أعلن البنك المركزي العراقي عن اعتزامه استخدام عملة اليوان في تعاملاته وتبادلاته التجارية مع الصين، في خطوة كانت مرتقبة منذ فترة، في ظل التحول الذي يشهده الاقتصاد العالمي، وقد سرعتها أزمة الدولار التي شهدها العراق في الأسابيع الماضية.
بغداد – يعتزم البنك المركزي العراقي تنظيم تعاملاته التجارية مع الصين مباشرة بعملة اليوان الصيني، في خطوة هي الأولى من نوعها وتعكس توجها نحو تخفيف التبعية للدولار الأميركي، وبالتالي الفكاك من تأثيراتها السياسية والاقتصادية على البلاد.
ويأتي القرار بعد عودة وفد عراقي من زيارة استمرت لأيام إلى واشنطن وكان الهدف منها التوصل إلى توافقات مع المسؤولين الأميركيين، بشأن تخفيف القيود التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي حيال التحويلات المالية من الدولار للبنوك العراقية، في سياق الضغط لمنع تهريب الدولار لإيران وباقي الدول التي تواجه عقوبات أميركية على غرار سوريا.
وكانت القيود الأميركية قد أثارت غضبا واسعا لاسيما في صفوف القوى العراقية الموالية لإيران التي وصفت تلك القيود بأنها محاولة أميركية لابتزاز العراق ومساومته، داعية حكومة محمد شياع السوداني إلى ضرورة تقديم بدائل للخروج من الهيمنة المطلقة للدولار.
وقالت وكالة الأنباء العراقية الأربعاء إن البنك المركزي يعتزم تنظيم تمويل التجارة الخارجية من الصين مباشرة بعملة اليوان الصيني.
وذكرت الوكالة أن البنك شرع في اتخاذ تدابير عاجلة من شأنها تعويض نقص الدولار في السوق المحلية، الأمر الذي دفع مجلس الوزراء العراقي إلى الموافقة على إعادة تقييم الدينار العراقي مقابل الدولار الشهر الجاري.
وقال مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر صالح في وقت لاحق إن “هذه أول مرة يتم فيها تمويل الاستيرادات من الصين باليوان.. حيث أن استيرادات العراق من الصين يتم تمويلها عن طريق الدولار فقط”.
وهذه هي أحدث علامة على تنامي دور اليوان الصيني عالميا، مع اتجاه الصين إلى فتح أسواقها المالية تدريجيا، بالإضافة إلى إقدام بعض الدول على تنويع تعاملاتها بالعملات الأجنبية، ومن بين ذلك دول الخليج، للحفاظ على استقرار عملتها.
وكانت السعودية أصدرت قرارا يقضي باعتماد اليوان الصيني بدلا عن الدولار مقابل النفط الذي يباع للصين، كما قررت مصر استبدال سندات الضمان بعملة اليوان بدلا عن الدولار ونفس الخطوة خطتها إسرائيل التي أعلنت أيضا عن توجهها لاستخدام اليوان الصيني بجانب الدولار الكندي والأسترالي كبديل مباشر للدولار الأميركي.
ويرى خبراء اقتصاد أن الاقتصاد العالمي بات يتجه نحو تنويع العملات الرسمية للتخفيف من الآثار الجانبية التي أحدثها تضخم الدولار على اقتصاديات الدول، لاسيما بعد القرار الأميركي بدعم الدولار داخليا، وتركه منفلتا في الخارج الأمر الذي تسبب في موجة غضب لدى شركاء واشنطن وخصوصا الأوروبيين.
ويشير الخبراء إلى أن العراق ليس بمعزل عن هذا التحول، فضلا عن كون المنظومة السياسية الحاكمة في بغداد تعتبر أن الارتهان الكلي للدولار سيعني عدم القدرة على مقاومة أي ضغوط أو شروط أميركية، كما حدث مؤخرا.
ويشير الخبراء إلى أن الخطوة كانت منتظرة وأن أزمة الدولار التي شهدها العراق تساهم بشكل واضح في تسريع اعتمادها.
وقال البنك المركزي العراقي في بيان إنه يستهدف ضمن هذه الخطة تعزيز أرصدة البنوك العراقية، التي لديها حسابات مع بنوك صينية بعملة اليوان. وأضاف البيان أن الخيار الثاني سيكون عبر تعزيز أرصدة البنوك العراقية من خلال حسابات البنك المركزي لدى بنك جيه.بي مورغان، وبنك التنمية في سنغافورة.
وأوضح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية أن الخيار الأول يعتمد على احتياطيات البنك المركزي من اليوان، فيما سيستغل الخيار الآخر احتياطيات البنك بالدولار الأميركي في بنك جيه.بي مورغان، وبنك التنمية في سنغافورة. وستعمل تلك البنوك على تحويل الدولار إلى اليوان، والدفع إلى المستفيد النهائي في الصين.
ويقول مراقبون إن توجه العراق نحو استخدام اليوان مع الصين لا يعني ذلك أنه بصدد التخلي عن الدولار أو استبداله، حيث أنه لا يملك ترف القيام بذلك، لاسيما وأن جميع تعاملاته بالدولار، إلى جانب كون الاحتياطات العراقية من العملات الأجنبية كلها لدى البنك الفيدرالي الأميركي.
وخيار التوجه للتعامل باليوان مع الصين، كان مثار تداول لأشهر في العراق، ولاسيما بعد القمة العربية الصينية التي احتضنتها المملكة العربية السعودية والتي شارك فيها وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء.
الاقتصاد العالمي بات يتجه نحو تنويع العملات الرسمية للتخفيف من الآثار الجانبية التي أحدثها تضخم الدولار على اقتصاديات الدول
وقال السوداني خلال تلك القمة، إنها “فرصة للتكامل الاقتصادي في منطقتنا من خلال تعزيز التعاون مع الصين”، مشيرا إلى أن العراق يرتبط مع الصين بـ”علاقات عريقة أخذت حيزا متناميا من الاهتمام والتطور خلال السنواتِ الماضية على الصعيدين الحكومي والشعبي”.
وشدد على أن “العلاقات مع الصين أخذت حيزا متناميا من الاهتمام والتطور خلال السنوات الماضية على الصعيدين الحكومي والشعبي، وأن العراق يتطلع إلى تعزيز الشراكة ضمن مبادرة الحزام والطريق، وضمن مجالات الاستثمار والطاقة ومشاريع البنى التحتية”.
وأثنى رئيس الوزراء حينها على عقد القمة التي تأتي ضمن “فهم عميق للساحة الدولية، لنتمكن من تبني سياسة خارجية متوازنة وتكاملية تخدم مصالح شعوبنا ودولنا وتعزز الاستقرار والازدهار”، منوها إلى أن العراق يدعم “جميع الجهود الرامية لتعزيز علاقات التعاون والصداقة المطّردة بين الدول العربية والصين”.
ويرتبط العراق بعلاقات وثيقة مع الصين منذ عقود، واتسع نطاق التعاون بين الجانبين بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وأصبح العراق في العام 2019 واحدا من شركاء بكين في مبادرة “الحزام والطريق”، مع توقيع البلدين اتفاقية في هذا الشأن.
وتهدف مبادرة “الحزام والطريق” إلى بناء مشاريع بنى تحتية بحرية وبرية، تصل الصين بشكل أفضل بآسيا وأوروبا وأفريقيا، لكن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة يرى في هذه المبادرة أداة صينية لتعزيز نفوذها على الصعيد الدولي.
العرب