الرباط – كشفت زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الغابون ولقاؤه الرئيس علي بونغو أن المغرب لا ينظر إلى علاقته بالدول الأفريقية على أنها تقف عند حدود الشراكة الاقتصادية، وإنما تتعداها إلى ما هو إنساني من خلال التضامن مع الشركاء، وهو ما عكسه تمكين الغابون من الأسمدة لمواجهة مخلفات الأزمة الدولية على القطاع الزراعي.
وأشرف الملك محمد السادس، بحضور علي بونغو، على تسليم هبة تتكون من ألفي طن من الأسمدة، قالت الوكالة المغربية إنها تندرج “في إطار العناية التي تخص بها المملكة المغربية المزارعين الغابونيين، ولاسيما في ظل السياق الحالي، الذي يتميز بالأزمة الغذائية العالمية وصعوبات التزود بالأسمدة”.
ويقول مراقبون إن الحركة التضامنية المغربية تجاه الغابون تؤكد تمايز المملكة عن غيرها وتفسر إلى حد كبير سر نجاح المغرب في بناء علاقات متينة في أفريقيا، معتبرين أن الملك محمد السادس لم ينظر إلى بناء علاقات اقتصادية مع أفريقيا من زاوية التعاون الاقتصادي مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء، ولكن الشراكة المتينة التي تقوم على التضامن والندية هي التي جلبت هذا الاعتراف الواسع بشكل تلقائي دون ضغوط أو مقايضة بالمواقف.
الشراكة التي تقوم على التضامن جلبت اعترافا أفريقيا واسعا بمغربية الصحراء دون ضغوط أو مقايضة بالمواقف
ونجح المغرب في كسب مواقف العديد من الدول الأفريقية من خلال نظرته الاستشرافية التي راهنت على العمق الأفريقي كخيار إستراتيجي، وقدم في ذلك خبراته المختلفة العلمية والاقتصادية والدينية والإنسانية التضامنية من أجل بناء شراكات متينة ستسهل عليه سعيه ليكون حلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، وليجني هو وشركاؤه مكاسب تلك الشراكات.
وتعتبر العلاقات الثنائية بين المغرب والغابون غاية في العمق على مستويات متعددة، تعزز أدوار المغرب بمنطقة غرب أفريقيا والعلاقات التاريخية مع دولها، وهو ما عبر عنه الرئيس الغابوني في تغريدة نشرها على تويتر قائلا إنه أجرى “مباحثات حارة” مع العاهل المغربي، مضيفا أنهما يعملان “على تعزيز التعاون الثنائي القوي بالفعل بين الغابون والمغرب، ولكن أيضا تعاوننا في القضايا الدولية”.
وأكد هشام معتضد، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، أن زيارة الملك محمد السادس إلى الغابون تؤشر على دبلوماسية ملكية حيوية مع هذا البلد الصديق وداخل أفريقيا والتي كانت دائمًا مبنية على تضافر البعدين الاقتصادي والإنساني، وهذا سيتعمق أكثر مع رمزية المساعدة المغربية للمزارع الغابوني التي تدخل ضمن أجندة مغربية تهدف إلى خلق مناخ سياسي واستقرار اقتصادي واجتماعي يستجيب لرغبات وطموحات الشعوب الأفريقية.
وسيتم اتخاذ إجراءات تسهل حصول المزارعين في الغابون على أسمدة ذات جودة وأسعار مقبولة وملائمة وتتناسب مع حاجيات التربة والزراعات في المنطقة.
واعتبر معتضد، في تصريح لـ”العرب”، أن “حضور الملك محمد السادس مع الرئيس بونغو يعكس حرصا ملكيا على استقلالية وسيادة القرار الأفريقي وتعزيزا للأمن الغذائي، ورسالة من طرف الدبلوماسية الملكية إلى كل القوى الإقليمية والدولية، تفيد بأن موقع المملكة في أفريقيا متجذر ويستمد قوته من الروابط الثقافية والروحية التي تتأسس عليها شراكاته”.
وللمغرب والغابون إرادة مشتركة لجعل أفريقيا قطبا صاعدا يضمن التعاون جنوب – جنوب المربح لجميع دول القارة على المستويات الاقتصادية والدبلوماسية والأمن الغذائي، ويتجسد ذلك في الحضور القوي للشركات المغربية داخل غرب أفريقيا باستثمارات تغطي أكثر القطاعات الإستراتيجية.
وكانت الغابون قد فتحت قنصليتها العامة في مدينة العيون المغربية في يناير 2020. وصرح وزير الخارجية الغابوني ألان كلود بيلي باي نزي حينها بأن فتح القنصلية يعكس دعم الغابون لمغربية الصحراء دعما راسخا، مضيفا أن بلاده ستواصل العمل مع المغرب على مواضيع أخرى تندرج في إطار دينامية لتعزيز التعاون بين البلدين.
حضور الملك محمد السادس مع الرئيس بونغو رسالة إلى كل القوى الإقليمية والدولية، تفيد بأن موقع المملكة في أفريقيا متجذر
ويرى المراقبون أن زيارة العاهل المغربي إلى الغابون، وما أظهرته من تضامن، هي رسالة إلى بعض الدول التي تنظر إلى أفريقيا فقط كمصدر للمكاسب والنفوذ، أو تلك التي تريد الحصول على مواقف مجانية دون أن تخطو خطوات فعالة لمساعدة الدول الأفريقية، لافتين إلى أن المغرب نجح في أن يؤسس لنموذج جديد في العلاقات داخل القارة يقوم على الشراكة المتضامنة.
وقال معتضد إن “الدبلوماسية المغربية سعت دائما للحفاظ على التوازنات الإستراتيجية للمصالح الأفريقية والعمل على الانخراط المسؤول في تقديم المساعدات اللازمة للبلدان الأفريقية والحرص على تثبيت البعد الإنساني في العلاقات السياسية بين البلدان بعيدًا عن الربح الاقتصادي الظرفي أو الاستغلال التجاري”.
وفي سياق الدعم الذي يوجهه المغرب إلى منطقة غرب أفريقيا، جدد الملك محمد السادس حرص المملكة على الوفاء بتعهداتها عبر الدعم الذي تقدمه للجنة المناخ الخاصة بمنطقة الساحل، سواء ما تعلق بتعزيز القدرات أو بالمساعدة التقنية أو بالدعم المالي، من أجل إعداد دراسات الجدوى اللازمة لاستكمال خطتها المتعلقة بالاستثمار المناخي.
وأضاف العاهل المغربي، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات للجنة المناخ الخاصة بمنطقة الساحل، أن المملكة المغربية ما فتئت توفر المساعدة التقنية الضرورية لأداء مهام اللجنة، وهي عازمة على مواصلة عملها، بنفس الحرص والإصرار، من أجل استكمال تنفيذ خارطة الطريق الموكولة إليها.
العرب