ماذا لو بدأت نهاية العولمة من الصين؟

ماذا لو بدأت نهاية العولمة من الصين؟

واشنطن – يرى المحلل الأميركي سكوت فريدمان أن العولمة كانت، ولا زالت، سمة محددة لعصرنا. وطوال عقود، مع تحول الولايات المتحدة إلى اقتصاد الخدمات والمعلومات، امتلأت الأسواق الأميركية بالسلع الصينية الرخيصة. ومع انخفاض تكاليف الشحن وتضخم القدرة على التصنيع في الخارج، تخلى الأميركيون عن فرص العمل في المصانع بالداخل مقابل السلع الاستهلاكية المستوردة. وكان من المفترض أن يكون هذا هو النمط الطبيعي للأمور، حتى لم يعد الأمر كذلك.

ويقول فريدمان الزميل الزائر بمعهد كراش لدبلوماسية التكنولوجيا في جامعة بوردو الأميركية، والمستشار السياسي السابق البارز للجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إن القلق الذي بدأ كجوقة هامشية تتحدث عن “صقور الصين” وتدق أجراس الإنذار بالنسبة إلى خطر الإنتاج الخارجي، أصبح محوريا نتيجة جائحة كورونا العالمية، التي أوضحت جليا حقيقة أن تنافس القوى الكبرى أصبح الآن في صدارة، ليس فقط السياسة، بل التجارة أيضا.

وأرغم هذا القلق مجالس الشركات على أن تدرك أن هذا التنافس سيكون له دوره في الأسواق التجارية بطريقة غير مسبوقة. وقد تم جذب دعائم الاقتصاد الاستهلاكي إلى المعترك مع تأكيد القادة السياسيين الأميركيين، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على الحاجة المتزايدة إلى فصل الاقتصاد الأميركي عن اقتصاد الصين. وتمثل رأي الشارع، وفي كثير من العواصم بأنحاء العالم، في أن الولايات المتحدة تقود تجربة العشرين عاما غير المترابطة من خلال علاقات اقتصادية غير مقيدة.

ويتساءل فريدمان “ولكن ماذا لو بدأت نهاية العولمة في الصين بالفعل؟”.

ويقول إنه في ظل ارتفاع التضخم عالميا، واستمرار معاناة الاقتصادات غير المستقرة من الجائحة، وهاوية ديموغرافية قادمة، يبدو من المعقول أن تتخذ الحكومة الصينية خطوات لدعم اقتصادها المحلي بتشييد جدران حوله. وفي الحقيقة، نرى بالفعل دلائل على ذلك في قطاعات معينة. وفي الوقت الحالي، يدرك العالم ما يقوم به الحزب الشيوعي من دعوة الشركات إلى الصين من خلال وعد بتوفير فرص واسعة النطاق في الأسواق، وذلك فقط من أجل الدفع باتجاه إقامة مشروعات مشتركة، ثم يقوم فجأة بوضع سقف لحصة الشركات الأجنبية بينما يؤازر المنتجين والمصنعين المحليين الذين لا يخدمون فقط احتياجاتهم المحلية ولكن أيضا يصدرون ويتنافسون عالميا.

ومع اهتمام الصين بالداخل، قد يخلص قادتها إلى إدراك أن الاقتصاد العالمي قد لا يتواءم مع أهدافهم. فسياسات مثل الدورة المزدوجة التي تعجل الاستقلال المحلي بالتركيز على الاكتفاء الذاتي أولا، على أن تأتي الصادرات في المرتبة الثانية، توفر فرصة نحو ما قد يبدو عليه أي إنهاء تدريجي للتجارة العالمية كما نعرفها. وحتى على الرغم من أنه ليس من المرجح أن تنتهي الحمائية الجارفة بين عشية وضحاها، يمكن النظر إلى متطلبات الصين الجدية بالنسبة إلى القطاع الطبي لإدراك كيف يمكن أن يكون مسار هذا الفصل بطيء الحركة.

وخلال العام الماضي، طلبت السلطات المحلية في الصين من الشركات الطبية الصينية الشراء من الإمدادات المحلية وقصر إنتاج مكونات المعدات الطبية ذات الاستخدام النهائي على الشركات الصينية المحلية. ويعتبر هذا تغييرا بالغ الأهمية بالنسبة إلى سوق تهيمن عليها شركات التكنولوجيا الغربية، ويعتقد أنها من أكثر القطاعات ربحية في الاقتصاد العالمي مع تزايد شيخوخة المجتمع. وإذا ما تم فرض هذه القواعد، سوف تكون الشركات الأجنبية في المؤخرة بالنسبة إلى طابور من يريد الاستيراد من الصين، بينما يتم استبعادها أيضا من المشاركة الفعالة في السوق الصينية.

وعلى الرغم من أنه ليس من المحتمل أن تشيد هذه الخطوات “سورا عظيما” حول ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإنها قد تنذر بتحول كبير في النظام الاقتصادي العالمي، وهو الذي يعطي الأولوية لفرص العمل المحلية والاكتفاء الذاتي بالنسبة إلى السلع الاستهلاكية الرخيصة دائما. وقد يكون من تنبأوا بتراجع العولمة على حق، لكنهم فقط أخطأوا في تحديد المكان الذي سيبدأ فيه ذلك. ويتعين على الولايات المتحدة والدول التي على شاكلتها في أنحاء العالم مراعاة حقيقة أفول العولمة، ومع ذلك، يتعين أن يتوافقوا مع الرأي القائل بأن الصين قد تكون فعلا المحفز الرئيسي لذلك.

العرب