كأغلب الدول العربية، يشكو لبنان من تغيرات مناخية خطيرة، حيث ينذر انحباس الأمطار بأزمة مياه مرتقبة ستضر بدورها بالقطاع الزراعي وتفاقم معاناة المزارعين والمستهلكين اللبنانيين الذين يحاولون منذ سنوات الصمود في وجه أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
بيروت – تتواصل ظاهرة احتباس الأمطار في لبنان منذ عدة أسابيع، الأمر الذي بدأ يثير قلق الخبراء والمسؤولين من تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والصحي.
وفي ذروة فصل الشتاء، تسيطر حالة من الطقس المشمس على البلاد منذ نحو ثلاثة أسابيع، ما انعكس هبوطا في معدل تساقط الأمطار والثلوج في هذا الوقت من العام.
والطقس الدافئ غير الاعتيادي، يدفع كثيرين هذه الأيام للاستمتاع بأشعة الشمس وممارسة الرياضة والسباحة على شاطئ البحر في بيروت.
يقول محمد ماجد “أبوخضر” (85 عاماً) وهو أحد ممارسي هواية السباحة في “عزّ” الشتاء، إن الفارق في الطقس كبير جداً هذا الموسم مقارنة بالأعوام الماضية.
ولفت ماجد، إلى أنه أثناء سباحته في البحر هذه الفترة يشعر بدفء المياه، وهو أمر غير عادي في هذا الوقت من السنة، كما أنه يفتقد مشهد الثلوج وهي تغطي الجبال المحيطة بالعاصمة وضواحيها.
وتظهر البيانات وخرائط الرصد التابعة لمصلحة الأرصاد الجوية (حكومية)، تراجعاً في كمية الأمطار والثلوج بنحو 50 في المئة مقارنة بنفس الفترة مع السنوات القليلة الماضية.
وقال محمد كنج رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية إنه “في حال استمرت هذه الظاهرة قد نشهد حالة جفاف في فصلي الربيع والصيف”.
وأضاف “عادة في هذه الفترة من السنة تكون جبال لبنان مغطاة بالثلوج، لكن ذلك لم يحصل بعد هذا العام.. المعطيات تُظهر أن تساقط الثلوج تراجع إلى نصف المعدل الطبيعي لهذه الفترة الزمنية من السنة”.
وهذه الأرقام تولد قلقاً إضافياً لدى المزارعين وعموم السكان، نظراً إلى أن الثلوج هي الخزان الطبيعي للمياه في لبنان سواء للمياه الجوفية أوالينابيع والأنهار، بحسب كنج.
ووفقاً لمراكز الرصد التابعة للمؤسسة الحكومية ذاتها، فإن كمية الأمطار المتساقطة في بيروت هذا العام بلغت 290 ملم بينما المعدل الطبيعي هو 450 ملم لمثل هذا الوقت من العام.
ولفت كنج إلى ظاهرة التطرف المناخي، حيث أن الأمطار التي تساقطت في بداية فصل الشتاء، كانت فجائية وبفترة زمنية قصيرة، أدت إلى فيضانات من دون أن تمتصها الأرض بالشكل المناسب.
واعتبر كنج أن احتباس الأمطار والثلوج وتأخر تساقطها، سيؤثر سلباً على أنواع كثيرة من المزروعات، ويجبر العديد من المزارعين على التخلي عن بعضها.
من أبرز انعكاسات شُحّ الأمطار في البلاد تراجع مستوى مياه بحيرة القرعون وهي أكبر بحيرة في لبنان إلى نحو نصف معدلاتها الطبيعية.
وكان مستوى تخزين المياه في السنوات الثلاث الماضية بهذه الفترة من العام يتراوح بين 110 و156 مليون متر مكعب.
أما هذا العام، فقد تراجع مستوى تخزين المياه بنفس الفترة إلى 69 مليون متر مكعب، مع الإشارة الى أن إجمالي القدرة التخزينية للبحيرة يبلغ 220 مليون متر مكعب.
ويوجد في لبنان سدّ آخر في قضاء كسروان (وسط) يتسع لـ8 ملايين متر مكعب أي أقل بكثير من القرعون، فيما خطة وزارة الطاقة والمياه اللبنانية تقضي بإنشاء 7 سدود إضافية.
