كشفت مذكرات لاستخبارات غربية عن شبكات مالية معقدة بين جبهة بوليساريو وحزب الله اللبناني، وتمتد هذه الشبكات داخل أوروبا ما يشكل ضغطا إضافيا على بعض الدول الأوروبية التي ما تزال مترددة في حسم موقفها من نزاع الصحراء.
الرباط – كشفت مذكرات صادرة عن وكالات استخبارات غربية وتقارير للحرس المدني الإسباني عن شبكات تمويل واسعة النطاق لغسيل الأموال غير المشروعة لجبهة بوليساريو التي تتخذ من مخيمات تندوف في الجزائر مقرا لها، وارتباطاتها بحزب الله اللبناني.
وعرضت قناة “آي 24 نيوز” الإسرائيلية تقريرا حصريا أعده مراسل الشؤون الأمنية ماتياس أمبر كشفت فيه عن هذه المذكرات التي تضمنت هوية المسؤولين عن تمويل جبهة بوليساريو وشرحا لآلياته من خلال “حوالة الطير”، وهي شبكة تحويلات غير رسمية.
وذكر التقرير أن محققين ماليين تابعين لوكالات استخبارات غربية توصلوا إلى تحديد هوية أحمد عبدالرحمن باعتباره العقل المدبر للحوالة، وهي طريقة غير رسمية لتحويل الأموال من خلال السماسرة.
وبصفته زعيم الحوالة الملقب بـ”الطير”، كان لدى عبدالرحمن علاقات وثيقة جدًا بقادة جبهة بوليساريو، وأن لدى هذا الشخص شبكات منظمة من تندوف إلى أوروبا وخارجها، بما في ذلك في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ارتباطات بوليساريو بإيران من شأنها أن تشكل ضغطا إضافيا لاسيما على الدول الأوروبية المترددة بشأن قضية الصحراء
ومن خلال هذا التقرير تمكنت القناة الإسرائيلية من إثبات وجود روابط وثيقة بين جبهة بوليساريو والمنظمة الشيعية اللبنانية حزب الله.
وعرضت القناة بالتوازي مع التقرير شريط فيديو للقاء جمع بين عبدالرحمن الذي يمول الجبهة الانفصالية، ورجل أعمال لبناني من “القرض الحسن”، الذراع المالية لحزب الله في مقهى ببلد أوروبي، حيث أعلن عبدالرحمن ولاءه للحزب.
وقال عميل استخبارات أوروبي سابق يُشار إليه باسم “أو”، “أنا أحب حزب الله. على الرغم من النضال في لبنان، إلا أنني أحب ما يفعله. حزب الله مميز. أنا سني، ومع ذلك أحبه لأن رجاله يحفظون كلمتهم. لقد أثبتوا قوتهم في حرب عام 2006 ضد إسرائيل (…) الدول تخاف منهم”. وتابع “إذا لم يدرك الأوروبيون هذه المشكلة اليوم، فسيكون الأوان قد فات”.
ويعكس تقرير القناة الإسرائيلية حجم التوسع لأنشطة حزب الله في شمال أفريقيا وهذا تطور خطير يشكل تحديا للمنطقة.
ويرى مراقبون أن حرص الحزب اللبناني الذي يعد أحد أهم أذرع إيران على دعم بوليساريو يعكس رغبة إيرانية في كسب ولاء الجبهة الانفصالية لاستخدامها في أجندتها التوسعية في شمال القارة الأفريقية، مشيرين إلى أن ذلك لا يمكن أن يجري بدون علم الجزائر.
ويشير المراقبون إلى أن تشعب علاقات جبهة بوليساريو وارتباطاتها بإيران عن طريق حزب الله من شأنها أن تشكل ضغطا إضافيا لاسيما على الدول الأوروبية التي لم تحسم موقفها بعد من قضية الصحراء المغربية ولا تزال تراوح مكانها في المنطقة الرمادية.
وسبق وأن اتهم المندوب المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال في أكتوبر الماضي إيران وحزب الله بالتوغل في منطقة شمال أفريقيا، وتدريب وتجهيز جبهة بوليساريو في تندوف بطائرات مسيرة.
ووصف هلال في تصريحات للصحافيين بالمقر الأممي في نيويورك الأمر بالتطور الخطير، وبأنه يزعزع استقرار هذه المنطقة، مثلما فعلت إيران في اليمن وسوريا والعراق، على حد تعبيره.
وأضاف المندوب المغربي الأممي أن إدخال المسيرات الإيرانية إلى المنطقة يغير قواعد اللعبة.
يذكر أن المغرب أعلن عن قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في العام 2018 ردا على “تورط طهران عن طريق حزب الله في تحالف مع بوليساريو يستهدف أمن المغرب ومصالحه العليا”.
وكشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة حينها أن علاقة حزب الله بجبهة بوليساريو بدأت في عام 2016 حين تشكلت ما تسمى بـ”لجنة لدعم الشعب الصحراوي” في لبنان برعاية الحزب، تبعتها “زيارة وفد عسكري من حزب الله إلى تندوف”، في إشارة إلى مخيمات بوليساريو في الجزائر.
وذكر بوريطة أن “نقطة التحول كانت في الثاني عشر من مارس 2017 حين جرى توقيف قاسم محمد تاج الدين في مطار الدار البيضاء بناء على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة تتهمه بغسيل الأموال والإرهاب، وهو أحد كبار مسؤولي مالية حزب الله في أفريقيا”.
وتاج الدين، البالغ من العمر 62 سنة، مصنف ضمن لائحة الإرهاب الخاصة بوزارة العدل الأميركية. كما أن المعني بالأمر ممنوع من دخول الولايات المتحدة، علما أنه كان يمتلك شركات كبرى فيها، قبل أن تغلق في المدة الأخيرة.
وتابع وزير الخارجية المغربي قائلا “بدأ حزب الله يهدد بالثأر بسبب هذا الاعتقال وأرسل أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر من بوليساريو على حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب”، مؤكدا إرسال صواريخ “سام 9″ و”سام 11” أخيرا إلى عناصر الجبهة الانفصالية.
ويواجه المغرب منذ عقود جبهة بوليساريو التي تسعى لانفصال الصحراء المغربية، وقد حققت الرباط خلال السنوات الأخيرة اختراقات دبلوماسية كبيرة في الدفاع عن موقفها، وفي رجاحة الطرح الذي تعرضه، وهو تمكين الأقاليم الجنوبية من حكم ذاتي موسع تحت سيادتها.
العرب