بغداد – عاد التيار الصدري إلى المشهد السياسي بعد فترة انكفاء طويلة نسبيا، عبر بوابة الرفض لقانون الانتخابات الجديد، الذي يسعى تحالف “الإطار التنسيقي”، والذي يضم الكتل والأحزاب القريبة من إيران إلى تشريعه، وفق النظام القديم “سانت ليغو” بدائرة انتخابية واحدة لكل محافظة، وإلغاء الدوائر المتعددة.
وجاء اعتراض التيار الصدري بعد إخفاق مجلس النواب العراقي الخميس من القراءة الثانية لمشروع تعديل قانون الانتخابات، واعتراض النواب المستقلين عليه ومقاطعة الجلسة، مما أدى إلى كسر النصاب القانوني لعقد البرلمان جلسته.
وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان في بيان مقتضب، إن مجلس النواب أجلّ انعقاد جلسته إلى يوم الاثنين القادم.
وكان التيار الصدري الذي فاز في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2021 قد انسحب بشكل مفاجئ من العملية السياسية في سبتمبر الماضي بعد أشهر من التجاذبات وصراع الإرادات بينه وبين الإطار التنسيقي الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران.
ومكن هذا الانسحاب الإطار من الإمساك بزمام الأمور وتشكيل حكومة ولائية برئاسة محمد شياع السوداني، وتسعى قوى الإطار لتعزيز وضعها لسنوات طويلة عبر قانون انتخابي جديد بديل عن القانون الحالي الذي تحمّله تلك القوى المسؤولية عن تراجعها الكبير في الانتخابات التشريعية.
ونشر القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي عبر حسابه على فيسبوك مقطعا مصورا لممثل المرجعية الدينية عبدالمهدي الكربلائي وكتب عليه “لا للقائمة المغلقة، لا للدائرة الواحدة”.
ويقول الكربلائي في المقطع إن “رأي المرجعية الدينية هو لا للقائمة المغلقة ولا للدائرة الانتخابية الواحدة”، مضيفاً أن “القائمة المغلقة تغلق الطريق أمام الناخبين لاختيار من يمثلهم في البرلمان”.
ومن جانبه، وصف النائب عن الكتلة الصدرية المستقيلة حيدر المنصوري، الأحزاب السياسية الماضية في تشريع القانون، بأنها “أحزاب سانت ليغو…”، متسائلا “هل تتوقعون من أحزاب السلطة الخاسرة أن تسن قانون انتخابات يسمح للمواطنين بإخضاع الفائزين للمساءلة عن طريق صناديق الاقتراع”.
وأضاف “هل سيعودون إلى استجداء التحالفات من مجموع القوى الناشئة التي لن تثق بهم مستقبلاً، خاصةً بعد خيانتهم والتنكر لهم، رغم وقوفهم بقوة بجانب الثلث المعطل، وأن اصطفافهم سابقاً كان بسبب وجود الصدر، أما الآن فالصدر غير موجود. كيف ستتم تسوية الأمور لصالح أحزاب سانت ليغو!”.
ويرى مراقبون أن عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية، كان أمرا متوقعا، غير مستبعدين في ذات الوقت أن تشهد البلاد تظاهرات احتجاجية شعبية رافضة لهذا القانون، خصوصا وسط تعالي الأصوات المعارضة له سواء من داخل البرلمان وخارجه، حيث سبق أن أعلن 14 حزبا وكيانا سياسيا في العراق رفضه مشروع يقر تعديل قانون الانتخابات وفق نظام سانت ليغو.
ويشير هؤلاء إلى أن أي حراك لتعديل قانون الانتخابات خارج إرادة الصدريين، سيكون إيذانا بعودة الأزمة التي لم تحل أساسا، بل تم تجميدها، وهذا قد يعيد مشهد التظاهرات الشعبية في الشارع العراقي على مستوى بغداد وباقي المحافظات، وحتى سيناريو دخول البرلمان سيكون واردا إذا أصرّت بعض الأطراف على المضي بتعديل القانون وفق ما يرفض التيار الصدري.
وفي محاولة لامتصاص غضب التيار الصدري، أكد عضو اللجنة القانونية البرلمانية اوميد محمد السبت، أن “قانون الانتخابات يعد قانونا سياسيا ولا يمكن تمريره في مجلس النواب إلا باتفاق سياسي بين جميع القوى السياسية المتنفذة والناشئة وحتى المعارضة والمنسحبة وعلى رأسها التيار الصدري”.
وأضح محمد في تصريح لموقع “شفق نيوز” أن “اعتراض التيار الصدري، بكل تأكيد سيكون له تأثير على قضية تشريع قانون الانتخابات الجديد، الذي يهدف للعودة لنظام “سانت ليغو”، خصوصا هناك رفض لهذا القانون من قبل النواب المستقلين والكتل الناشئة، ولهذا هناك صعوبة في تمرير القانون، دون الاتفاق السياسي ما بين كافة الأطراف وضمنها الصدريين”.
ويتوقع متابعون للشأن العراقي أن يتراجع الإطار التنسيقي عن نظام سانت ليغو حتى لا يقع في استفزاز الصدريين باعتبار أن ذلك قد يؤثر على استقرار حكومة السوداني، وبالتي من المرجح أن يتنازل الإطار عن قانون الانتخابات مقابل ضمان استقرار الحكومة خلال المرحلة المقبلة.
وأنهى البرلمان العراقي، الأسبوع الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي يُطرح أيضا لاستخدامه في الانتخابات التشريعية، وظهر مشروع القانون الجديد، وفق نظام “سانت ليغو” القديم، الذي يعتبر إلغاؤه سابقا أحد أبرز منجزات التظاهرات الشعبية في العراق في عام 2019.
وآلية “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي تعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكن العراق اعتمد القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
ويرى مراقبون أن الهدف من العودة إلى هذا القانون هو تأمين سيطرة الكتل والأحزاب النافذة على الحكومات المحلية من خلال مقاعد مجالس المحافظات، والأمر نفسه بالنسبة لمجلس النواب، فهذه الأطراف تريد منع فوز أي منافس لها خصوصا من المستقلين.
العرب