وفي قراءة لهذه الأرقام، قال سامي علوية رئيس مصلحة نهر الليطاني، وهو أطول نهر في لبنان، إن بلاده حالياً أمام حالة شح مائي تشبه تلك التي حصلت عام 2003.
قطاع المياه في لبنان يعاني من سوء إدارة وعدم اتخاذ التدابير المناسبة في ما يخص مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية
ويشق نهر الليطاني منتصف خارطة لبنان، ويمتد بطول 170 كلم من منطقة سهل البقاع (غرب) ويصب في البحر المتوسط جنوبي البلاد، وتشكل مساحة حوضه حوالي 20 في المئة من مساحة البلاد.
وفضلاً عن شح المياه، يعاني النهر الذي يغذي بحيرة القرعون أيضاً، من تلوث حاد بفعل الصرف الصحي والصناعي الذي يصب فيه مباشرة دون معالجة، ما جعله يفقد معظم وظيفته التنموية.
وبالنسبة إلى علوية، فإن قطاع المياه في لبنان يعاني منذ زمن من سوء إدارة، ويشكو من عدم اتخاذ التدابير المناسبة على صعيد مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية.
ويبلغ مجموع الطاقة الكهرومائية المنتجة في لبنان 280 ميغاواط، 196 منها يتم توليدها من المعامل القائمة على ضفاف الليطاني، أي حوالي نصف إجمالي الطاقة في البلاد التي تنتجها المحطات الحكومية حالياً.
وقال المتحدث ذاته إن لبنان يعاني أصلاً من عجز مائي حتى في السنوات التي تشهد تساقط كميات كبيرة من الأمطار، ما يعني أن الشحّ هذا العام سيضاعف مأساة عدد كبير من السكان.
وأسوة بأزمة الكهرباء التي تشهد انقطاعاً لساعات طويلة في اليوم، يعاني اللبنانيون من انقطاع المياه لأيام وأسابيع أحياناً، ويضطرون لشرائها من شركات خاصة بأسعار باهظة.
يبلغ معدل كمية المياه السطحية في لبنان 3.25 مليار متر مكعب، لكن الكمية القابلة للاستخدام هي فقط 700 مليون متر مكعب، فيما حاجة لبنان تبلغ حوالي 1.93 مليار متر مكعب.
وتؤكد هذه الأرقام، بحسب علوية، أن لبنان بحالة عجز مائي دائم، سواء في السنوات الماطرة أو في سنوات الشح، نظراً الى أن المياه المستفاد منها تشكل 20 في المئة فقط، فيما باقي الكمية إما غير مستثمرة أو ملوثة.
ولفت إلى أن الأسباب عديدة أبرزها سوء الإدارة والنمو السكاني وكثافة اللجوء السوري وارتفاع مستويات التلوث.
وبحسب الأمن العام اللبناني، يوجد في لبنان 2 مليون و80 ألف لاجئ سوري، معظمهم غير مسجلين رسميا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقال علوية إنه بالرغم من أن القانون اللبناني منذ قانون الري العثماني ينظم حالات شح المياه من خلال ترشيدها نحو الحاجات الأساسية كالشرب والري، لكن الحكومات اللبنانية والوزارات المتعاقبة لا تُطبق ذلك.
وتوقع أن يواجه لبنان حالة عجز مائي تزيد من أزمة السكان في البلاد، مضيفاً أنها لن تقتصر على الحاجات المنزلية، إنما ستهدد الأمن الغذائي بفعل انخفاض الكميات الصالحة للري.
ومنذ 2019 يعاني اللبنانيون من أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي واحدة من بين 3 أشد أزمات شهدها العالم، وأدت الى انهيار مالي وتدهور معيشي وشح بالوقود والطاقة.
كما من المتوقع، بحسب علوية، أن يؤدي انخفاض مستوى المياه النظيفة إلى تدهور إضافي في نوعية المياه وتركز مستويات التلوث، ما ينذر بخطر تسجيل إصابات جديدة بعدوى الكوليرا.
وهذا الواقع المناخي الصعب يهدد أيضاً المساحات الخضراء في لبنان كالغابات والأحراج، ويزيد من مخاطر توسع الحرائق، وفق المتحدث ذاته.
العرب