نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في مدينة نابلس في الضفة الغربية حصدت، حسب الأرقام الأخيرة، 10 شهداء ومئة وجريحين، سبعة منهم في حالة خطيرة، قد تراوحت أعمار الشهداء، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، بين 16 و72 عاما، وجاء الهجوم الأخير بعد عملية نهارية جرت في جنين الشهر الماضي استشهد فيها تسعة فلسطينيين، كان بينهم امرأة مسنة، وبذلك قدم الهجومان الإسرائيليان الدمويان نموذجا لفكرة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني حيث استشهد في العمليتين رجل وامرأة عجوزان وصبي وعدد من الشبان.
يمكن اعتبار العمليتين الأخيرتين أحد بنود استراتيجية عسكرية إسرائيلية تقوم على الهجمات والمداهمات وعمليات الاقتحام التي تشارك في بعضها مدرعات ومروحيات ومسيّرات، التي خلفت 230 شهيدا في العام 2022 (171 في الضفة، و53 في غزة، و6 من فلسطينيي 48) و9335 جريحا، ونحو 7000 حالة اعتقال، لا يزال 4700 منهم في السجون، وتعرضت الضفة الغربية في العام الماضي لموقع المقتلة الأكبر للفلسطينيين منذ نهاية الانتفاضة الثانية.
تجري الاقتحامات المستمرة للمدن الفلسطينية، والاغتيالات، وهدم البيوت، بالتزامن مع توسيع الاستيطان، حيث بلغ عدد المستوطنين قرابة 730,000 موزعين على 176 مستوطنة و186 بؤرة، وجرى الاستيلاء على 223 من الممتلكات الفلسطينية، وصدور قرارات بالاستيلاء على 26424 دونما.
يمثل العنف المتصاعد بشدة، والاستيطان المنفلت من عقاله، بندان من استراتيجية إسرائيل لإنهاء حل الدولة الفلسطينية عبر تقويض أركان السلطة الوطنية، وتقليص مواردها المالية، وتخفيضها إلى ما يشبه «الإدارة المدنية» وهو ما شكل ضغطا على السلطتين في الضفة وغزة وأضعف قدراتهما على الرد العسكري على التصعيد الإسرائيلي.
هذا يفسر، إلى حد كبير، تنامي ظاهرة العمليات الفدائية الفردية المستقلة عن الفصائل، في رد شعبي على وحشية قوات الاحتلال وهمجية المستوطنين، وكتعبير عن الغضب وحالة الإحباط، من ضعف الخيارات الفلسطينية الرسمية، وعدم قدرتها على تشكيل استراتيجية مقاومة على الأرض، مما يجعل اللجوء إلى المنظومة العالمية، والأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، هي الأوراق الرئيسية المستخدمة لدى السلطة.
أدت الردود الفردية إلى رفع منسوب المقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين، وبعد أن كان ميزان الخسائر البشرية عاليا لدى الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين في الأعوام الماضية (إسرائيلي مقابل 20 فلسطينيا) فقد باتت المعادلة في العام الماضي: إسرائيلي واحد مقابل سبعة فلسطينيين.
يشكو الوضع الفلسطيني الرسمي من أزمة مديدة، فقد أضعفت الاستراتيجية الإسرائيلية الكيانات الرسمية الفلسطينية، عبر استهداف شرعيتها وزيادة الفجوة مع شعبها، وتعزز ذلك باستمرار الانقسام الفلسطيني بين حركتي «فتح» و«حماس».
أما الجهود العربية لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتي تمثلت بمحاولات للجزائر، ومصر، لتقريب حركتي «فتح» و«حماس» فقد ووجهت بتصاعد نفوذ جناح التطبيع العربي مع إسرائيل، الذي تعزز بتشكيل آليات تعاون اقتصادية وعسكرية وأمنية.
تبدو خيارات القوى الرسمية الفلسطينية محدودة في مواجهة حكومة الاستيطان العنصرية، بشكل يحولها إلى شاهد على عملية تجريدها من سلطتها الفعلية والرمزية، أما عمليات المقاومة الفردية (أو شبه المنظمة) فتبدو صرخات استغاثة لشعب يحتاج لاستراتيجية جديدة للمقاومة.
القدس العربي