الاحتجاجات لا تضعف النظام الإيراني

الاحتجاجات لا تضعف النظام الإيراني

تمكن الحاكمون باسم الدين في إيران من مسايرة الاحتجاجات التي عصفت بالجمهورية الإسلامية لمدة أسابيع حتى خفتت شرارتها ولم تعد تمثل خطرا على تماسك النظام. وللنظام الإيراني خبرة طويلة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية على مدار أربعة عقود والتي فشلت جميعها في إضعافه.

واشنطن – يسير الغرب نحو سيناريو كارثي محتمل في الشرق الأوسط مع انقطاع سبل محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة وتصرف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بطرق غير مبالية بالتهديد الذي تشكله إيران على أمن المنطقة، وتركيزها في المقابل على الصين والحرب في أوكرانيا.

وتعددت الانتقادات لخطة العمل الشاملة المشتركة التي تفاوض عليها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما باعتبارها الجزء الرئيسي من إرث سياسته الخارجية. وتزعم تلك الخطة أن الصفقة لم تفعل شيئا لمعالجة الطموحات الجيوسياسية الإيرانية والتهديد الذي كانت تخلقه في ذلك الوقت وما زالت تشكله على الشرق الأوسط حتى الآن.

ومع تعثر المحادثات في فيينا، يتراجع الأمل في المنطقة بأن تعتمد إدارة بايدن الصفقة المتجددة لإجبار إيران على كبح أعمالها العدائية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتقليص برنامجها للصواريخ الباليستية. وأصبح الأمل محتضرا اليوم مثل الصفقة نفسها.

ويجادل الأكاديمي الإيراني – الأميركي كيان تاجبخش بأن نجاح إيران كان ملحوظا وبرز من مدى نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وأشار الأكاديمي (الذي اعتُقل لعدة سنوات في إيران قبل إطلاق سراحه في الرابع عشر يوليو 2015، اليوم الذي وُقّع فيه اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا) إلى نجاح طهران في “التفوق على الغرب” من خلال الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة والسيطرة على لبنان واستخدام حزب الله لتهديد إسرائيل على مدى عدة عقود. ووصف إيران بأنها دولة مسلحة بالوكالة.

كما أن المدى الذي تفرضه طهران على البيئة السياسية والأمنية في العراق موثق مثل دعمها للحوثيين من خلال تهريب الأسلحة إلى اليمن.

وتحقق كل هذا بكلفة صغيرة نسبيا مع مخاطر قليلة تخلق للمنطقة عواقب كبيرة، خاصة وأنها وجدت القنوات الخلفية والدول الداعمة لتجنب العقوبات الحالية، كما هو الحال مع العقوبات السابقة، بما يقوض العقاب الاقتصادي الذي يمكن أن يسبب لها ضررا يدفعها إلى التراجع.

وتدحض تعليقات تاجبخش آراء أولئك الذين يرون في الموجة الحالية من المظاهرات في إيران دليلا على أن النظام يضعف وبالتالي يتعرض للخطر.

وتمكّن النظام من البقاء في السلطة وتجنب أي انشقاقات كبيرة داخل القيادة وتغلب على نسبة من العقوبات والعزلة لتوفير ما يكفي من المزايا الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين حتى يجعل الطبقات الوسطى غير راغبة في المخاطرة بالإطاحة به.

ويقول تاجبخش “تعدّ الاحتجاجات والثورات عادية لنظام استبدادي (…) فلا يحكم المستبدون بموافقة الشعب. وعندما تعلم أنك ستواجه انتفاضات متفرقة ومستمرة، عليك أن تهزمها وإلا ستنجح في الإطاحة بك. وجود الثورات ليس ضعفا للنظام الاستبدادي، إن الضعف يكمن في العجز عن إخمادها”.

ومع شراء الصين للنفط الإيراني ومد طهران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطائرات دون طيار لحربه في أوكرانيا، حشدت البلاد حليفين أجنبيين قويين مع قمع المعارضة الداخلية.

