يجادل محللون بأن الغزو الروسي لأوكرانيا والتهديدات الصينية المتزايدة لتايوان يدفعان إلى تغيير الولايات المتحدة للقواعد التقليدية للتحالف الغربي. وينتفع حلفاء واشنطن الأوروبيون والآسيويون مجانا بالمظلة العسكرية الأميركية التي تكلف واشنطن كثيرا، وهذا ما يرجح خبراء بأنه لن يعود متاحا.
واشنطن – استفاد حلفاء الولايات المتحدة لعقود من مظلة الحماية العسكرية الأميركية التي بسطتها واشنطن لدعم الدول التي تستشعر الخطر على أمنها من قبل أطراف قد تكون معادية لواشنطن نفسها، لكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟
يقول الدكتور ليون هدار الذي قام بتدريس العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية وكان زميلا باحثا في معهد كاتو، إن أمورا كثيرة كُتبت ونوقشت حول مشكلة “الانتفاع المجاني” بشكل عام، وفي السياسة الخارجية بشكل خاص.
لماذا يجب على واشنطن أن تمول ميزانيات الدفاع لدول تتنافس شركاتها مع الشركات الأميركية في الساحة العالمية؟
وخلال الحرب الباردة وما بعدها تعرض حلفاء الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ لانتقادات في واشنطن لاعتمادهم عليها لإنفاق ثرواتها الوطنية من حيث زيادة النفقات العسكرية لتزويدهم بالأمن العالمي.
وبالنظر إلى المثالين الرئيسيين ألمانيا واليابان، قيل إن الحلفاء لم يحصلوا على حافز كبير للمساهمة في إنتاج منفعة عامة دولية تأخذ شكل حماية المصالح العالمية للتحالف الغربي طالما أن الولايات المتحدة تبدو مستعدة لتوفير ذلك مجانا.
وركزت معظم هذه المناقشات على القضايا الجيوستراتيجية. ولكن في أعقاب الحرب الباردة، امتدت أيضا إلى قضايا جيواقتصادية. ويتساءل هدار: لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في تمويل ميزانيات الدفاع في دول مثل اليابان والاقتصادات ذات الفائض التي تتنافس شركاتها مع الشركات الأميركية في الساحة العالمية؟
إن دفع مبالغ أقل للدفاع، بفضل الإعانات الأميركية، يسمح لهؤلاء المنتفعين بالمجان بإنفاق المزيد على البرامج الاجتماعية والاقتصادية بينما يجبر التشديد المالي الأميركيين على خفض الإنفاق على التعليم والصحة.
وعلاوة على ذلك، فإن موقف الولايات المتحدة المهيمن في الشرق الأوسط، والذي تم الحفاظ عليه من خلال التكاليف العسكرية والمالية الضخمة، سمح لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا الذين يعتمدون على واردات الطاقة بحرية الوصول إلى موارد النفط في الخليج.
ثم هناك الواقع الدولي الذي تلتزم الولايات المتحدة بموجبه باستخدام أسلحتها النووية للدفاع عن حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية إذا واجهت تلك الدول تهديدا من قوة نووية منافسة. ومن ثم من المفترض أن الأميركيين مستعدون لرؤية نيويورك وسان فرانسيسكو يتم ضربهما من أجل إنقاذ برلين وطوكيو من الإبادة.
وهكذا أصبح الضغط على أعضاء الناتو لزيادة ميزانياتهم الدفاعية ومساهماتهم العسكرية والاقتصادية في الحلف طقسا من نوع ما في واشنطن يمارسه المسؤولون والمشرعون الجمهوريون والديمقراطيون.
وفي الوقت نفسه عكست المشاعر المتنامية المناهضة للعولمة في الولايات المتحدة عدم رغبة الأميركيين في مواصلة فتح أسواقهم ومواصلة دعم النظام الاقتصادي الليبرالي بينما كان الحلفاء يخرقون مبادئ التجارة الحرة.
ولكن بعد ذلك، كانت هذه هي الطريقة التي حدثت بها المعجزات الصناعية في ألمانيا واليابان، إلى حد كبير على حساب المصالح الاقتصادية الأميركية.
