تونس – دعت كلثوم بن رجب وزيرة التجارة الجديدة في تونس إلى تطبيق القانون على المحتكرين والمضاربين، وسط تساؤلات بشأن مدى جدية السير في تفعيل تلك الدعوات، فضلا عن الآليات والطرق المعتمدة في ذلك، في وقت يتواصل فيه فقدان الأسواق التونسية لعدد من المواد الغذائية.
وأكدت بن رجب المعيّنة حديثا من قبل الرئيس قيس سعيد على “ضرورة استرجاع نسق التزويد إلى مستوياته العادية وضبط الأسعار والتصدي لمختلف مظاهر المضاربة والاحتكار والتخزين العشوائي”.
وحثت وزيرة التجارة خلال إشرافها على الاجتماع الدوري للمدراء الجهويين على ضرورة “تطبيق القانون على الجميع وتفعيل أقصى العقوبات الإدارية المتاحة”، مجددة التذكير بـ”التحديات المطروحة أمام الوزارة وانتظارات المواطنين من عملها”.
كما شدّدت الوزيرة على “ضرورة تنسيق وتوحيد المجهودات بين كل هياكل الوزارة لتنفيذ البرامج الرقابية الكفيلة بتكريس شفافية المعاملات بالسوق”.
وأبرزت أن اللقاء “تطرق إلى الأولويات القطاعية المضمنة ببرامج المراقبة الاقتصادية خلال الفترة القادمة وخصوصا منها المنتوجات ذات الأولوية القصوى خاصة المواد الزراعية الطازجة والمواد المدعمة والأعلاف والأسمدة”.
ويثير تواصل فقدان بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق التونسية، على غرار الزيت والسكر والحليب والقهوة، جملة من التساؤلات لدى المواطنين بشأن جدية السلطات في محاربة الاحتكار ومراقبة مسالك التوزيع.
ويعدّ تطبيق القانون على المخالفين والمتجاوزين على غرار المحتكرين للمواد الغذائية والمتحكمين في مسالك التوزيع، من أبرز الشعارات التي يتبنّاها الرئيس التونسي في إطار حملته على الفساد خصوصا بعد إجراءات 25 يوليو 2021.
وسبق أن قال سعيّد لوزيرة التجارة التي أدت اليمين الأسبوع الماضي إن “هذه المسؤولية وزر ثقيل”، داعيا إيّاها إلى “تطبيق القانون على الجميع”.
وأضاف سعيّد “أريد أن أتوجّه عبرك إلى كل المسؤولين بأن يتحمّلوا مسؤولياتهم في مواجهة هؤلاء المحتكرين الذين يريدون التنكيل بالشعب وخاصة بالنسبة إلى مسالك التوزيع التي صارت مسالك لتجويع الشعب التونسي ومقايضته بقوته”.
ويهدّد شح وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية القدرة الشرائية للتونسيين، خصوصا بعدما أصبح الاحتكار ممارسة يومية، وسط دعوات إلى ضرورة تدخل الدولة بحزم ومحاسبة المتسببين في التلاعب بقوت المواطنين.
وترى شخصيات سياسية أن الاقتصار على الخطاب دون تطبيق القانون في مجال محاربة الاحتكار ساهم بطريقة أو بأخرى في اهتزاز ثقة المواطنين بالسلطة ومدى جدّيتها في تفعيل هذه الخطوة.
واعتبر ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي أن “هذا الخطاب الموجه للمحتكرين والمضاربين والفاسدين جُعل للاستهلاك العام وهو فشل وانتهى دوره، لأن الاحتكار يرتبط أساسا بفورة المنتوج”.
وأضاف جلول في تصريحات لـ”العرب” أن “أكبر مشجّع على الاحتكار هي الوزارة خصوصا من خلال هذا الخطاب الذي ملّه الناس لمدة ثلاث سنوات”.
وتابع “هذا الخطاب قلّص من منسوب ثقة المواطن بهياكل الدولة ومؤسساتها ولم يعد يقدّم شيئا للناس”.
