أبٌ مكلوم يأبى ترك يد ابنته ذات الخمسة عشر عاما بعد أن فارقت الحياة تحت الأنقاض في ولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا عقب الزلزال العنيف». كان ذلك من المشاهد الأولى التي أظهرت حجم الألم والوجه المأساوي للزلزال، الذي هزّ 10 ولايات تركية قبل طلوع فجر 6 فبراير/ شباط 2023. وما إن أشرقت الشمس، حتى عاشت تركيا صدمة كبيرة من هول الدمار الذي خلفته الكارثة. وبعد مضي ساعات قليلة، هزّ زلزال ثانٍ الولايات ذاتها بعنف. بلغت قوة الزلزال الأول 7.8 درجات على مقياس ريختر، والثاني 7.5 درجات. وأدت الكارثة إلى تدمير نحو 50% من المباني في 6 ولايات من أصل 10 طالها التأثير. وبلغت حصيلة الوفيات 8 آلاف و574 فيما وصلت الإصابات إلى نحو 50 ألفا حتى لحظة كتابتي للمقال. ودفع ذلك الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في المناطق المتضررة لمدة 3 أشهر.
لا شك في أن تركيا عاشت مطلع الأسبوع الجاري أكبر زلزال في تاريخها، وربما هو أحد أكبر الزلازل في العالم أيضا. وقالت منسقة الصليب الأحمر الألماني في الشرق الأوسط شارلوت فون لينث، خلال حديثها لوكالة رويترز، إن «حجم هذه الكارثة يتجاوز قدرة أي بلد». ويؤكد الخبراء أن الزلزال الذي وقع الاثنين أكبر بـ6 أضعاف من الذي شهدته تركيا عام 1999 في منطقة غولجوك. فقد استمرت الهزة دقيقة ونصف الدقيقة في الجنوب مقابل 42 ثانية لزلزال غولجوك. وقال عالم الزلازل الياباني البروفيسور شينجي تودا: «يمكننا القول إن زلازل قهرمان مرعش تعتبر أشد الزلازل التي وقعت في البر حول العالم».
«أبٌ مكلوم يأبى ترك يد ابنته ذات الخمسة عشر عاما بعد أن فارقت الحياة تحت الأنقاض في ولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا عقب الزلزال العنيف»
من جهته قال خبير الزلازل التركي البروفيسور علي إحسان غوكر: «يطلق زلزال قوته 8 درجات طاقة بقدر قنبلة ذرية حجمها 60 ميغا طن. واليوم عشنا اثنين بقوة 7.8 و7.5 درجات. علما أن أقوى رأس حربي نووي في العالم حاليا حجمه 2 ميغا طن فقط». هذه التصريحات المذهلة وحدها تكفي لوصف الألم الكبير الذي عاشته تركيا. أمّا الخبير التركي البروفيسور أوفغون أحمد أرجان، فقال: «أستطيع أن أقول إن توترا بقوة 300 قنبلة ذرية تقريبا قد فرغ حاليا».
تقع منطقة الأناضول على خط صدع زلزال كبير للغاية، وتعيش الولايات التركية الواقعة في هذه المنطقة زلزالا كبيرا كل 20 عاما تقريبا. وتشير المصادر إلى أن قهرمان مرعش، مركز الزلزال الأخير، عاشت كارثة مشابهة بفعل خط الصدع المذكور في عام 1513 أي أنها تعيش الكارثة الحالية بعد مرور 500 عام على زلزال بلغت قوته حينها – وفقا للمصادر- 7.4 درجات. وطال تأثير الزلزال الأخير 10 ولايات وشعر به نحو نصف البلد على خط طوله 400 كيلومتر ويضم نحو 4 ملايين مبنى و12 مليون شخص. وحسب تصريح لرئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين البروفيسور كارلو دوغليوني، فإن الزلزال الذي تسبب أيضا بتشقق الجبال قرّب تركيا 3 أمتار من شبه الجزيرة العربية. كما أدى الزلزال إلى ارتفاع مياه البحر الأبيض المتوسط لتصل حتى شوارع مدينة اسكندرون. لا تكفي الكلمات لوصف هذه الكارثة الطبيعية المفجعة، ولا ننسى الإشارة إلى الأجزاء الشمالية من سوريا، فهي أيضا تعيش اليوم أكبر كارثة في تاريخها بالتوازي مع البرد القارس في عموم المنطقة. وبدأت أعداد كبيرة من فرق الإغاثة الأجنبية تتوافد على تركيا للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، نظرا لوجود عشرات آلاف الأشخاص العالقين حتى الآن تحت الأنقاض. وقد سارعت قطر وأذربيجان وباكستان لمساعدة تركيا بكل إمكاناتها، ولن ينسى الشعب التركي لها هذه المساهمات على الإطلاق. والوقت الآن هو وقت الدعاء والمساعدة والهدوء.
القدس العربي