الوساطة العمانية باليمن في نقطة حرجة

الوساطة العمانية باليمن في نقطة حرجة

عدن- تصاعدت حدة التصريحات الإعلامية في المشهد اليمني مع وصول الوساطة العمانية حول استئناف تمديد الهدنة الأممية، إلى نقطة حرجة نتيجة تشبث الجماعة الحوثية بمطالبها “التعجيزية” بحسب وصفِ مسؤولين دوليين، ورفض الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تقديم المزيد من التنازلات التي باتت توصف بالمذلة.

ويعزز هذا الوضع ما ذهب إليه مراقبون بأن ما آلت إليه الأوضاع بات يحتاج إلى مبادرة عمانية تلزم أطراف الصراع وليس مجرد وساطة.

وفي تحول لافت في الخطاب السياسي للشرعية اليمنية، شهدت الأيام القليلة الماضية تغيّرا في نبرة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة اليمنية والتحالف العربي كشفت عن الاستعداد للتعاطي مع التداعيات العسكرية المحتملة لانهيار جهود الوساطة العمانية التي تشير المعطيات إلى وصولها إلى طريق مسدود.

ودعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي الأربعاء إلى دعم المقاومة الشعبية والانتفاضة في مناطق سيطرة الحوثيين خلال ترؤسه اجتماعا بمحافظي 12 محافظة يمنية تخضع لسيطرة الحوثيين.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج البحسني تأكيده على “أهمية توحيد الجهود العسكرية والأمنية، وضرورة عملها تحت قيادة وطنية موحدة ضد ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني”.

وتزامنت التصريحات مع استقبال وزير الدفاع في الحكومة المعترف بها دوليا، الفريق محسن الداعري في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، قائد قوات الدعم والإسناد بالداخل اليمني اللواء الركن سلطان البقمي. وتطرق الاجتماع وفقا لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية إلى “طبيعة الموقف العسكري، في ظل التصعيد الإرهابي للميليشيات الحوثية المدعومة إيرانيا واستهدافها المتكرر للمنشآت الوطنية، وخطوط الملاحة الدولية، ورفضها الجنوح للسلام”، والتأكيد على “أهمية بذل المزيد من الجهود والتنسيق لمواجهة التحديات الماثلة، بما يضمن ردع الاعتداءات الإرهابية والتعامل معها بكل قوة وحزم”.

ويشير التحول في خطاب مسؤولي الشرعية اليمنية إلى استعداد الحكومة ومن خلفها التحالف العربي لمواجهة كافة السيناريوهات بما في ذلك تبعات فشل جهود إحياء الهدنة الأممية والتعامل مع خيار العودة للمواجهة العسكرية الذي باتت تلوّح به قيادات الجماعة الحوثية بشكل متزايد خلال الأيام القليلة الماضية في محاولة منها للضغط على الحكومة اليمنية وابتزاز التحالف العربي والمجتمع الدولي، لتقديم تنازل حاسم في مفاوضات مسقط يتعلق بتحميل الحكومة اليمنية أعباء صرف رواتب المدنيين والعسكريين الحوثيين وتقاسم الموارد النفطية والغازية مع الجماعة ومنحها حرية مطلقة في مطار صنعاء وميناء الحديدة.

وفي تعليقه على التحول في الخطاب السياسي للشرعية اليمنية يرى ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، أن مسارات التسوية السياسية، وتحديدا المفاوضات الخلفية، استنفدت حتى الآن، معتبرا أن “هذا التصعيد جزء من سياسة الضغط لإنقاذ المفاوضات في رمقها الأخير كما أنها بذات القدر مؤشر على ما ستؤول إليه الأمور من التصعيد الذي يعكس شروط الواقع وحقيقة فشل مسارات التهدئة الحالية وصولا إلى وضع الحرب المقبل”.

ويعتبر عزت مصطفى مدير مركز فنار لبحوث السياسات في تصريح لـ”العرب” أن هناك تردّدا حوثيا لاتخاذ قرار استئناف الحرب وأيضا ترددا في مواصلة التهدئة، فكلا الخيارين يشكلان مشكلة للحوثيين.

