في حديثه للجزيرة نت أن تطبيق مثل هذه المنظومة في الوقت الحالي حيث تعاني الدولة قبل المواطن من تدهور قيمة الجنيه وثبات الدخول وارتفاع أسعار الفائدة سيأتي بنتائج عكسية، وعلى الحكومة توجيه سياستها نحو التنمية والقيمة المضافة بدلا من سياسة الجباية التي أصبحت مسيطرة على فكرها.
وتوقع أن تؤدي جهود تطبيق تلك المنظومة على تلك الفئات إلى مجموعة أخرى من المشاكل الاقتصادية، وعلى رأسها زيادة الأحمال والأعباء المالية على الفئتين المتوسطة والفقيرة والأكثر فقرا، وبالتالي لا يمكن أن يكون تمويل عجز الموازنة دائما من جيوب المواطنين.
رفض واسع من أصحاب المهن
في المقابل، يرفض قطاع عريض من أصحاب المهن مثل الأطباء والمحامين والفنانين وغيرهم الانضمام للنظام الجديد، بدعوى أن مهنهم ليست عملا تجاريا ولا نشاطا اقتصاديا يمكن تطبيق النظام عليها، إلى جانب قيامهم بدفع جميع أنواع الضرائب، بما فيها ضريبة الدخل.
لكن رئيس مصلحة الضرائب المصرية مختار توفيق أكد أكثر من مرة أنه لا توجد أي استثناءات لأي ممول (بمن فيهم أصحاب المهن) بمصلحة الضرائب من التسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية.
وأمام إصرار الحكومة أعلنت نقابة المحامين والنقابات الفرعية الأسبوع الماضي رفضها التسجيل في منظومة التسجيل الإلكتروني والفاتورة الإلكترونية بإجماع الآراء بعد اجتماع عقده مجلسها في مقر النقابة بالقاهرة.
وفي خطوة نادرة منذ حظر التظاهر في البلاد منذ سنوات نظم المحامون وقفات احتجاجية الخميس الماضي انطلاقا من مقر نقابتهم في وسط القاهرة التي اكتظت بالحضور وحتى فروع النقابة في عموم البلاد، وضجت بالهتافات التي تطالب بإلغاء انضمامهم إلى النظام الجديد الذي وصفوه “بالجباية”.
وقامت بعض النقابات الفرعية بوقف التعامل مع خزائن المحاكم -في خطوة تصعيدية- لمدة يوم واحد، وفي محاولة للوصول إلى حل للأزمة تقرر تشكيل لجنة مشتركة من نقابة المحامين ووزارة المالية ومصلحة الضرائب للوصول إلى نظام ضريبي عادل.
المحامون أنشط الرافضين
وقال أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا بشير منير “المحامي يخضع لضرائب الدخل والقيمة المضافة بالإضافة إلى الدمغات والرسوم واستخراج التصاريح وطلبات الاطلاع على القرارات والتي تضاعفت قيمتها عدة مرات، وهو أكبر مورد لخزائن المحاكم إن لم يكن المورد الرئيسي والأساسي”.
وأوضح منير للجزيرة نت أن المحامين من أكثر الناس الذين تتم محاسبتهم ضريبيا على كل قضية يقومون برفعها في جميع مراحل التقاضي من محكمة أول درجة أو ثاني درجة أو استئناف أو في النقض، وفي كل مرة يقوم المحامي بتقديم صورة من البطاقة الضريبية ولا نستفيد من الدولة شيئا.
وأكد منير -وهو أيضا مؤسس الجمعية المصرية للمحامين النوبيين- أن مهنة المحاماة ليست عملا تجاريا أو إنتاجيا بل عمل ذهني وفكري، وليس لدي سلعة أبيعها، وهناك الكثير من المحامين ليست لديهم مكاتب ولا القدرة المالية على دخول المحاكم ورفع قضايا، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المصروفات لا يمكن إثباتها من أجل خصمها مثل المأكل والملبس والإكراميات والتنقل وغيرها.
وطالب بوقف القرار وإعادة صياغته بشكل لا يشكل عبئا على المحامين ولا على الموكلين، وإحالة الأمر إلى مجلس النواب مرة أخرى بناء على قرار من رئيس الجمهورية لإعادة مناقشته والنظر في الفئات التي ينبغي أن تستثنى من تطبيقه عليها.