وحمّل الرئيس سعيد المحتكرين مسؤولية شح المواد الأساسية، فيما يرى خبراء اقتصاد أن ذلك ناجم عن الظروف الدولية وأزمة كورونا، فضلا عن الحرب الروسية – الأوكرانية ونقص إمدادات العديد من المواد.
ويرهق غياب الكميات اللازمة من المواد الأساسية المواطن التونسي، حيث حدّدت أغلب المساحات الكبرى والمتاجر لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات، على غرار الحليب والزيت والدقيق والبيض والقهوة والزبدة.
وعبّرت منظمة “أنا يقظ” الأسبوع الماضي عن “استنكارها لعدم إقدام رئيس الجمهورية على إحالة ملفّات المتورطين في تجويع الشعب التونسي إلى القضاء وإثارة تتبعات في حقهم، رغم إقراره المتواصل بأن المسؤولين عن فقدان المواد الأساسية في السوق التونسية هم من الأطراف المعلومة”.
وذكّرت المنظمة في بيان لها بأنّ “عدم شروعه في فتح هذا الملف رغم علمه بالمتواطئين يشكّل ضربا من ضروب التستّر على الملفات الحارقة”.
واعتبرت “أنا يقظ” أن “إقرار الرئيس بتواصل ظاهرة الاحتكار والمُضاربة غير المشروعة رغم إصداره للمرسُوم المتعلّق بالمضاربة غير المشروعة حيّز التنفيذ منذ مارس 2022 يُمثّل قرينة على عدم قُدرة المرسوم الذي وضعه بصفة أحادية على تحسين الأوضاع الاقتصادية وعلى أن هذا المرسوم لم يكن سوى ذرّ رماد على الأعين للتملّص من المسؤولية”.
ويقول خراء إن الوقت قد حان للانتقال من مرحلة التصريحات والشعارات إلى مرحلة سنّ القوانين وتطبيقها على المخالفين، فضلا عن مراجعة قانون السوق ومراجعة السياسات التي تعتمدها الدولة.
وقال جمال العويديدي الخبير في الشأن الاقتصادي إن “ظاهرة الاحتكار والمضاربة استفحلت بعد 2011، وخصوصا في السنوات الأخيرة، والمسألة يجب أن تحسم بقوانين جديدة لأن قانون المنافسة والأسعار ينص على أنها أسعار حرّة، وكل يتصرف وفق مزاجه حسب قانون السوق (العرض والطلب)”.
وأوضح العويديدي في تصريحات لـ”العرب” أنه “طالب سابقا كل الأطراف وخصوصا رئيس الجمهورية بتغيير قانون اقتصاد السوق لأنه أصبح سوقا فوضويا، حيث سجلت تونس عجزا تجاريا تاريخيا في حدود 38.7 مليار دولار (12 مليار دولار) وهو عجز كارثي”.
وأردف “السياسة التي تطبّق الآن هي نفسها منذ 2013، دون مراقبة ودون مراعاة أو محافظة على القدرة الشرائية للمواطن”.
وطالب العويديدي بـ”ضرورة تحديد أهداف مستقبلية في العمل بالنسبة إلى وزارة التجارة، وتحديد نسبة الربح في المنتوجات، فضلا عن كيفية التصرف في المواد الأساسية وطرق مراقبة مسالك التوزيع، إلى جانب سنّ تشريعات صارمة للمحافظة على السلم الاجتماعي”.
وعرفت نسبة التضخم في تونس ارتفاعا غير مسبوق وصل إلى 9.8 في المئة خلال نوفمبر الماضي وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ تسعينات القرن الماضي.
وبحسب بيانات رسمية شهدت نسبة النمو في البلاد ارتفاعا طفيفا خلال السنة الماضية من 2.4 في المئة خلال الربع الأول من 2022 إلى 2.8 في الربع الثاني وصولا إلى 2.9 خلال الربع الثالث.
لكنّ صندوق النقد الدولي توقع في بياناته “تباطؤ النمو في تونس على المدى القريب، بينما سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية إلى الضغط على التضخم وكذلك على الميزان الخارجي والمالي لتونس”.
العرب