دول الخليج لا تريد أن تختار بين الولايات المتحدة والصين

دول الخليج لا تريد أن تختار بين الولايات المتحدة والصين

رأى كثيرون في الترحيب الحار الذي لقيه الزعيم الصيني شي جينبينغ في المملكة العربية السعودية خلال شهر ديسمبر علامة على عودة الصين إلى الظهور في الشرق الأوسط بنفوذ أكبر مما كان عليه سابقا ومؤشرا على أزمة متنامية في العلاقات الأميركية – السعودية بصفة خاصة وتوتر للعلاقات الأميركية – الخليجية بصفة عامة.

لكن دول الخليج لا تريد أن تنحاز إلى هذه القوة أو تلك وإنما تريد بناء علاقات تقوم على التنوع بدل الاعتماد على شريك واحد، لأن الخيار الأخير أكد فشله لعقود بسبب الرهان على الولايات المتحدة دون سواها.

وأصبحت الصين أكثر نشاطا في الشرق الأوسط على الصعيدين الاقتصادي والسياسي خلال العقد الماضي. ويقوم نهجها على توسيع النفوذ من خلال الاستثمارات الاقتصادية وعروض التعاون العسكري والأمني، مستفيدة من عدم الاستقرار طويل المدى الذي تعاني منه المنطقة.

ولم تعد التصورات الغربية، وخاصة منها الأميركية، تنظر إلى الصين على أنها “منافس حر حميد” فيما يتعلق بالبنية التحتية الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة. وهناك إجماع متزايد على كون بكين تشكّل تهديدا للمصالح الغربية في الشرق الأوسط.

الصين مجهزة للعمل كشريك طويل الأمد مع الخليجيين، وشراء نفطهم، وتشييد مدنهم الذكية، ومساعدتهم على تنويع اقتصاداتهم نحو الطاقة الخضراء

ومن المرجح أن تصبح الصين أكثر نشاطا في الشرق الأوسط في ظل الترحيب الواضح بدورها، بالرغم من تنامي توتر العلاقات مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، واتساع الخلافات السياسية والاقتصادية بينها وبين الغرب. وستستمر بكين، حتى مع زيادة تواجدها في المنطقة، في احتساب كل خطوة مع وضع الاستجابة الأميركية المحتملة في الاعتبار.

ونمت مشاركة الصين في المنطقة أكثر بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق في 2013، التي يلعب فيها الشرق الأوسط دورا مهما. وقد ركزت بكين في الأصل على التجارة والاستثمار في قطاع الطاقة، لكنها نوعت نشاطها منذ ذلك الحين. وتلعب اليوم دورا نشطا في العديد من مشاريع البنية التحتية والمدن الذكية ومراكز الابتكار ومشاريع شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس. وتعد الصين أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة منذ 2016.

وبدأ القادة الإقليميون في النظر إلى بكين كشريك أكثر موثوقية بسبب إحباطهم من السياسات الأميركية في الشرق الأوسط مع تزايد عدم ثقتهم بواشنطن. وتبقى العلاقة مع الصين بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي إستراتيجية أكثر من كونها انتهازية؛ حيث تتناسب قدرة الصين على توفير البنية التحتية والتكنولوجيا مع الرؤى التي يسعى إليها قادة دول الخليج.

وأصبح طريق الحرير الرقمي في الصين، الذي طُرح في 2015، جزءا كبيرا من مشاركتها في المنطقة. كما وسّعت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة التعاون التكنولوجي مع الصين في السنوات الأخيرة.

وتواجه شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي معوقات كبيرة في الدول الغربية مع اشتداد المنافسة مع الولايات المتحدة، مما يدفعها إلى تعميق تعاونها في الشرق الأوسط.

لم تعد التصورات الغربية تنظر إلى الصين على أنها “منافس حر حميد” فيما يتعلق بالبنية التحتية الأمنية

وبرزت المعادلة المتغيرة في المنطقة حين علّقت الإمارات محادثاتها المتعلقة بصفقة الطائرات المقاتلة من طراز أف – 35 مع الولايات المتحدة في 2021. وجاء اتخاذ القرار بعد أن طلبت الولايات المتحدة من الإمارات التخلي عن التعاون مع هواوي على شبكة الجيل الخامس كشرط للمضي قدما في الصفقة.