وقال “استمرار التهدئة يدفع الشارع في مناطق سيطرة الجماعة إلى المطالبات بالحقوق الأساسية للمواطنين وخاصة ما يتعلق بالحياة المعيشية وصرف الرواتب المنقطعة والنقاشات المتزايدة حول الفساد المهول للقيادات الحوثية وممارسة الميليشيا المرهقة للناس في ارتفاع حمى الجبايات غير القانونية كما أن استئناف الحرب مع تغير المعطيات السياسية في جانب الشرعية لن يحقق للميليشيا الحوثية أي مكاسب على الأرض وسيدفع إلى توحيد الجهود العسكرية ضدها ويعزز التوافق السياسي داخل مجلس القيادة الرئاسي وتجنيب الملفات الخلافية المؤقتة داخله في ما يتعلق بالقرارات التي قد تشمل تغييرات في الجهاز الإداري للدولة والمؤسسة العسكرية ليتفرع الجميع للمعركة”.

ويضيف مصطفى “بالرغم من الضغوط الشعبية التي تواجهها الحوثية خلال فترة اللاسلم واللاحرب القائمة إلا أنها تود الإبقاء عليها لاعتقادها بأن هذه الحالة تشغل الشرعية إلى ملفات أخرى وتبطئ من هيكلة الجيش والمكونات العسكرية التي تقاتل الحوثية وتؤخر توحيد الجبهة العسكرية ضدها، وفي كل الحالات تبدو حسابات الميليشيا الحوثية تصل إلى نتائج سلبية لها وليس بيدها سوى الذهاب إلى الخيارات التي تؤخر هذه النتائج لكن المفاجأة التي قد تحدث لها هي فشلها في السيطرة على تنامي الغضب الشعبي ضدها”.

وفي المقابل يقلل الباحث السياسي اليمني سعيد بكران من جدية التصعيد اللفظي، لافتا إلى أن الشرعية غير جاهزة لخوض الحرب أو المبادرة بتفجيرها، فيما الحوثي يبدو مقيدا عن العودة إلى الحرب بسبب الحسابات الإيرانية الحالية والتي تبدو صعبة سواء على مستوى الداخل الإيراني أو علاقات إيران بالأطراف الدولية والشرق أوسطية التي تعثر إبرام الاتفاق النووي والنوايا الإسرائيلية لتحرك عسكري ضد إيران بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الحرج في الداخل، مضيفا أن “التصعيد اللفظي سيستمر لتحسين أجواء وشروط أي تفاوض قائم”.

ومن جهته، يقول يعقوب السفياني مدير مركز ساوث 24 في عدن، إن استمرار الهدنة من طرف واحد المتمثل في الحكومة الشرعية، لم يعد مقبولا الآن بعد ما يقرب من 90 يوما من انتهاء الهدنة الأممية دون التوصل إلى اتفاق على تمديدها أو توسيعها بسبب تعنت الحوثيين.

ويضيف في تصريح لـ”العرب”، “الوساطة العمانية اليوم هي -في اعتقادي- آخر ما تبقى من الآمال الإقليمية والدولية للتوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة، لكن هذه الوساطة متأثرة بالرغبة الإيرانية النافذة في قرار الحوثيين حيث تتداخل مشاكل إيران الداخلية وخلافاتها الأخرى مع الملف اليمني الذي تلعب فيه طهران دورا معطلا لكل مساعي السلام ووقف الحرب”.

ويعتبر السفياني أن تصاعد الاتهامات والحرب اللفظية بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا يعكس حالة اليأس من العودة إلى الهدنة أو التوصل إلى اتفاق حتى الآن في ظل الشروط الحوثية المتطرفة والقصوى، في الوقت الذي يحافظ فيه الحوثيون على خطابهم التهديدي وخطاب القوة الموجه إلى الإقليم والعالم أكثر منه إلى الداخل مع تلويح الجماعة بنقل الحرب إلى الممرات المائية والعمق السعودي والإماراتي.

ويتابع “من وجهة نظري لا تعدو هذه الحرب اللفظية أن تكون عارضا من أعراض انسداد الأفق السياسي ومسار تمديد الهدنة، ومحاولة لإخلاء الطرف من قبل الحكومة الشرعية والجماعة المدعومة من إيران عما قد تتمخض عنه الفترة القادمة في حال فشلت كل الجهود بشكل نهائي”.

العرب