ويراقب الشرق الأوسط في هذه الأثناء التطورات بقلق مستمر حيث تبدو إدارة بايدن، مثل إدارة أوباما، مستعدة لتجاهل التهديد الوجودي الذي يلوح في الأفق أكثر فأكثر مع اقتراب إيران من حشد قدرة بناء سلاح نووي.

وهذا ما لن تسمح به دول الخليج وإسرائيل، حيث أوضح الإسرائيليون في أقوالهم وأفعالهم أنهم سيتخذون أي خطوات يرونها ضرورية مع الولايات المتحدة أو دونها.

وطالما كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واضحا من جانبه في التصريح بأن بلاده ستعمل على تأمين أسلحة نووية إذا نجح الإيرانيون في ذلك.

وقال الزميل لشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس كريستيان كوتس أولريشن الأسبوع الماضي إن “السياق الجيوسياسي هو بارود. إنه انتظار لإشعال تلك الشرارة النار فيه (…) نحن الآن نشهد أسوأ ما في العالمين. لا توجد خطة عمل شاملة مشتركة. كما لا توجد أيضا اتفاقية متابعة بعد سقوط الصفقة الأولى. وتصبح الأنشطة الباطنية في هذا السياق والفراغ ما يمكن أن يكون تلك الشرارة”.

ويقول خبراء عسكريون إن الاحتجاجات أثارت مؤقتاً مخاوف من إمكانية أن تسقط حكومة طهران بعنف، مشيرين إلى أن ذلك سيكون سابقة لا تريد حكومات بما فيها تلك الصديقة للولايات المتحدة رؤيتها.

ومع ذلك، أشار المسؤولون الأمنيون الغربيون إلى أنهم “خلصوا إلى أن أي خطر على النظام الإيراني لم يعد وشيكاً”.

ولفت مسؤولون إسرائيليون إلى أنهم “يعتقدون أن إيران ستزيد من أنشطتها المسلحة في الشرق الأوسط كوسيلة لتحويل الانتباه عما يحدث داخل البلاد وزيادة معنويات الحرس الثوري وهي القوة العسكرية المكلفة بحماية نظام الحكم في البلاد”.

المسؤولون الأمنيون الغربيون خلصوا إلى أن أي خطر على النظام الإيراني لم يعد وشيكاً بعد تمكنه من قمع المحتجين

بدوره، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن “الوضع في البلاد اليوم حرج. لقد نزل كل الأعداء في العالم إلى الميدان للقضاء على نظام الجمهورية الإسلامية”.

كما صرح ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في مدينة مشهد أحمد علم الهدى بقوله “كل الدنيا تحاربنا.. لقد أرسلوا مجموعة من المرتزقة يخلعن الحجاب في الشارع حتى نتراجع، ونقول هذه هي إرادة الناس، أي ناس، يجب ألا نتراجع”.

ويؤكد محللون أن “إيران دولة مؤسسات ونظامها لن يسقط بهذه التظاهرات الحقوقية المشروعة التي هي حق للشعب الإيراني، وسيفشل البعض في حرفها عن أهدافها الحقوقية المشروعة مثلما فشلت العقوبات الأميركية والحرب الاقتصادية المفروضة على إيران في تحقيق أهداف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بل لقد أكسبت هذه العقوبات النظام الإيراني مناعة كبيرة ومنحته خبرة كافية لتجاوز هذه العقوبات”.

ويشير هؤلاء إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ينزل فيها إيرانيون إلى الشارع تعبيراً عن غضبتهم وخيبتهم، حيث شهدت إيران احتجاجات سابقة، لكنها نجحت في قمعها وتشتيت المحتجين والالتفاف على مطالبهم المشروعة.

وفي المقابل أعربت هيذر ويليامز الباحثة السياسية البارزة في مؤسسة “راند” والمسؤولة السابقة في الاستخبارات الوطنية خلال إدارة أوباما عن اعتقادها أنها ترى “ما سيكون سبب نهاية إيران”، وأردفت “لقد تم تشخيص إصابتها بالسرطان، ومن ثم يصبح السؤال هل بقي في عمرها 6 أشهر أو 6 سنوات. هذا ليس واضحاً”.

العرب