وتكمن أهمية زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض خلال ديسمبر الماضي في أنها كانت زيارة إستراتيجية لكلا الجانبين، على عكس سابقاتها.

ولا يقف تمدد الصين عند دول الخليج، فقد شهد العراق حضورا متزايدا للشركات الصينية التي وسعت استثماراتها في العراق من بوابة الطاقة.

وتستغل بكين تردد الشركات الغربية للاستثمار في العراق بسبب الوضع السياسي والأمني الهش، ونجحت في عقد اتفاقيات شراكة واسعة شملت البنية التحتية ومشاريع الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات الصينية في العراق وصلت إلى حوالي 20 مليار دولار بنهاية 2019، أي قبل جائحة كورونا، وأنها مرشحة للزيادة بشكل غير متوقع.

ومنذ 2003 شهد العراق نموا كبيرا لمشاركة الشركات الصينية في مشاريعه حيث تستثمر في تطوير الحقول النفطية وأبرزها حقل حلفاية ومجموعة حقول ميسان وحقل الأحدب وحقل شرقي بغداد.

كما تقوم الشركات الصينية بدور أساسي في مد خطوط أنابيب النفط، فضلا عن أنها تستورد يوميا ما يصل إلى 800 ألف برميل من النفط الخام العراقي. وبالإضافة إلى ذلك يتعاون البلدان على بناء مطار ومحطة طاقة شمسية ومشاريع أخرى.

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تميلان إلى تفضيل إستراتيجية تَعدّد الشركاء

ويتساءل الباحث جداليا أفترمان، في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو” للرأي، عما إذا كانت الإستراتيجية الأميركية العالمية الحالية، بما في ذلك سياسة واشنطن تجاه الصين، ستؤدي إلى عودة ظهور الولايات المتحدة أو انسحابها التدريجي من منطقة الشرق الأوسط؟

ويضيف جداليا، وهو رئيس برنامج سياسة آسيا في معهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في جامعة رايشمان الإسرائيلية، أن بكين تتناسب من نواح كثيرة مع رؤى المستقبل بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وعلى هذا المستوى تتفوّق الصين على أي لاعب آخر، حيث أنها مجهزة للعمل كشريك طويل الأمد مع الخليجيين، وشراء نفطهم، وتشييد مدنهم الذكية، ومساعدتهم على تنويع اقتصاداتهم نحو الطاقة الخضراء.

لكن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تميلان إلى تفضيل إستراتيجية تَعدّد الشركاء، بما في ذلك تنويع العلاقات مع الولايات المتحدة والصين وغيرهما، عوضا عن اختيار أحد الجانبين.

وبينما تعمل الولايات المتحدة على الإبقاء على دورها القيادي وتواصل انشغال أوروبا بالحرب في أوكرانيا والتحديات الأخرى، ستواصل الصين تعزيز موقعها في الشرق الأوسط، بما في ذلك علاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى. وتنظر الكثير من دول المنطقة إلى الصين باعتبارها شريكا مهما طويل الأمد، وترى بكين أكثر من الولايات المتحدة عندما تتصور مستقبلها.

ومن المرجح أن تصبح الصين أكثر نشاطا مع البقاء حذرة لأنها تقيّم آثار التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط على مصالحها الإقليمية والعالمية.

وربما تغير الولايات المتحدة نهجها الإستراتيجي في الشرق الأوسط، لكنها ستظل لاعبا إقليميا مهيمنا في السنوات القادمة.

وتوفر المجموعات الإقليمية الجديدة، مثل “آي 2 يو 2” التي تشمل الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، لواشنطن فرصة لعب دور إيجابي مع إعادة تشكيل موقعها الإقليمي.

ويجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تبديد خوف شركائها في الشرق الأوسط من أن تركيزها على أي محور آسيوي سيكون على حسابهم. وربما تعمل على توسيع الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ ليشمل الإمارات العربية المتحدة مع دول الخليج الأخرى وإسرائيل.

ويمكن للولايات المتحدة أن تقدم أجندة أوسع يرحب بها حلفاؤها في الشرق الأوسط من خلال الابتعاد عن لعبة منافسة القوة العظمى في المنطقة، وأن تقرّب آسيا والشرق الأوسط من بعضهما البعض.

العرب