يكمن مفتاح التوصل إلى اتفاقية تشمل بيع “طائرات «إف -16» مقابل توسّع حلف «الناتو»” في تسلسُل الأحداث، حيث يواجه الرئيس بايدن معارضةً في الكونغرس الأمريكي ويتعامل الرئيس أردوغان مع التحديات الاقتصادية والانتخابية.
دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022 السويد وفنلندا إلى السعي للحصول على عضوية حلف “الناتو” في أيار/مايو الماضي. وعارضت تركيا هذه العملية، مشيرةً إلى موقف السويد من “حزب العمال الكردستاني” – الذي يصنّفه أعضاء “الناتو” كجماعةٍ إرهابية – ومن “حزب الاتحاد الديمقراطي” – وهو الفرع السوري لـ”حزب العمال الكردستاني”، وغيرهما. ووقّع كبار الدبلوماسيين الأتراك والسويديين والفنلنديين مذكّرةً ثلاثيةً في حزيران/يونيو 2022 خلال قمة حلف “الناتو” التي انعقدت في مدريد من أجل تهدئة المخاوف التركية، إذ التزمت ستوكهولم وهلسنكي بموجب هذه المذكّرة بـ”عدم تقديم الدعم لـ «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي»“، بينما اعترفتا أيضاً بـ”حزب العمال الكردستاني” كجماعة إرهابية. فهل ستعطي أنقرة الضوء الأخضر لانطلاق الموجة التالية من عملية توسّع حلف “الناتو”؟ وفي هذه الحالة، متى يُحتمَل أن يصادق البرلمان التركي على هذا التوسّع التاريخي إلى دول الشمال؟
الخلفية: مطالب أنقرة من السويد
يتمثل الهدف الأكبر الذي تسعى أنقرة إلى تحقيقه فيما يخص توسّع حلف “الناتو” لضمّ دول الشمال في اتخاذ أعضاء الحلف، بدءاً من السويد وفنلندا كعضوَين قادمَين، إجراءاتٍ أكثر صرامةً ضد “حزب العمال الكردستاني” وفك الصلات بكافة فروعه. وفي هذا الصدد، تولي أنقرة اهتماماً خاصاً لـ”وحدات حماية الشعب”، التي هي الجناح العسكري التابع لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” في سوريا. فقد تعاونَ بعض أعضاء حلف “الناتو” مع “وحدات حماية الشعب”، التي انضمت إلى “قوات سوريا الديمقراطية” منذ عام 2015، من أجل محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتريد أنقرة أن ينتهي هذا التعاون الآن بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأعلنت السويد وفنلندا عن التزامهما باحترام المطالب التركية الواردة في مذكرة مدريد. وفي حين أن عدد المغتربين الأكراد ليس كبيراً في فنلندا التي لا تواجه معارضةً تُذكَر من أنقرة فيما يتعلق بمسألة “حزب العمال الكردستاني” أو “وحدات حماية الشعب”، فقد اتخذت السويد، التي تبلغ نسبة سكانها الأكراد واحداً في المائة، خطواتٍ ملموسة منذ العام الماضي من أجل تلبية توقعات أنقرة. إلا أنه ظهرت مؤخراً بعض العلامات التي تشير إلى أن أنقرة قد لا تكون في عجلةٍ من أمرها للمصادقة على توسّع “الناتو” إلى الشمال.
… ومن الرئيس بايدن
تكمن المشكلة المباشرة في الحوار الجاري بين الولايات المتحدة وتركيا اليوم في طلب أنقرة شراء أسطولٍ جديد من طائرات “إف-16” من واشنطن، فضلاً عن تحسين أسطولها الحالي. وتولي النخبة التركية وعامة الشعب التركي أهميةً كبيرة لطلب أنقرة، خشية أن تجد البلاد نفسها مع قوة جوية ضعيفة للغاية بحلول نهاية العقد. لكن هذه العملية الشرائية متعثرة حالياً في الكونغرس الأمريكي بسبب الاعتراضات التي يبديها بعض الأعضاء الرئيسيين من مجلس الشيوخ الأمريكي.
وتحقيقاً لهذه الغاية، قد يعرض البيت الأبيض على أردوغان الحصول على مقابل (ضمني) – وهو تأمين مكسبٍ في السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن على صعيد توسّع “الناتو”، مع تعزيز حظوظ أردوغان في الانتخابات التركية. فقد يَعِد بايدن أردوغان بأنه سوف “يوفر” طائرات “إف-16” لأنقرة قبل الانتخابات التركية المزمعة في عام 2023. وستشمل هذه الصفقة إجراء مقايضة تتمثل في بيع طائرات “إف-35” لليونان، وهي طائرات مقاتِلة أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، وذلك بهدف تخفيف الاعتراضات في الكونغرس الأمريكي على بيع طائرات “إف-16” لتركيا. وإذا ظل أعضاء مجلس الشيوخ الذين يرفضون بيع طائرات “إف-16” غير مقتنعين، يمكن أن يرسل البيت الأبيض طلب بيعها إلى الكونغرس الأمريكي من خلال “فرض التصويت” على الطلب، فلا يستطيع الكونغرس في هذه الحالة منع عملية البيع إلا إذا صوّت كلا المجلسين ضدها.
