عفو أميري عن معارضين في الكويت: هل يصوب المسار أم يجر معه المزيد من التنازلات

عفو أميري عن معارضين في الكويت: هل يصوب المسار أم يجر معه المزيد من التنازلات

تأمل الحكومة الكويتية، ومن خلفها القيادة السياسية، في أن تقابل قوى المعارضة “الإحسان بالإحسان”، بعد خطوة العفو عن عدد من المعارضين، بينهم سياسيون وشيوخ من الأسرة الحاكمة، لكن أوساطا سياسية في الكويت تشكك في ذلك.

الكويت – تقول أوساط سياسية كويتية إن العفو الذي صدر عن عدد من المعارضين ممن هم من داخل السجون وخارج البلاد، يندرج في سياق محاولات لاحتواء التوترات التي تفجرت مؤخرا بين حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح ومجلس الأمة.

وتوضح الأوساط أن الحكومة، ومن خلفها القيادة السياسية، تريد من خلال هذا العفو الذي طال عددا من المعارضين وأيضا شيوخا من الأسرة الحاكمة متهمين في قضايا فساد، أن تحافظ على الأبواب مفتوحة لتعاون مثمر مع نواب المعارضة، خشية السيناريو الثاني الذي يقضي بالحل، وهو ما تحاول أن تتفاداه الأخيرة، لإدراكها أن ذلك لن يقود إلى أي استقرار.

وتضيف الأوساط أن من غير الواضح ما إذا كان النواب المعارضون سينظرون إلى الخطوة من جانب إيجابي، بل قد يرونها تنازلا جديدا من الحكومة يمكن البناء عليه لحصد تنازلات أخرى.

وسبق وأن تعاطى نواب المعارضة مع التساهل الذي أبدته حكومة الشيخ أحمد النواف على أنه ضعف، ودفعوا باتجاه المزيد من الطلبات، آخرها عرض مشاريع قوانين مالية لا تخلو من “شعبوية” وتشكل استنزافا خطيرا لخزينة الدولة، ولا تستطيع أي حكومة مجاراتهم فيها.

وتشير الأوساط إلى أن العفو الصادر يعكس قناعة لدى القيادة بأن الأزمة المتفجرة حاليا في الكويت لا تنحصر في خلاف بين الحكومة والمجلس التشريعي حول عدد من مشاريع القوانين، بل تتجاوزها إلى صراع أشد تنخرط فيه قوى من خارج المجلس وأجنحة داخل الأسرة الحاكمة.

وقال بيان للحكومة الكويتية إنه “إيمانا من القيادة السياسية بأن عهود الازدهار والاستقرار والنتائج المليئة بالبناء والعطاء والإعلاء لا تتم وتكتمل وتزهو وتسمو إلا بمصالحة وطنية تعود بالخير على أبناء هذا الوطن، وفتح صفحة جديدة مضيئة مشرقة يكون عنوانها تصحيح المسار من أجل الاستقرار، والتأكيد على أن الكويت أولى بأبنائها، وأن مكانة الشعب لدى قيادته محفوظة ومذكورة ومذخورة”.

وأوضح البيان أن من أجل ذلك، كشفت رغبة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح عن استعمال حقه “الأصيل الجليل دستورا وقانونا، في العفو عن شريحة واسعة من أبناء الوطن، ممن هم على أرضه داخل المؤسسات الإصلاحية، بعد أن قضوا مدة في تنفيذ العقوبات المحكوم بها عليهم”.

وبيّن أن الرغبة الأميرية شملت “شريحة من أبناء الوطن ممن طال عليهم العمر وهم يتلحفون ثياب الغربة، لا يشعرون بصدق الملاذ وحقيقة المأوى حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظنّوا أن أيام العودة إلى الديار وأحلام الاجتماع واللقاء قد أفلت دون رجعة”.

وأكّدت الحكومة، في بيانها، أنها على ثقة بأن هذه الخطوة من شأنها “تهيئة الأجواء نحو تعاون مثمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفق الأسس الدستورية، تزيل كل العوائق التي من شأنها تعطيل التنمية والإنجاز، وتهيئ أجواء العمل كفريق واحد للارتقاء بكل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن”.

وأعرب البيان عن أمل الحكومة في “أن يقابل أبناء الوطن من المشمولين بهذا العفو الكريم، الإحسان بالإحسان، وأن يكونوا قدوة حسنة لإخوانهم المواطنين، من خلال الحفاظ على هذا البلد المعطاء، والالتزام والاحتكام إلى قوانينه”.

