هل ستكون 2023 سنة ثورة إيرانية جديدة؟ يبدو الأمر صعب المنال، بل خيالي للغاية، نظراً إلى القبضة الحديدية التي مارسها آيات الله على الشعب منذ وصولهم إلى السلطة عام 1979 بعد الإطاحة بالشاه.
يأتي الرؤساء “المدنيين” ويرحلون ولكن المرشدين الأعلى مثل آية الله الخميني وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، علي خامنئي، يبسطون سطوتهم على البلاد، مع بعض القسوة في كثيرٍ من الأحيان، ويرعون الإرهاب والترهيب ويشنون حروباً بالوكالة مثل الصراع مع المملكة العربية السعودية في اليمن.
من المنطقي أن تكون إيران الغنية بالنفط دولة ثرية، بيد أنها تعاني من نقص في الوقود وترزح تحت عقوبات دولية. فقد بلغ الحد بالنظام الذي لا صديق له ببيع مسيرات قاتلة لفلاديمير بوتين. لم يسبق للبلاد أن كانت منبوذة ومعزولة بهذا الشكل في وقتٍ يشعر فيها شبابها بالتعب منها ومن كراهيتها تجاه المرأة. الأزمنة تتغير فعلاً.
كما كان الشاه قبلهم، يملك قادتها طموحات عسكرية ليصبحوا القوة الإقليمية المهيمنة، فضلاً عن جهازٍ واسع النطاق لبسط سيطرة الدولة، ليس آخره الحرس الثوري الإيراني – الذي يشكل عملياً دولة ضمن الدولة- ومعه الشرطة الأخلاقية وهو جهاز مفرط في القوة وعديم الكفاءة.
ففي عهدة هؤلاء “الحراس” العديمي الأخلاق في سبتمبر (أيلول) من هذا العام، لقيت امرأة إيرانية كردية تُدعى مهسا أميني، 22 سنة، حتفها بعد أن تم القبض عليها “بجريمة ارتداء ملابس غير لائقة”. حتى الآن، وبعد كل الاضطرابات والتهديدات الصريحة للنظام، ما زالت الشرطة تستخدم العنف الجنسي ضد المتظاهرات النساء، مما يؤكد حق المتظاهرين والمتظاهرات في ترداد شعار “المرأة، الحياة، الحرية!”
كما أن بطولة كأس العالم التي استضافتها قطر، والتي أرسلت علامات واضحة عالمياً على معارضة الجماهير والمنتخب الإيراني على حد سواء لما يحصل في إيران، شكلت انتكاسة أخرى للنظام الذي يفتقر قادته على ما يبدو لأي حس بالتناسب [في ردود أفعالهم] أو الدقة في تكتيكاتهم. فلم تكتفِ السلطات بتهديد اللاعبين وحسب، بل وجهت سهامها نحو لاعب كرة قدم شهير هو علي دائي الذي كان قائد المنتخب الوطني الإيراني بين العامين 2000 و2006. فخلال رحلةٍ متوجهة إلى دبي، تم إعطاء الأوامر للطائرة التي تقل أسرته بالعودة أدراجها بعد إقلاعها من طهران.
ويبدو أن عمليات الخطف “المبرمجة” للمواطنين الذين يحملون جنسيتين ما هي إلا دليل إضافي على أن حكام إيران يسعون إلى ما هو أبعد من أوراق مساومة، كما حصل في حالة نازنين زاغاري-راتكليف. مجدداً، وعلى غرار الشاه من قبلهم، سيتوجب عليهم التأمل في الحياة بعد خسارة السلطة.
تستمر الاحتجاجات الكبيرة والصغيرة في الانتشار ومحاولات قمعها تصبح أكثر يأساً وعديمة الفعالية من أي وقت مضى. وفي خبر آخر، قامت منافسة دولية أخرى هي لاعبة الشطرنج الإيرانية سارة خادمبالمشاركة في بطولة من دون حجاب. كما أن حوالي 100 جهاز إنترنت غير شرعي ستارلينك Starlink أصبحت ناشطة في الجمهورية الإسلامية بحسب ما أعلنه إيلون ماسك. وبعد 100 يوم، ما من شيء يشير إلى قرب انتهاء الاحتجاجات أو امتناع النساء بتحد عن إزالة غطاء الرأس الإلزامي. كما ينتشر بين الفتيات نوع من الرياضة على نطاق ضيق تُعرف باسم “إسقاط العمائم” Turban tossing أي إزالة العمامة عن رؤوس رجال الدين والجري هرباً.
خلاصة القول، يبدو أن النظام يفقد هالة سلطته فيما يواصل الشعب ضغطه وسعيه للحصول على حقوقه. مع كل احتجاج وكل مقاومة رمزية وفتح كل قناة اتصال سرية، يقترب النظام من الانهيار المحتم.
يبدو أن الجمهورية الإسلامية تنهار على المستويات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية. بيد أن الخوف من دوريات الحرس الثوري وشرطة الأخلاق لم يتبخر بالكامل في أرض غالباً ما يتم فيها تجاهل حكم القانون، لكن هناك إحساساً بقوة هذا الشعار القديم – أن الشعب الإيراني هو الكثرة، ومضطهدوه قليلون.
اندبندت عربي