أعلنت وزارة الصناعة والمعادن العراقية عن مساع إلى فتح مدن صناعية واقتصادية جديدة مع إيران والسعودية وتركيا، كما كشفت عن رغبة من قبل الجانب التركي في إقامة مدينة صناعية دوائية في محافظة نينوى.
وتبحث السلطات العراقية عن التوجه نحو جذب الاستثمارات الخارجية، إذ أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تغريدة له أن “قمة بغداد الثانية التي استضافها الأردن الشقيق أكدت دور العراق المحوري بالمنطقة والعالم”.
وأضاف السوداني أن القمة “ستكون منطلقاً لتنمية اقتصادية وشراكة جادة مرتكزها بغداد السلام”.
وعبر عن شكره “لكل الدول المشاركة في القمة”، مؤكداً “سنواصل العمل مع الأشقاء والأصدقاء لتحقيق أهدافنا الاقتصادية والتنموية خدمة لشعبنا الكريم”.
خريطة المناطق الصناعية
في هذا السياق، قالت وزارة الصناعة والمعادن إن “هناك تقدماً كبيراً وملموساً في مشاريع المدن الصناعية في المحافظات”، مبينة أن “المدينة الصناعية في الأنبار أنجزت فيها المرحلة الأولى بالكامل، كما شارفت المرحلة الثانية على الإنجاز، إذ بلغت نحو 70 في المئة”.
وأشارت إلى أن “المدينة الصناعية في محافظة ذي قار شهدت إنجاز المرحلتين الأولى والثانية بنسبة 100 في المئة”، منوهة بأن “هيئة المدن الصناعية تسعى إلى إنجاز جميع المراحل وفتح مشاريع أخرى لمدن صناعية مشتركة بينها وبين دول الجوار”.
ولفتت إلى “مساع إلى إنجاز مشروع المدينة الاقتصادية المشتركة على الحدود بين العراق والأردن”، مؤكدة “الجهود الحثيثة من الوزارة لغرض المشاركة في فتح مدن صناعية واقتصادية مع الدول الأخرى مثل إيران أو السعودية أو تركيا”.
وأضافت أن “هناك رغبة من قبل الجانب التركي لإقامة مدينة صناعية دوائية في محافظة نينوى، بخاصة أن المنطقة تمثل مركزاً تجارياً مهماً”.
وأوضحت أن “هناك مدينتين صناعيتين قيد التطوير من قبل المستثمرين، هما كربلاء المتخصصة بالصناعات البتروكيماوية والنفطية، والمدينة الصناعية في النجف الأشرف التي تعنى بالصناعات غير الملوثة وتقدر مساحتها بنحو ستة آلاف دونم”.
وأشارت إلى “وجود مدينة صناعية في محافظة واسط بمساحة خمسة آلاف دونم مطروحة كفرصة استثمارية”.
وكان وزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم وضع في وقت سابق حجر الأساس لمشروع مدينة النجف الصناعية غير الملوثة، التي تعد من أكبر المدن الصناعية على مساحة ستة آلاف دونم.
وأعرب عن أمله بأن تكلل المدينة بالنجاح وتستقطب الصناعيين من أهالي النجف وخارجها ومن خارج العراق، مبيناً أن “المدينة ستكون ذكية وصديقة للبيئة، ونعمل على استحداث مدينة صناعية في كل المحافظات”.
وأوضح أن المدن الصناعية تسهم في تطوير المحافظات التي تقام فيها من كل النواحي الاقتصادية والبيئية وحتى الاجتماعية، كونها توفر فرص عمل وتحتوي على خدمات ومجمعات ومرافق أخرى، مشيراً إلى أن المدن الصناعية تكسب أهمية استثنائية في تنظيم القطاع الصناعي.
سياسة بناء المدن
يقول أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي إن “هناك أهمية كبيرة جداً لأن تتبنى الحكومة العراقية سياسة بناء المدن الصناعية في محافظات البلاد، كونها تعتبر من أهم المشاريع الاقتصادية أو الأفكار التي تنفذها الدولة بهدف تطوير القطاع الصناعي فيها بشكل خاص، ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام، ويعتبر القطاع الاقتصادي من أكثر القطاعات الاقتصادية استيعاباً للأيدي العاملة بمختلف مستوياتها الفنية والعلمية”.
