رغم تركّزه في إطار جغرافي محدد، فقد وصلت بعض آثار ارتدادات الزلزال الأخير الذي ضرب جنوب وشمال وغرب سوريا، مناطق واسعة في «الشرق الأوسط» وصلت غربا إلى اليونان وقبرص ومصر، وشرقا إلى أرمينيا وجورجيا، وجنوبا إلى لبنان وفلسطين، وهو ما جعل شعوبا وبلدانا تتعارض بعض حكوماتها سياسيا تستشعر الخطر الذي مثّلته الكارثة، وتتذكر أننا نعيش على أرض واحدة، ينداح فيها أي حدث طبيعي خارج الحدود السياسية للدول.
حرّكت الكارثة موجة كبيرة من التعاطف داخل الشعوب المتضررة نفسها وضمن المنظومة الإقليمية والدولية، وبدأت أجهزة الدبلوماسية العالمية تتفاعل مع الحدث، وبسبب الأوضاع الخاصة بسوريا، فقد توجّهت أغلب فرق الإنقاذ الأجنبية، والمساعدات، إلى تركيا، لكن بعض الدول العربية، كقطر والأردن والسعودية، قامت بإرسال بعثات للوصول إلى البلدين.
كان لافتا، على هذا الصعيد، أن يقوم رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالاتصال بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان قائلا إنه على استعداد لوضع «كل قوات بلاده في تصرف تركيا» وأن تكون مصر، التي اتصل رئيسها عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى، برئيس النظام بشار الأسد، بإرسال فرق إنقاذ للمناطق المنكوبة الخارجة عن سيطرة النظام.
كان لافتا أيضا أن يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن النظام السوري طلب مساعدات من إسرائيل، عبر دولة ثانية، وأن تل أبيب قبلت تقديم مساعدة، وهو ما نفاه النظام السوري طبعا، لكنّه قدّم طلبا رسميا من «الاتحاد الأوروبي» لتأمين مساعدات للبلاد، وهو ما حث عليه المستشار الألماني أولاف شولتس، أمس.
يمكن قراءة بعض الوقائع السياسية التي طرأت بعد الزلزال بطريقتين، الأولى باعتبارها تعبيرا عن إرادة التعاطف مع نكبة السوريين والأتراك، والثانية باعتبارها نوعا من الاستثمار السياسي في الكارثة، وجعلها موضوعا للمتاجرة بآلام البشر، وخصوصا حين يتعلّق الأمر بالسوريين والفلسطينيين.
واجه السوريون في المناطق المحررة من النظام حدث الزلزال باعتباره استمرارا للكوارث التي تعرّضوا لها خلال 11 عاما منذ بدء الثورة، فهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها أولئك الأهالي سقوط المباني فوق رؤوس ساكنيها، وقد تابع العالم على مدار تلك السنوات مناظر غارات النظام وروسيا على المجمعات السكنية والمشافي والمخابز والساحات العامة، وشاهدوا الناس يحفرون الأنقاض للبحث عن أحبابهم، وكان أولئك الناس أنفسهم، يعانون قبل الزلزال من تبعات الصقيع والبرد والفاقة والأمراض المميتة، مثل الكوليرا المتفشية حاليا، وقد ظن كثيرون أن الزلزال كان موجة جديدة من القصف تلاحقهم، وكان عناصر «الخوذ البيضاء» الذين خسروا الكثيرين منهم خلال عمليات الإنقاذ على مرّ الأعوام، يتابعون، بعد الزلزال، عملهم «المعتاد»!
المفارقة الأخرى في موضوع هذا النظام مع مواطنيه، تتمثّل في إحساس السوريين، سواء في مناطق سيطرة النظام أو خارجها، أن المساعدات التي يمكن أن تصل إليه ستكون طريقة جديدة للسرقة وللفساد وللتمييز بين المقرّبين والمبعدين، وفي الوقت الذي يبدو منطقيا أن يسعى العالم لإيصال المساعدات والمشاركة في الإنقاذ، فإن المفارقة الكبيرة تظهر في أن دعوات الموالين للنظام، داخل وخارج البلد لـ«رفع الحصار عن سوريا» (وهو ليس واقعا تحت حصار بل يتعرض لعقوبات غربية) تشترط عدم رفع الحصار الفعلي، عن أهالي سوريا المنكوبين في الشمال، الذين لم تتوقف النكبات عليهم يوما.
تصريح نتنياهو، من جهة أخرى، الذي يعرض «إنقاذ» السوريين، في الوقت الذي كانت فيه الجرافات الإسرائيلية تمارس عملها «الطبيعي» في هدم بيوت الفلسطينيين، وتتأهب لجولة جديدة في الخان الأحمر، هو مثال فاضح آخر على الاستثمار السياسي في الكارثة.
القدس العربي