فشلت جهود رئيس البرلمان العراقي في استرضاء شيوخ ووجهاء العشائر في محافظة الأنبار، وسط أنباء عن موجة انشقاقات جماعية عن حزبه “تقدم”، والتي تأتي في توقيت قاتل مع بدء الاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات، التي من المقرر إجراؤها في وقت لاحق من العام الجاري.
بغداد – تضيق حلقة الأصدقاء على رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي مقابل اتساع دائرة خصومه في الساحة السنية، لاسيما بعد فشل جهوده في استرضاء شيوخ ووجهاء العشائر، خصوصا في محافظة الأنبار.
وشهدت العلاقة بين الحلبوسي وشيوخ العشائر في الأنبار، كبرى المحافظات العراقية السنية، توترا خلال الأشهر الأخيرة، بسبب اتهامات لرئيس مجلس النواب العراقي بإقصائهم، واحتكار سلطة القرار سواء في علاقة بالتعيينات أو غيرها من القرارات التي تهم المحافظة.
وازداد التوتر مع سيطرة الحلبوسي على الجهاز الأمني، وهو ما خول له ملاحقة الأصوات المنتقدة والرافضة لنهجه، في مقابل غض بقية شركائه في “ائتلاف إدارة الدولة”، وخصوصا الإطار التنسيقي، الطرف عن سياساته بهدف زيادة “تعفن” الأوضاع داخل البيئة السنية، بما يسهل الإجهاز على رئيس البرلمان سياسيا.
وكان الإطار التنسيقي الذي يضم قوى موالية لإيران قد انخرط مع الحلبوسي في تحالف ضم كذلك المكون الكردي لإدارة العملية السياسية، لكن قوى في الإطار، وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لم تنس لرئيس البرلمان انخراطه مع التيار الصدري (المنسحب من العملية السياسية) في تحالف بغية إخراجها من معادلة الحكم.
وقد عمل المالكي على محاصرة الحلبوسي بداية عبر دعم مجموعة من القوى السياسية السنية التي تتربص بالأخير، ويقول مراقبون إن رئيس البرلمان لم يتعامل بحنكة مع ما كان يحضر له، فكان أن استعدى المكون العشائري، ودفعه إلى النفور منه.
وقد حاول رئيس حزب “تقدم” تدارك الوضع مؤخرا مع استشعار خطر تحجيمه، من خلال القيام بجولة على أبرز شيوخ العشائر بدعم من والده، لكنه لا يبدو أنه نجح في تحقيق أي اختراق حتى الآن.
ويرى المراقبون أن موقف العشائر يشكل محددا رئيسيا في الصراع داخل البيئة السنية، بالنظر للتأثير القوي لهذا المكون سواء كان على أهالي المحافظات، أو حتى على مواقف السياسيين، مشيرين إلى أن العديد من أعضاء حزب “تقدم” يتجهون للانشقاق عنه لعدة دوافع، من بينها التأثير العشائري.
وقال الشيخ أحمد الدليمي، أحد شيوخ ووجهاء محافظة الأنبار، إن انهيار حزب “تقدم” الذي يتزعمه الحلبوسي بات وشيكا، مشيرا إلى أن الأخير فشل في إقناع جل شيوخ العشائر وقادة حزبه بالتصالح.
وأوضح الدليمي في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “حزب ‘تقدم’ يواجه انهيارا كبيرا إثر فشل زعيمه في التعامل مع قادة وأعضاء الحزب، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار والتوازن في ديمومة الحزب على نهجه الخاطئ”.
وأضاف أن “الأيام المقبلة تنذر بفترة عصيبة تتيح لبقية قياداته البارزة الانسحاب والتوجه صوب الأحزاب الأخرى، التي باركت خطوة الانشقاق وعدتها خطوة صائبة للتخلص من العبودية التي أسسها الحلبوسي في إدارة الحزب دون التشاور مع مؤسسيه”.
وذكر أن “عددا من قادة حزب ‘تقدم’ عبروا في مناسبات عديدة أمام مرأى الحلبوسي ومسمعه عن سخطهم وتذمرهم من التصرفات المهينة التي ينتهجها زعيمهم”. وأشار الدليمي إلى أن “الأيام القليلة المقبلة ستشهد انسحابا جماعيا من حزب ‘تقدم’ إلى أحزاب أخرى في الأنبار والمحافظات الأخرى، بعد أن أيقنوا أن بقاءهم أصبح شبه مستحيل”.
هذه الانتخابات وتكتسي أهمية كبرى، إذ ستتشكل على قاعدتها مراكز النفوذ الجديد سواء في المحافظات السنية أو في باقي المحافظات العراقية
وكان عدد من أعضاء حزب “تقدم” قد أعلنوا مؤخرا الانشقاق عنه، ومن بين هؤلاء فلاح الزيدان ولطيف الورشان وعادل المحلاوي ويوسف السبعاوي.
وأكد الدليمي أن “الحلبوسي يحاول وبشتى الوسائل إقناع عدد من قيادات الحزب بالعدول عن انسحابهم مقابل تمتعهم بامتيازات جديدة لم يحددها الحلبوسي، ويبدوا أن هذا العرض ولد ميتا”.
ويرى متابعون أن حدوث انشقاقات جماعية داخل “تقدم” أمر وارد، خصوصا وأن الحلبوسي قد فقد زمام السيطرة على الوضع، ونجح خصومه إلى حد كبير في استقطاب العديد من أعضاء الحزب.
ويشير المتابعون إلى أن توقيت هذه الانشقاقات، وأيضا الرفض العشائري، سيعد ضربة موجعة للحلبوسي، لاسيما مع بدء القوى السياسية في العراق التحضير لانتخابات مجالس المحافظات المقررة في أواخر العام الجاري.
وتكتسي هذه الانتخابات أهمية كبرى، إذ ستتشكل على قاعدتها مراكز النفوذ الجديد سواء في المحافظات السنية أو في باقي المحافظات العراقية.
ولمجالس المحافظات دور أساسي في اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة في ضوء ما تخصّصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، ويجري اختيار تلك المجالس بناء على حجم التركيبة السكانية لكل محافظة.
ورجح محمد الكربولي، الأمين العام لحزب الحل القيادي في تحالف الأنبار الموحد، الثلاثاء، حصول التحالف على نصف زائد واحد في انتخابات مجالس المحافظات.
ويعد تحالف الأنبار الموحد الذي تشكل حديثا أحد أبرز خصوم الحلبوسي، وهو لا يخفي طموحاته لضمان السيطرة على مجالس المحافظات السنية، لكن الأمر يبقى رهين معركة تحجيم نفوذ الحلبوسي، وهو ما يجري العمل عليه بدعم من الإطار التنسيقي.
وأكد القيادي في الإطار التنسيقي علي الزبيدي الاثنين أن قادة الإطار لا يعارضون إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه.
وقال الزبيدي لـ”السومرية نيوز” إن “هناك الكثير من الملاحظات على عمل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وأدائه، واتفاق الكتل السياسية السنية على تغييره من منصبه لا يعارضه الإطار التنسيقي إطلاقا”.
وأوضح أن “الحلبوسي مرشح القوى السياسية السنية لمنصب رئاسة مجلس النواب العراقي، وفي حال اتفقت غالبية الكتل السنية على إقالته، فالإطار التنسيقي لن يعارض ذلك، وسيدعم خيار الكتل والأحزاب السنية”.
العرب