واعتبر السعدي أن “إقامة المدن الصناعية توفر للمستثمر البنية التحتية لإقامة مشروعه، ولهذا تختار الحكومة مساحة من الأرض السهلية تكون بعيدة من التجمعات السكانية، وتعبد الطرق الواصلة إليها وتقسمها إلى مساحات محددة تفصلها الطرق المعبدة، كما توصل الماء والكهرباء إلى هذه الأقسام لتكون جاهزة لأي استثمار، كما تبني الحكومة بعض الإنشاءات الخدمية لهذا التجمع”.
وأوضح أن منظمة التجارة العالمية نفسها وضعت شروطاً لرعاية المناطق الحرة في العالم بغية تشجيعها، إذ تضمنت اتفاقية منظمة التجارة العالمية (WTO) تفاصيل ما يسمى الإعانات والتدابير التعويضية (SCM)، لتعبر عن شروط وفوائد المناطق الحرة لمختلف بلدان العالم.
وأضاف “لكن من المهم جداً أن تكون هناك بنية تحتية متكاملة لجميع المرافق والخدمات، مما يساعد على توطين الصناعة ويحقق من خلالها أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة للبلاد”.
وذكر أن المدن الصناعية تساعد على نشأة المصانع الوطنية ونموها، كما تخلق تكاملاً بين المصانع الحكومية والخاصة نظراً إلى التقارب في ما بينها، وتسهم في تنويع مصادر الدخل النقدي.
لكن على الحكومة العراقية، بحسب السعدي، أن تحدد مناطق جغرافية تخضع فيها الشركات لقواعد خاصة تختلف عن تلك الموجودة في بقية البلاد، وغالباً ما يمنح المستثمرون إعفاءات ضريبية، وأخرى من الرسوم وحوافز مالية.
على رغم أن الاستثمارات الأجنبية بشكل عام ظاهرة إيجابية وناجحة في بعض البلدان، وهناك ضرورة بالفعل للصناعات الاستثمارية الأجنبية والعراقية ولتأسيس المدن الصناعية في العراق، فضلاً عن التعاون مع البلدان المجاورة والدول العربية وغيرها، فإن ذلك يجب أن يتم ضمن شروط منصفة للعراق وللصناعيين العراقيين وأيضاً للمستثمر العراقي، كما يقول السعدي.
ويعتقد أن قانون (البصرة عاصمة العراق الاقتصادية) الذي أقر عام 2017 لم ينفذ حتى الآن، ويعد تغييراً جوهرياً في فلسفة تأسيس وبناء المناطق الحرة، إذ ركز القانون على إدارة مناطق تجارية حرة، هي أقرب إلى فكرة المدن الصناعية والخدمية الحرة.
أشباح الفساد
وعلى رغم أن فكرة إنشاء المدن الصناعية في العراق تبدو جيدة للوهلة الأولى في تحويل المناطق النائية إلى صناعية وتشغيل العاطلين، كما أن العراق يملك معادن يمكن الاستفادة منها في إنشاء مئات المصانع، فإن هناك مخاوف من إمكانية أن يتغلغل الفساد الذي يعانيه العراق إلى هذه المناطق، فضلاً عن الممارسة الخاطئة للفكرة الصحيحة، وتأثير ذلك في البيئة والمواطن والاقتصاد العراقي المنهك أساساً.
في المقابل، ذكر الباحث الاقتصادي عامر الجواهري أن “قمة بغداد” في نسختها الثانية ركزت على الجانب الاقتصادي بصورة أكبر.
ورأى الجواهري في تصريح صحافي أن “خطاب العراق كان واضحاً بأنه يركز على التعاون في شأن البنى التحتية والاستثمارات والشراكة”.
ونوه بأن “الحكومة لا تكفيها المطالبة والطموح، بل من واجبها تحديد ما المشاريع التي يروم العراق تنفيذها بصورة أوضح من خلال ما تم عرضه في القمة”.
وأشار إلى أن “مشاريع المدن الصناعية التي تم الحديث بشأنها في القمة ينبغي تنفيذها في الداخل، لتشغيل الأيادي العاملة العراقية على أن تكون المدخلات الاقتصادية والمخرجات لصالح المواطن العراقي”.
ومضى الجواهري إلى أن “السعودية أعلنت استعدادها لإنشاء مدينة صناعية في العراق، لكن بالإمكان التعاون معها أيضاً لإنشاء مجمع بتروكيماوي”.
اندبندت عربي