كان ترتيب التقارب بين تركيا وسوريا في موسكو بوساطة روسية بداية جديدة للبلدين واكتسبت المحادثات هوية رسمية. في الواقع كانت الاتصالات غير الرسمية بين الحكومتين التركية والسورية بدأت بالفعل منذ فترة طويلة بين مسؤولي الاستخبارات في البلدين. والآن نحن بصدد الحديث عن اجتماع القادة.
في هذه المرحلة سيرغب بشار الأسد في الاستفادة من التحول الدراماتيكي للرئيس رجب طيب أردوغان. وعلى حسب ما أفهم، فإن الأسد بعدما أدرك المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن يحققها من هذا التقارب، استجاب على الفور لعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للوساطة.
ومن أهم العوامل وراء هذا التقارب السريع الانتخابات التاريخية التي ستجري قريباً في تركيا، إذ إن هذا الوضع الضروري أجبر الرئيس أردوغان على اتخاذ خطوات في السياسة الخارجية ما كان يريدها لولا ما يعيشه من خوف من الخسارة في الانتخابات. لهذا السبب تزداد علاقات أنقرة مع دمشق زخماً مع اقتراب موعد الانتخابات.
وعلى رغم أن الجانب السوري يعتبر عرض أردوغان التطبيع بمثابة مناورة قبل الانتخابات، فإنهم يريدون التوصل إلى اتفاق بطريقة ما، مع الأخذ في الاعتبار احتمال خسارة حزب العدالة والتنمية لأن هناك احتمالاً أن يغير أردوغان رأيه إذا فاز في الانتخابات. كما أن خيار الحديث عن كل شيء من البداية مع المعارضة التي فازت في الانتخابات أكثر صعوبة على إدارة دمشق.
يكتب بعض أصدقائي الصحافيين أن بشار الأسد قد لا يرغب في اتخاذ خطوة من شأنها أن تمنح الرئيس أردوغان ميزة سياسية قبل الانتخابات في تركيا وأنه سيحاول إرجاء بت نتائج هذه العملية إلى ما بعد الانتخابات. لكنني لا أتفق مع هذا، بل يمكنني القول بسهولة إن بشار الأسد هو أيضاً يريد الاستفادة من أردوغان الذي يطرق كل الأبواب قبل الانتخابات.
لذلك، إذا سارت العملية على هذا النحو، فأعتقد بأن لقاء أردوغان – الأسد يمكن أن يتم بحلول موسم الربيع، بل إني لا أستبعد أن يتخذ أردوغان خطوة مفاجئة مع الأسد، كما فعل مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ويبدو أن زخم المحادثات على مستوى الوزراء والبيروقراطيين سيزداد في هذه الأيام، بل سمعنا أن الاجتماع المقبل سيعقد في الإمارات بمشاركة وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا. وبعد القرارات التي ستتخذ في اجتماعات وزراء الخارجية، ستتركز الأنظار حتماً على لقاء أردوغان والأسد.
وبحسب المعلومات التي تلقيتها فإن أردوغان والأسد توافقا على اللقاء في طهران. وآمل أن يتم هذا الاجتماع في دولة عربية أو في روسيا، وإلا فإن إدارة طهران التي أصبحت أداة لنظام طائفي ستحقق انتصاراً ليس فقط على تركيا، لكن أيضاً في الشرق الأوسط، وستحاول استخدام هذا الاجتماع لمصلحتها.
هناك بنود ذات أولوية في هذه الاجتماعات مثل أزمة اللاجئين والمنظمات الإرهابية وأوضاع الإرهابيين، لكن الأهم من ذلك أن كلاً من الطرفين سيحاول التخلص من “عدو” له. فبينما تريد تركيا التخلص من “وحدات حماية الشعب” الكردية، تطالب سوريا بتصفية “داعش”. لذلك، فإن ما يحدث ليس من جانب واحد، وأنقرة تريد أيضاً تأمين نفسها.
ولنفترض أن سوريا تخلصت من “داعش”، لكن ماذا سيحدث لوحدات حماية الشعب، فهي لن تزعج الحكومة التركية فحسب، بل الحكومة السورية أيضاً لأن وحدات حماية الشعب تطالب هي أيضاً بمنطقة حكم ذاتي واحدة في الأقل.
ولهذا السبب، فإن دمشق لا تنزعج بالكلية من عمليات أنقرة ضد وحدات حماية الشعب، بل تراها لمصلحتها من بعض الجهات. لكن مع ذلك، تستخدمها دمشق فقط ضد أنقرة على الطاولة لزيادة قدرتها على المساومة.
لذلك، فإن اتفاقاً أمنياً محتملاً بين دمشق وأنقرة ربما يترك الأكراد من دون خيارات وربما يجبرهم على الامتثال لشروط دمشق. بالطبع من المرجح أن ترد الولايات المتحدة على ذلك.
على أية حال، فإن أنقرة بدلاً من إعطاء الأراضي السورية التي تحتلها لوحدات حماية الشعب (الكردية)، ستفضل سيطرة الحكومة السورية على المنطقة مرة أخرى بدعم من القوات الروسية. وهذا يتوافق مع مبدأ بشار الأسد الذي يطالب بوحدة الأراضي السورية، ومن المحتمل أن تتبلور هذه النقطة في اجتماع القادة.
أجل، إذا سلكت تركيا الطريق بسياسات واقعية عقلانية فستظل الجار الوحيد والفاعل الإقليمي الذي لديه القدرة على تحقيق التوازن في سوريا. لسوء الحظ أهدرت حكومة حزب العدالة والتنمية هذه الفرصة لسنوات في سبيل حسابات ضيقة وخاطئة.
أخيراً يبدو أن حلم أردوغان بالصلاة في الجامع الأموي قد يتحقق، لكنه سيكون على الأرجح إلى جانب بشار الأسد وليس من دونه.
اندبندت عربي