وشدد على أن هذا العفو “قد صدر عن إرادة خالصة وعزم أكيد ورغبة صادقة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد، إيمانا بقوله تعالى ‘وأن تعفوا أقرب للتقوى’، وتحقيقا لمصلحة البلاد العليا حالا ومآلا، تحت ظل القيادة الحكيمة”، بحسب بيان الحكومة.

وشمل العفو الأميري الجديد سبع وثلاثين شخصية سياسية وأمنية ومواطنين، بينهم ثلاثة من الأسرة الحاكمة، بعضهم محكوم عليهم بالسجن وآخرون خارج البلاد.

ومن بين من شملهم العفو، عذبي فهد الأحمد الصباح، رئيس جهاز أمن الدولة الكويتي السابق، وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت، وهو ابن شقيق أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

وكانت محكمة الجنايات الكويتية قد أصدرت حكما، في مايو 2016، يقضي بحبس عذبي الفهد خمس سنوات مع الشغل والنفاذ في قضية “قروب الفنطاس”، إلى جانب ثلاثة عشر آخرين.

كما تضمن المرسوم الأميري العفو عن الشيخ خليفة العلي الخليفة الصباح، إضافة إلى أحمد داود سلمان الصباح وعبدالمحسن العتيقي، وفلاح الحجرف، الذين حوكموا بذات قضية “قروب الفنطاس”.

و”قروب الفنطاس” هي مجموعة كويتية على تطبيق واتساب اشتهرت في أبريل 2015، عندما استقبل أغلب الكويتيين رسالة على هواتفهم النقالة عبر تطبيق واتساب من رقم مجهول يبدأ بمفتاح دولة غير الكويت، أشارت فيه إلى مؤامرة تحاك على الدولة لقلب نظام الحكم والقضاء.

وقد تضمن العفو الأميري الجديد عددا من الكتاب والناشطين، مثل رانية السعد وحمد عبدالعزيز إبراهيم الناشي، المرشح السابق لمجلس الأمة، وآخرين يقيمون حاليا خارج البلاد.

وكانت الحكومة الكويتية أعلنت في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، عبر المتحدث الرسمي باسمها طارق المزرم، عن موافقتها على مشروع بالعفو عن “جرائم محددة”، ورفعه إلى أمير البلاد.

وأعرب رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون الأربعاء عن خالص الشكر لأمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، ولولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، على صدور مرسوم العفو.

وأضاف السعدون في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، “آملين أن يشمل العفو كافة من عليهم أحكام رأي”. ودعا “الله أن تبقى الكويت دائما بلد العدل والحرية والمساواة وحق التعبير عن الرأي”.

وليست هذه المرة الأولى التي يصدر فيها مرسوم عفو أميري، فقد سبق ذلك في نوفمبر من العام الماضي، حينما أصدر أمير الكويت مرسوما بشأن عفو خاص عن بعض الجرائم التي ارتكبها مواطنون كويتيون.

والجرائم التي شملها العفو الأميري الخاص خلال الفترة من 2011 إلى 2021 تشمل “عملا عدائيا ضد دولة أجنبية، وإذاعة أخبار كاذبة، والطعن بحقوق الأمير، والإساءة للقضاء، وإساءة استعمال هاتف”، حيث وصل عدد من تم العفو عنهم إلى نحو 800 شخص.

وفي نوفمبر 2021، أصدر أمير الكويت مرسومي عفو يشملان 71 كويتيا، أكثرهم معارضون محكومون في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011.

وجميع المحكومين كانوا حينها خارج البلاد وصدرت أحكام غيابية بالسجن في حقهم، أبرزهم النائب السابق المعارض مسلم البراك، والنواب السابقون جمعان الحربش وفيصل المسلم وخالد الطاحوس وسالم النملان، والذين عادوا لاحقا إلى البلاد.

وجاء المرسومان عقب حوار وطني جمع مجلس الأمة المنحل وحكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح السابقة، وقد كان الغرض من المرسومان احتواء الأزمة بين الجانبين.

لكن ذلك لم يتحقق، حيث سرعان مع عادت التجاذبات بينهما، الأمر الذي اضطر القيادة السياسية إلى إقالة الحكومة وحل مجلس الأمة. ويرى مراقبون أن تكرار ذات السيناريو يبقى واردا.

العرب