ترى الولايات المتحدة أن استمرار الشلل الراهن في ليبيا بات يؤثر على مصالحها، وأنه حان الوقت لتشكيل سلطة مستدامة في هذا البلد. ولا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بممارسة المزيد من الضغوط على الفرقاء لإنجاز الاستحقاق الانتخابي العام الجاري.
طرابلس – أعلنت الولايات المتحدة الجمعة عن اتفاق مع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي، بشأن دعم جهود إجراء الانتخابات الليبية العام الجاري، في موقف يعكس إصرار الولايات المتحدة هذه المرة على إنهاء حالة الشلل الراهنة وتشكيل سلطة مستدامة في ليبيا.
ويرى متابعون للمشهد الليبي أنها المرة الأولى التي تخرج فيها الولايات المتحدة من دائرة التصريحات لتعلن عن اتفاق، لكن السؤال المطروح هل يمكن أن تذهب واشنطن نحو اتخاذ إجراءات عملية في مواجهة الأطراف الليبية المعرقلة لإجراء الانتخابات؟
وجاء الاتفاق قبل أيام قليلة من الإحاطة التي سيقدمها المبعوث الأممي أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي والتي تثير مخاوف القوى الليبية من أن تحمل معها المزيد من الضغوط، بشأن إجراء الاستحقاق.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تطرق إلى الاجتماع الدولي الذي انعقد الخميس في نيويورك بشأن ليبيا “يجب المساعدة في أن يكون 2023 عاما لانتخابات ليبية حرة ونزيهة”.
وذكر البيان “استضافت الولايات المتحدة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي ومسؤولين رفيعي المستوى من مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا”.
وأكد البيان أن “باتيلي أطلع المشاركين على آخر المستجدات بشأن مشاوراته مع القادة والمؤسسات في ليبيا، بهدف تعزيز إجماع يفضي إلى إجراء الانتخابات في عام 2023”.
وتعرف المشاركون في الاجتماع على “الإنجازات التي حققها مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في المفاوضات التي يسرتها مصر بشأن الأساس الدستوري للانتخابات”، وفق البيان.
ونشر مجلس النواب الليبي الخميس التعديل الدستوري الثالث عشر الذي ستجرى بموجبه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في الجريدة الرسمية، ما يعني نفاذه.
وتأتي هذه الخطوة التي من المنتظر أن تفجر سجالات جديدة، قبل أن يصوت المجلس الأعلى للدولة على بنود التعديل، والذي كان من المفترض أن يتم الخميس، لكن خلافات بين أعضاء الهيئة الاستشارية حال دون ذلك.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق في تصريحات صحفية إن “نشر التعديل الدستوري الـ13 في الجريدة الرسمية بعد إقراره من مجلس النواب يعني أنه أصبح نافذًا”.
وسارعت مصر إلى الترحيب بخطوة مجلس النواب، ووصفتها بـ”الهامة على صعيد استيفاء الأطر اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية بالتزامن في أقرب وقت، تحت إشراف سلطة تنفيذية محايدة تعلي المصالح العليا لدولة ليبيا الشقيقة”.
وبدا أن خطوة مجلس النواب نشر التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية، محاولة من قبله للتأكيد على عزمه دعم جهود تنظيم الانتخابات، وأن المشكلة الأساسية تكمن في الطرف المقابل أي مجلس الدولة، الذي أجل التصويت على التعديل مرتين.
ويتهم كل من مجلسَيْ النواب والأعلى للدولة بتعمد إثارة قضايا خلافية للتهرب من إجراء الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، مراهنين في ذلك على ضعف الضغوط الدولية، نتيجة عدم التوافق المسجل بين القوى الخارجية.
مصر ترحب بنشر مجلس النواب التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية وتصفه بالهام لاستيفاء أطر إجراء الانتخابات
ويقول مراقبون إن احتضان واشنطن اجتماعا للقوى المتدخلة في الشأن الليبي، يعكس قناعتها بضرورة إنهاء المشهد الهلامي الحالي، الذي بات ينعكس بشكل سلبي على مصالحها خاصة في علاقة بمكافحة التدخل الروسي.
ويشير المراقبون إلى أن الإدارة الأميركية ترى أن غياب سلطة قوية ومستدامة في ليبيا يشكل مدخلا لروسيا لتعزيز حضورها في المشهد لاسيما عبر مجموعة فاغنر التي تنتشر في عدد من المواقع النفطية في ليبيا.
ويلفت المراقبون إلى أن لواشنطن قدرة كبيرة على تغيير مجريات الأمور في هذا البلد، وقد بدأت بالفعل التحرك صوب إيجاد حل مستدام يخدم مصالحها، وإقناع بعض الدول المتحفظة على غرار مصر وفرنسا بأهمية التماهي مع تحركاتها.
وأوضح بيان الخارجية الأميركية أن المشاركين في الاجتماع تشاوروا أيضا حول الخطوات التالية التي ينبغي اتخاذها لاستكمال التحضير للانتخابات.
وأشارت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، في حديثها للمشاركين في الاجتماع، إلى “اتفاق واشنطن وباتيلي على ضرورة تقديمنا المساعدة لإجراء انتخابات ليبية حرة ونزيهة في العام 2023 “، حسب المصدر ذاته.
والثلاثاء أعلن باتيلي في تغريدة مغادرته طرابلس إلى نيويورك لتقديم إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع الليبية في 27 فبراير الجاري، بعد آخر إحاطة قدمها إلى المجلس في ديسمبر 2022.
وأوضح أنه أجرى “سلسلة مشاورات شملت رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ووفد عن رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة”.
وأشار إلى وجود “تقارب متزايد في الآراء بشأن وجوب إجراء الانتخابات في عام 2023″.
ويرى متابعون أن الإشكال الحقيقي يتمثل في عدم وجود سلطة تنفيذية موحدة، وهناك رفض مصري خصوصا لتولي حكومة الوحدة مهمة الإشراف على العملية الانتخابية.
وقد بدأت القاهرة بالفعل التحرك عبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من أجل سحب البساط من تحت أقدام حكومة الوحدة التي لا تعترف بها.
واقترح رئيس مجلس النواب مؤخرا إنشاء لجنة من 45 عضواً تتولى مهمة تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تحت إشراف دولي، مجدداً التأكيد على اختصاص مجلس النواب في إعداد وإصدار التشريعات والقوانين باعتباره الجهة المنتخبة والمُعترف به دولياً.
وقال في كلمته أمام المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الليبية – الأميركية، الخميس الماضي، إن مجلس النواب هو السلطة التشريعية المنتخبة والمعترف بها دولياً في ليبيا، وهو صاحب الحق الأصيل في إعداد وإصدار التشريعات ومنح الثقة وسحبها من الحكومة، مشيراً إلى أن المجلس الأعلى للدولة كيان استشاري غير مختص.
وأوضح صالح أن مقترحه لحل الأزمة في ليبيا يقضي بـ”تشكيل لجنة تتكون من 15 عضواً من مجلس النواب و15 عضواً من المجلس الأعلى للدولة الاستشاري، ومثلهم من المستقلين والمختصين تكون مهامهم تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تحت إشراف دولي”.
وأضاف أن مهمة السلطة الجديدة الموحدة ستكون “توفير احتياجات المواطنين وحل المشكلات ومساعدة المفوضية لتتمكن من تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الموعد المتفق عليه، وكذلك إخراج القوات الأجنبية من البلاد، وتوزيع الثروة بين أقاليم البلاد”.
وتعيش ليبيا أزمة سياسية تتمثل في صراع بين الحكومة التي عينها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة عبدالحميد الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
العرب