وهناك أكثر من 420 ألف محام أغلبهم لديه بطاقات ضريبية، وتوفر النقابة علاج المحامين ومعاشاتهم ومرتبات العاملين من أموالها الخاصة، وفقا لعبد الحليم علام نقيب محامي مصر ورئيس اتحاد المحامين العرب.
الأطباء على خطى المحامين
إلى جانب المحامين يرفض الأطباء القرار، وتقدم نقيب الأطباء حسن خيري قبل أيام بطلب لعقد لقاء مع وزير المالية ومصلحة الضرائب لمناقشة القضية، مشيرا إلى أن مجلس النقابة العامة للأطباء أصدر عدة قرارات بالطعن على قرار وزارة المالية بتطبيق الفاتورة الإلكترونية على الأطباء.
وأكد المشرف العام على مشروع العلاج لأعضاء نقابات المهن الطبية الدكتور رشوان شعبان أن “الموقف الرسمي لمجلس النقابة تمثل في رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة لوقف تنفيذ القرار، لأنه لا ينطبق على الأطباء من وجهة نظرنا، لأننا لا نبيع سلعة إنما نقدم خدمات طبية”.
وأضاف شعبان للجزيرة نت “ولكن في نفس الوقت تعاقدنا مع مكتب محاسبة لتوعية الأطباء بالإجراءات المتبعة في التسجيل والإقرار الضريبي بأسعار معقولة، وحرصا من نقابة الأطباء على عدم تعرض الطبيب لأي أضرار في كل الأحوال، وفي حال تطبيقها ستشكل أعباء التسجيل سنويا وحدها 9 آلاف جنيه متضمنة التوقيع الإلكتروني وغيرها من الإجراءات”.
وأشار عضو مجلس نقابة الأطباء إلى أن الطبيب لديه بطاقة ضريبية وتتم محاسبته ضريبيا كل عام، ويتقدم بإقرار ضريبي، وفي حال تأخر أحدهم عن السداد أو تقديم الإقرار يتعرض لمشاكل قانونية، وأي زيادة في الأعباء سوف يتحملها المستفيد من الخدمة وهو المريض.
وعلى الصعيد الفني، أعرب نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي عن صدمته من القرار، وقال في تصريحات متلفزة “نحن لا نعرف شيئا عن الفاتورة الإلكترونية، وهي ليست قرارات منزلة من السماء، نحن نحترم منظومة الضرائب في مصر ولكن لا يصح أن نتفاجأ بقرار لا نعرف عنه أي شيء”.
وناشد زكي وزير المالية والجهات المعنية إرجاء العمل بالفاتورة الإلكترونية لحين إجراء حوار موضوعي مع النقابة، مشيرا إلى أن هناك فئات مطحونة من الفنانين لا يستطيعون تحمل أعباء الفاتورة الإلكترونية، فضلا عن أن الفنان لا ينبغي خضوعه لها، على حد قوله.
تحرك برلماني
وفي أول تحرك برلماني، تقدمت عضوة مجلس النواب إيناس عبد الحليم بأول بيان عاجل خاص بتطبيق الفاتورة الإلكترونية على الأطباء، مؤكدة مخالفته الدستور بدعوى أن مهنة الطب ليست مهنة تجارية.
ووصفت عبد الحليم في بيان لها تناقلته وسائل الإعلام المحلية قرار فرض هذه الضريبة على أعمال الأطباء وما تلاه من إلزام بنظام الفاتورة الإلكترونية على السادة الأطباء بأنه قرار معيب يستلزم الرجوع عنه وعدم تطبيقه لمخالفته أحكام الدستور.
وأكدت أن الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني يؤثران بالسلب على المهنة، وهذا بدوره يحول الطبيب في عمله من رسالة إلى سلعة، لافتة إلى أن فرض القرار سيؤثر على حق للمواطنين، حيث إنها حقوق مكفولة للجميع دستوريا.
من جهته، تقدم النائب ضياء الدين داود بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب المصري بشأن عدم مشروعية إخضاع رسالة المحاماة للفاتورة الإلكترونية عملا بأحكام المادة (134) من الدستور، والمادة (212) من اللائحة الداخلية للمجلس.
وقال داود إن “افتعال الأزمات مع فئات المجتمع المختلفة أصبح صناعة حكومية بامتياز، وكان آخرها هو محاولة إخضاع رسالة المحاماة لنظام الفاتورة الإلكترونية على غير سند من دستور أو قانون سوى الهوى والغرض فقط”.
المصدر : الجزيرة