ومن شأن تنفيذ عملية شرائية كبيرة للأسلحة أن يحسّن حظوظ أردوغان في الانتخابات. وفي المقابل سيَعد الرئيس التركي بمصادقة البرلمان في أنقرة على انضمام الدولتَين الشماليتين إلى حلف “الناتو” قبل أن يحلّ هذا المجلس التشريعي التركي نفسه (في آذار/مارس على الأرجح) استعداداً للانتخابات (المزمع إجراؤها بين نيسان/أبريل وأيار/مايو) – وقبل انعقاد قمة الحلف في فيلنيوس في ليتوانيا في تموز/يوليو. إلا أن أردوغان قد يُرجئ عملية المصادقة إلى ما بعد الانتخابات التركية.
ويكمن مفتاح التوصل إلى صفقة تشمل “بيع طائرات «إف -16» مقابل توسّع «الناتو»” في تسلسُل الأحداث. فستصرّ أنقرة على حيازة طائرات “إف-16” أولاً، وستصرّ إدارة بايدن على مصادقة البرلمان التركي على توسّع “الناتو”. ولن يكون البيت الأبيض مستعداً لـ”فرض التصويت” في الكونغرس ما لم تتّخذ أنقرة الخطوة الأولى، وسيذعن بايدن لاحقاً للاعتراضات المستمرة في مجلس الشيوخ.
وفي هذه الحالة، قد يقرر أردوغان أن تأجيل المصادقة إلى ما بعد الانتخابات التركية هو أكثر ملاءمة. وقد يلجأ أيضاً إلى هذا القرار كطريقةٍ للإشارة إلى بايدن وقادة الدول الحليفة الأساسية لأنقرة في أوروبا وحلف “الناتو” بأنه “لا ينبغي أن يديروا ظهرهم لزعيم تركيا، لأنهم سيظلون بحاجةٍ إليه في الكثير من القضايا الأمنية الرئيسية، ابتداءً من إدارة حالات تدفق اللاجئين ووصولاً إلى توسّع حلف «الناتو»“. وبعبارة صريحة، قد يستغل أردوغان حق “الفيتو” الذي تتمتع به تركيا في مسألة توسّع حلف “الناتو” من أجل تأمين إذعان الولايات المتحدة وأوروبا لسياساته خلال موسم الانتخابات التركية.
ويمكن أن يُقحِم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في هذا السيناريو، ما سيؤخّر انضمام العضوين الجديدين إلى الحلف. فقد يساعد بوتين أردوغان في الانتخابات من خلال تقديم قروضٍ سخية وتدفقاتٍ مالية كبيرة إلى تركيا قبل الانتخابات. ويعاني اقتصاد البلاد حالياً من ارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز 80 في المائة عام 2022. وفي الواقع، أصبح استقرار الاقتصاد الكلي في تركيا معرضاً للخطر منذ عام 2018 عندما دخل اقتصادها في حالة ركودٍ للمرة الأولى في عهد أردوغان.
وبينما توقّع المحللون أن الاقتصاد سينهار قبل صيف عام 2022، إلّا أن ذلك لم يحدث إلى حد كبير بفضل التدفقات المالية من روسيا، بما فيها تحويل رصيد بقيمة 5 مليارات دولار من أجل قيام شركة “روس آتوم” الروسية ببناء محطة “أكويو” للطاقة النووية في جنوب تركيا. وأدى النقد الروسي، الذي شمل التدفقات الكبيرة بفضل زيادة التجارة والسياحة في عام 2022، إلى توفير الإغاثة والسماح للمصارف التركية بتجديد الديون الخارجية، وبالتالي منع الانهيار الاقتصادي. ويمكن أن يؤدي ضخ النقد بشكلٍ مماثلٍ في الأشهر المقبلة، بما في ذلك تحويل مبلغ مقطوع جديد من بوتين، إلى إنعاش الاقتصاد مجدداً وإقناع أردوغان باستخدام حق “الفيتو” التركي في حلف “الناتو” ضد توسّع الحلف إلى الشمال الأوروبي، خاصةً إذا حظر الكونغرس بيع طائرات “إف-16”.
إلا أن “الخبر السار” في ظل هذا السيناريو هو أن البرلمان التركي وبصرف النظر عن نتيجة انتخابات ربيع عام 2023 سيصادق على الأرجح على توسّع حلف “الناتو” إلى بلدان الشمال الأوروبي بعد الانتخابات. وذلك لأن حكام تركيا الجدد، إذا ما فازت المعارضة، سيكونون حريصين على أن يحتضنهم “الاتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة من أجل انطلاق التدفقات المالية العالمية إلى البلاد وتحفيز اقتصادها. وبناءً على ذلك، ستصادق الهيئة التشريعة التي تتزعمها المعارضة وبسرعة على توسّع حلف شمال الأطلسي شمالاً.
وقد لا تكون النتيجة مختلفةً للغاية حتى إذ فاز أردوغان. فسيكون الزعيم التركي حريصاً على إعادة ضبط العلاقات مع بايدن و”الاتحاد الأوروبي” للأسباب نفسها التي تدفع المعارضة إلى ذلك، وسيوافق على الأرجح على عضوية السويد وفنلندا في حلف “الناتو” مقابل حصول إدارته بعد الانتخابات على الدعم الأمريكي والأوروبي العلني.
وإذا لم يحدث أي انهيارٍ في العلاقات الأمريكية-التركية أو التركية-السويدية، فمن المرجح أن تصادق أنقرة على عملية التوسّع التالية للحلف. ويبقى السؤال ما إذا كان ذلك سيحدث قبل أن يحلّ البرلمان التركي نفسه أو بعد إجراء الانتخابات وانعقاد مجلس تشريعي جديد في أواخر عام 2023.
سونر چاغاپتاي
معهد واشنطن