الاطر الحضارية والتاريخية لعمق العلاقات الصينية العربية.

الاطر الحضارية والتاريخية لعمق العلاقات الصينية العربية.

كتب الرئيس الصيني (شي جين بينغ) مقالة بعنوان (توارث الصداقة الممتدة لألأف السنين والعمل سويا على خلق مستقبل جميل ) يوم الخميس الموافق 22 كانون الأول 2022 في جريدة الرياض السعودية بمناسبة زيارته للمملكة العربية السعودية، ويمكن لنا أن نحدد السمات الأساسية والمسارات الدقيقة والمواضيع الرئيسية التي احتوتها المقالة وأعطت مفهوما لرؤية إستراتيجية واضحة لمعطيات الآفاق المستقبلية والرؤى الميدانية للسياسة الصينية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتحديدا في العلاقة مع السعودية ودول الخليج العربي ، فقد اخذت منحى تاريخي وحضاري وسياسي واقتصادي أرخت لجذور العلاقات العربية الصينية عبر التاريخ وهو ما أشار إليه الرئيس الصيني بقوله (ان جذور العلاقات بين الصين والعرب تعود إلى 2000 سنة من التاريخ وطريق الحرير البري يشهد بذلك عبر تبادلات كثيفة بين التجار والمسافرين وهناك طريق التوابل البحري حيث السفن الشراعية ) وهو يعطي رسالة مهمة للاخرين عن عمق الحضارة العربية والصينية والامتداد الواسع في الفهم المشترك بين الشعبين والتبادل المعرفي والعلمي والتجاري والاقتصادي بين الطرفين الذي عمق حقيقة الترابط والعلاقات الودية التي امتدت منذ الالأف السنين وأصبحت إحدى العلامات البارزة في العلاقات الدولية .
ويمنح الرئيس (شي جين ) أهمية وجدانية عندما يتغنى بتلألأ الحضارتين الصينية والعربية في طرفي قارة آسيا حيث الخوف وصناعة الورق والطباعة الصينية يقابلها علوم الفلك والتقويم و الحب والصيدلة عند العرب وهذا يعطي نموذج رصين للتبادل المعرفي وتحديد مفهوم الاستفادة بين الشرق والغرب.
ولكي يعطي الجانب الروحي مكانته في عمق العلاقة التاريخية فهو يستنير بقول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم(اطلب العلم ولو في الصين ) وهي دلالة قطعية لعمق الحضارة العربية الإسلامية التي تعشقت باواصر العلاقات المتينة بين الشعبين وأعطت ثمارها في الاستمرار والتطور الإنساني في تعزيز العلاقات والمصالح المشتركة، واستمرار في عملية البناء الحضاري والتأصيل الروحي يعطي الرئيس الصيني مثالا جميلا العمق الإنساني الذي يتصف به الصينيون عندما يرسم لوحة رقيقة لما قاله البحار الصيني(دانا دايوان) قبل 700سنة عندما زار الجزيرة العربية ووصفها بأنها(تتميز بالمناظر المنسجمة والطقس المعتدل في الفصول الأربعة والحقول الخصبة التي يزرع فيها الأرز بكثافة ).
ثم يعرج في المقال ليعطي المكانة الكبيرة والدور الفعال للأمة العربية بقوله (ان العالم العربي عضو مهم في صفوف الدول النامية وقوة مهمة للدفاع عن العدل والإنصاف الدوليين والشعب العربي يسعى للتقدم لما يتصف به من الإيمان بالاستقلال وعدم الخضوع لسياسة القوة والهيمنة ولديه إمكانيات هائلة )، وهذا اعتزاز ورأي بليغ بالحضارة العربية كونها عميقة الجذور والتي يراها الرئيس الصيني انها تتميز بالاعتدال والوسطية وتمثل موقع مهم في الخريطة السياسة والاقتصادية والحضارية، وهي حقيقة ناصعة تعطي الجانب الإنساني الحضاري لامتنا العربية وتمنحها دورا رائدا في تعزيز العلاقات بين الشعوب واحترام خصوصياتها وعدم تدخلها شؤونها الداخلية وتسعى إلى بناء علاقات متينة قائمة على الاحترام وتبادل المصالح وتعزيز الإرادة الوطنية والاستقلال الفعلي ولهذا بقيت العلاقات الصينية العربية في حالة من التطور والرقي عبر السنين والعقود الزمنية الماضية وتقدمت بخطوات متوازنة ومتميزة في ظل المتغيرات الدولية التي تشهدها الساحة العالمية.
ويحدد الرئيس الصيني معايير واقعية بتحديد الشراكة والتنمية وتطوير العلاقات الإستراتيجية مع (12) دولة عربية فيما وقعت على وثائق التعاون بشأن بناء الحزام والطريق(20) عشرون دولة أخرى وأعربت(17) دولة عن دعمها لمبادرة التنمية العالمية وانضمت (15) دولة إلى البنك الآسيوي للاستثمار وشاركت (14) دولة في مبادرة التعاون مع الصين ، وهذا شكل عاملا مهما في تعزيز البنية الإستراتيجية وتحديد الآفاق المستقبلية للعلاقات الودية في كافة المجالات ، كما حدد الموقف الثابت التي توليه الصين والدعم الثابت للقضية الفلسطينية.
ويحدد المقال مفهوما سياسيا واقتصاديا لبناء الشراكة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبره الرئيس الصيني محورا جغرافيا يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا ويمثل ميزة جغرافية بارزة ويعتبر كنز للطاقة العالمية حيث تتصف دول المجلس بانها تعمل بشكل جاد لبناء سوق موحدة واقتصاد موحد ومنظومة مالية موحدة، وان الصين هي أكبر شريك تجاري لدول المجلس وأكبر مستورد لمنتجاتها البتروكيماوية حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي إلى(230) مليار دولار وتجاوزت واردات النفط الخام إلى(200) مليون طن ،اما العلاقة مع المملكة العربية السعودية فالجهود مستمرة للارتقاء بها إلى أعلى المستويات كونها تعتبر المصدر المهم للطاقة وعضو بارز في مجموعة العشرين ،وهناك العديد من المشاريع التنموية الكبيرة التي نفذت من قبل الشركات الصينية في العديد من المواقع النفطية والحقول المكتشفة والمصافي البترولية والعديد من آفاق البناء الثقافي والفني والتعاون في ميادين والقوة منظمة الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون الأمني والاقتصادي.
ويختم الرئيس الصيني مقالا بقوله (ان الصين قوة ثابتة تحافظ على السلام في العالم وتعزز التنمية المشتركة وتعمل بعزيمة لا تزعزع على توفير فرص جديدة لدول العالم بما فيها الدول العربية وسنعمل مع الاخوة العرب على توارث الصداقة التاريخية وخلق مستقبل جميل والانطلاق سوية نحو غد أكثر إشراقا ).
هذه هي المضامين والأسس الرصينة والمراكز المتينة التي دعى إليها الرئيس الصيني محددا فيها الثوابت والدلالات الحضارية والتاريخية والسبل الكفيلة لتطوير العلاقات بين الصين والاقطار العربية واستمرارها وفقا للمصالح المشتركة واحترام سيادة واستقلال البلدان وعدم التدخل فيها وتعميق أواصر العلاقات عبر الاتفاقيات المشتركة والأعمال والمشاريع التنموية الإستراتيجية.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية