بوضع وزير الدفاع اللبناني موريس سليم “فيتو سياسيا” أمام التمديد لقادة الجيش اللبناني لتفادي شغور في المناصب العسكرية الحساسة، دخلت المؤسسة العسكرية مرحلة تجاذبات الفراغ الرئاسي وانقسام الساسة اللبنانيين، وهو ما يؤثر على جهوزيتها في مرحلة دقيقة.
بيروت – امتدت الأزمة السياسية المستحكمة في لبنان إلى المؤسسة العسكرية رغم التحذيرات من تداعيات ذلك على عمل الأجهزة الأمنية في ظل تكهنات بتوترات أمنية محتملة نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.
ورفض وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم التمديد المقترح والمرفوع من قائد الجيش اللّبناني العماد جوزيف عون لرئيس الأركان اللّواء أمين العرم والمفتّش العام في المجلس العسكري اللّواء ميلاد إسحاق، اللّذين يتقاعدان في الرابع والعشرين والخامس والعشرين من ديسمبر الحالي.
وبرّر وزير الدفاع رفضه بأنّ “التّمديد لرئيس الأركان اللّواء أمين العرم ليس قانونيًّا”. وسبق التّمديد لرئيس الأركان السّابق اللّواء وليد سلمان. وعلّق رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جبنلاط بالقول “ما يحصل ابتزاز سياسي من جهة، وابتزاز رئاسي من جهة أخرى”.
وعن اتجاه البلد في خضمّ كلّ هذه المناكفات المفتوحة وعرقلة سير عمل المؤسّسات وسيرورتها، شدّد جنبلاط على أنّ “البلد يغرق، وبعض القوى السياسيّة لا تنتخب رئيسًا للجمهوريّة، مع تشكيك البعض الآخر في شرعيّة انعقاد جلسات مجلس الوزراء”، مؤكّدًا أنّ “ما يحصل هو ضرب من اللّامعقول”.
ويرى مراقبون أن شغور مناصب عسكرية حساسة في ظل فراغ رئاسي يُتوقع أن يطول قد يؤثر على الجهوزية، لاسيما بعد تحذيرات الأجهزة الأمنية من احتمالية اندلاع احتجاجات اجتماعية واسعة في البلاد قد تصعب السيطرة عليها.
وانتهت ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون التي دامت 6 سنوات في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، مخلّفا فراغا رئاسيا وسط فشل البرلمان في انتخاب خلف له، بسبب تجاذبات بين الكتل البرلمانية.
وحذرت مصادر لبنانية من استمرار الشغور الرئاسي في لبنان لفترة طويلة وهو ما يربك عمل المؤسسات الأمنية في البلاد، خاصة في ظل عدم وجود قانون ناظم للتعيينات والإقالات والإحالة على التقاعد في هذه المؤسسات في غياب رئيس للجمهورية ومجلس وزراء ذي صلاحيات كاملة.
ودفعت هذه التحذيرات حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي إلى تبني مشروع قانون تقدمت به كتلة “اللقاء الديمقراطي” للتمديد للمديرين العامّين داخل الأجهزة العسكرية والأمنية بعد بلوغ بعضهم سن التقاعد.
وقدّم “اللقاء الديمقراطي” مشروع قانون لتعديل المادّتين 56 و57 من المرسوم الاشتراعي رقم 102 (قانون الدفاع الوطني) المتعلّقتين بالتسريح الحكميّ للعسكريين بحيث يُمدِّد لهم سنتين في كلّ مواقعهم ويُسرّحون حكماً بعد انتهاء المدّة، على أن تكون مدّة تطبيق القانون ثلاث سنوات فقط.
وبالنسبة إلى العسكريين، سيشمل هذا القانون في حال إقراره، كلا من رئيس أركان الجيش اللواء أمين العرم الذي يُحال إلى التقاعد في الرابع والعشرين من ديسمبر، وعضوي المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحاق واللواء مالك شمص اللذين يُحالان إلى التقاعد في ديسمبر وفبراير 2023 تواليا، وقائد الدرك العميد مروان سليلاتي الذي يُحال إلى التقاعد في سبتمبر 2023، ورئيس الغرفة العسكرية في وزارة الدفاع العميد منصور نبهان، ونائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير، ونائب المدير العام للأمن العام العميد إلياس البيسري، كما يمكن لقائد الجيش العماد جوزيف عون الاستفادة بما أنّه يُحال إلى التقاعد في يناير 2024.
وحذرت أوساط سياسية وأمنية من انفلات أمني يتجه بلبنان نحو الفوضى مع تعثر الاستحقاقات الدستورية عقب موجة من اقتحامات للبنوك وتوتر داخل المخيمات الفلسطينية إلى جانب فرار عدد من السجناء.
وتشير التوقعات إلى توسع رقعة التفلّت أكثر، وفق ما يشير إليه تسلسل الأحداث. وأمام هذه الصورة تقف الدولة متفرجة لا قدرة لها على تحريك ساكنٍ، فلا إمكانياتها المالية تسمح بتطوير قدراتها لضبط الأمن والقطاع العام، ولا قدراتها البشرية تتيح لها اتخاذ الإجراءات الاستثنائية لفرض سيطرة الأجهزة الأمنية على الأرض، توازياً مع تعثر الاستحقاقات الدستورية المتمثلة في انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة.
وبفعل الاحتقان الآخذ في الازدياد، بات الانفجار الاجتماعي نتيجة تتوقعها أعلى المراجع الأمنية في البلاد، وتحذر منها التقارير الدولية التي ترصد أحوال لبنان وسكانه، خاصة أنه ما من إجراءات حكومية أو سياسية تتخذ في سبيل كبح الانهيار، فيما كل متطلبات الانفجار باتت متوفرة على الساحة اللبنانية.
وحذر مدير عام جهاز الأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم من أن “المجد الموروث استبيح وأوشك أن يتهدم” في إشارة إلى لبنان، وذلك نتيجة فقدان “اكتمال الإطار الدستوري والمؤسساتي وانتظامه تحت قبة القانون الذي يضمن العدالة والمساواة لجميع اللبنانيين”.
وجاءت تحذيرات إبراهيم خلال زيارة له إلى الرابطة المارونية في لبنان أكد فيها أن “الخطر الداهم يهدد لبنان”، مضيفاً أن “لا استقرار على المستوى الأمني إلا بشرطين: الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي، وإن سبب عدم الاستقرار السياسي مرده إلى الخلافات المستشرية في الداخل اللبناني، والنكايات المتبادلة بين الأفرقاء السياسيين”.
ونبه إلى أن الأمور ستتجه نحو الأسوأ في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وأن القطاع الأمني هو من أكثر القطاعات تأثرا، وأن الأوضاع آخذة في التفاقم، مشدداً على أن الوضع الاجتماعي سينفجر آجلا أو عاجلا. ويجب تدارك الأمر بعمل مكثف وجاد في كل الاتجاهات.
ويقول مراقبون إن التحذيرات جاءت بمثابة جرس إنذار مبني على معطيات، لاسيما وأن القيادات الأمنية في البلاد دائما ما تنتهج التطمين في خطابها العام، ما يجعل التحذيرات من هذا النوع موضع قلق وارتياب مما قد تحمله الفترة المقبلة من توترات اجتماعية بدأت تظهر على شكل جرائم وسرقات وأحداث فريدة ما كانت تشهدها البلاد من قبل.
العرب