وليس هناك شك في أن تكاليف الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير بدأت تتحدى إجماع واشنطن حول دور الولايات المتحدة في العالم.
ومن المفترض أن واشنطن مستعدة لمساعدة حلفائها باعتبارها الموازن العالمي الأخير، وبالتالي ضمان وصولهم على سبيل المثال إلى موارد الطاقة في الخليج، بينما يدفع الحلفاء القليل جدا في المقابل، وحتى يحاولون إرغام الولايات المتحدة على تدخلات عسكرية أكثر تكلفة في الشرق الأوسط، كما فعلت فرنسا في حالة ليبيا.
ولكن بعد ذلك جاءت أحداث مثل غزو روسيا لأوكرانيا والتهديدات الصينية المتزايدة لتايوان والتي وفقا للحكمة التقليدية ربما أقنعت أخيرا حلفاء الولايات المتحدة بأن الانتفاع المجاني لم يعد خيارا بعد الآن، وأنهم بحاجة إلى البدء في لعب دور أكثر نشاطا في حماية المصالح الغربية ضد تهديد المخربين العالميين الأقوياء.
وعليها الآن أن تسهم في إنتاج تلك المنفعة العامة الدولية، لأن الولايات المتحدة وحدها لن تستمر في توفيرها مجانا.
موقف الولايات المتحدة المهيمن في الشرق الأوسط سمح لحلفائها في أوروبا وآسيا الذين يعتمدون على واردات الطاقة بحرية الوصول إلى موارد النفط في الخليج
وعلى مستوى ما تكون الحكمة التقليدية صحيحة إذا أخذنا في الاعتبار الردود الألمانية على الهجوم الروسي على أوكرانيا ورد الفعل الياباني على التهديد المتصور من الصين. ويبدو أن هذه التطورات قد غيرت ميزان القوى في أوروبا وآسيا، حيث من المفترض أن تعتمد الولايات المتحدة الآن على حلفائها للقيام بأدوارهم كنواب لها.
وإذا كان هناك أي شيء، فإن الرسالة القادمة من واشنطن هذه الأيام هي أنه إذا أراد الحلفاء أن يكونوا قادرين على الاستمرار في الاعتماد على القيادة العسكرية الأميركية، فهم الذين سيتعين عليهم قبول الشروط الاقتصادية التي وضعها الأميركيون: إنهاء صفقات الطاقة مع روسيا، وفرض عقوبات عليها، والانضمام إلى الولايات المتحدة في حرب اقتصادية وتكنولوجية طويلة ومكلفة مع الصينيين.
وبالنظر إلى هذا المنظور، وبالنظر إلى خلفية التهديدات التي تشكلها روسيا والصين، فإن القرارات التي اتخذتها ألمانيا واليابان ودول أخرى لزيادة مساهماتها الدفاعية تنبع من الاعتراف بأن هذا هو الحد الأدنى الذي يتعين عليهم القيام به لجعل الولايات المتحدة تواصل التعهد برؤية واشنطن مدمرة من أجل حماية برلين وطوكيو.
وهذا يعني أنه حتى لو زادت ألمانيا واليابان من إنفاقهما العسكري إلى مستويات مرتفعة للغاية، فإنهما ستظلان منتفعتين مجانا من القوة الأميركية ما لم تقررا امتلاك أسلحة نووية من أجل الدفاع عن نفسيهما لأنهما لا تستطيعان الاعتماد على الدعم الأميركي بعد الآن.
ويمكن القول إنه من مصلحة الولايات المتحدة منع اليابان أو ألمانيا أو كوريا الجنوبية أو تايوان أو المملكة العربية السعودية أو أوكرانيا من تطوير قوة عسكرية نووية مستقلة لأن ذلك من المفترض أن يجعل العالم مكانا أكثر خطورة. ومع ذلك، هذا أمر مثير للسخرية. ويجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة وروسيا هما اللتان شنتا سلسلة من الحروب في العقود الأخيرة التي جعلت العالم أكثر خطورة.
وبالعودة إلى الوراء، لو كان العراق تحت حكم صدام حسين وأوكرانيا يمتلكان أسلحة نووية، فربما كان العالم ليصبح أقل خطورة اليوم.
العرب