تستغل إيران بقايا الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان حول قرة باغ لتأكيد نفوذها المتزايد عند أرمينيا وليس بعيدا عن روسيا. فطهران غير مرتاحة لتزايد النفوذ الإسرائيلي ومستعدة لمنافسة الحضور التركي في القوقاز.
نيويورك – أظهرت الحرب الكلامية الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا وتطورات الأسابيع العديدة الماضية أن الجانبين لا يزالان بعيدين عن إبرام اتفاق السلام الذي جرى التعهد به بحلول نهاية 2022. ورغم تعهد البلدين بتكثيف الجهود المشتركة بشأن معاهدة السلام النهائية في أكتوبر 2022 على هامش قمة براغ، لم يحدث الكثير منذ ذلك الحين.
بل تفاقم الفشل في إجراء مفاوضات سلام بسبب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المثيرة للجدل بشأن عدم اعتراف موسكو بسيادة أذربيجان على قرة باغ، الأمر الذي عزز مخاطر تجدد الأعمال العدائية بين باكو ويريفان. وتظهر أذربيجان الآن علانية استياءها من دور موسكو في عملية السلام، خاصة بعد الاجتماع الرمزي في سوتشي في 3 أكتوبر، على الرغم من أن روسيا تحافظ على دور “الوسيط الرئيسي” في قضية قرة باغ.
إيران تحاول ثني أرمينيا عن المضي قدما في مفاوضات السلام وسط علاقة إيران المتدهورة مع أذربيجان
وليست روسيا سوى واحدة من عدد من الدول الإقليمية التي عقدت مفاوضات السلام المعقدة بين باكو ويريفان. وحاولت إيران في الآونة الأخيرة، وهي لاعب إقليمي قوي آخر، ثني أرمينيا عن المضي قدما في مفاوضات السلام وسط علاقة إيران المتدهورة مع أذربيجان. وقد تصاعدت التوترات الدبلوماسية بين باكو وطهران عندما شنت إيران مناورات حربية ضخمة على طول حدودها المشتركة مع أذربيجان كردّ فعل على جهود باكو لإنشاء ممر عبور زانجيزور من عاصمة أذربيجان إلى نخجوان وتركيا. وشعرت إيران بقلق أكبر بسبب انخراط أذربيجان العميق مع إسرائيل في قضايا الدفاع والأمن.
لكن محاولات طهران لتخويف باكو للتخلي عن ممر زانجيزور ووقف شراكتها مع تل أبيب قد أدت إلى نتائج عكسية، حيث زادت أذربيجان من تعميق العلاقة من خلال الإعلان عن إنشاء سفارة في إسرائيل. وتمارس إيران هذه التكتيكات القسرية مع أذربيجان لأن نتائج معاهدة سلام محتملة مع أرمينيا يمكن أن تقوض نفوذ طهران في المنطقة وتمهد الطريق لتوسيع أكبر للنفوذ التركي. كما أنه من مصلحة إيران إبقاء التوترات بين أرمينيا وأذربيجان قائمة للحد من قدرة باكو على المناورة، على الرغم من أن هذا النهج لم ينجح مؤخرا.
وبالتالي، صعّبت ضغوط طهران على يريفان وعلى رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان متابعة الالتزامات التي تعهدت بها البلاد في 10 نوفمبر لإجراء حوار بناء مع أذربيجان. وتتوقع التقارير الإعلامية الأخيرة أن تزود إيران أرمينيا بطائرات قتالية دون طيار وذخائر محلية الصنع، بما يمكّن القوات من تشكيل رادع صارم ضد الدول المنافسة لها، ولاسيما أذربيجان. وتتطلع طهران في الواقع إلى توسيع مبيعاتها من الأسلحة في جميع أنحاء أوراسيا، وسعت لدخول سوق الدفاع الأرمني، وعرضت نفسها كرادع محتمل ضد الاصطفاف الأذري – التركي المتزايد. ووفقا ليحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، فإن أكثر من 10 دول قد اتصلت بإيران لشراء الطائرات المقاتلة المسيّرة المطورة حديثا هذا العام وحده، بما في ذلك الجزائر وأرمينيا وروسيا.
وعلى الرغم من عدم توفر الكثير من التفاصيل فيما يتعلق بالعرض الإيراني لأرمينيا، فمن المرجح أن تزود طهران يريفان بذخائر شاهد – 136. وقد استخدمت روسيا هذه الطائرات في الأسابيع الأخيرة ضد أهداف مدنية وعسكرية داخل أوكرانيا. كما أتيحت الفرصة لأرمينيا لمراقبة قدرات الطائرات دون طيار الإيرانية خلال منافسة مشتركة للطائرات المسيّرة بين روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وإيران في أغسطس 2022، والتي أطلق عليها اسم “فالكون هانتينغ”.
وتعزز عرض طهران للمساعدة العسكرية ليريفان بشكل أكبر بعد افتتاح إيران قنصلية جديدة في كابان بمقاطعة سيونيك في أرمينيا، بالقرب من نخجوان الذاتية. ولا شك أن محاولات إيران لإثارة التوترات بين باكو ويريفان تهدف إلى تعطيل الترادف الأذري – التركي العميق في جوار إيران. وستمكن عملية السلام المطولة إيران من ممارسة سيطرة أكبر على منطقتها الحدودية مع أرمينيا.
كما تسعى إيران، كجزء من هذه السياسة، لنيل دعم روسيا في ممارسة المزيد من الضغط على أذربيجان، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تستجيب موسكو لطلبات طهران نظرا لشراكتها الصريحة مع أنقرة والتوترات المتصاعدة بين باكو ويريفان بشأن قرة باغ.
والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 5 ديسمبر بنظيره الأذري في موسكو وأشاد بالشراكة الإستراتيجية الثنائية بين البلدين، مؤكدا أن توقيع اتفاق سلام سيتم على أساس إعلان ألماتي (1991) بين أذربيجان وأرمينيا. وبالتالي، فمن الآمن القول إن روسيا تعدّ نسبيا أكثر حرصا على ضمان الاستقرار في جنوب القوقاز بينما تشن حربها ضد أوكرانيا، في حين تأمل إيران في تخريب العملية.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن طموحات إيران لتعطيل مجرى الأحداث الجارية في جنوب القوقاز تتجاوز قدراتها الحقيقية وسط تدهور الاستقرار الداخلي وركود الاقتصاد. لكن ضغط طهران على يريفان لتعليق محادثات السلام مع باكو قد يحرز نجاحا ضئيلا وتكون له عواقب وخيمة على المنطقة ككل.
العرب