احتجاجات عمالية في مواجهة قوانين تستهدف العمل النقابي في الجزائر

احتجاجات عمالية في مواجهة قوانين تستهدف العمل النقابي في الجزائر

الجزائر – شنت العديد من القطاعات الحكومية في الجزائر الثلاثاء وقفات احتجاجية وإضرابا عن العمل، ردا على مشاريع قوانين تستهدف تكبيل العمل النقابي، والتضييق على الحق في الإضرابات.

وسجلت عدة قطاعات حكومية استجابة جزئية لنداء الإضراب الذي دعت إليه العشرات من النقابات المستقلة، للتعبير عن رفضها لمسودة مشروع قانون العمل النقابي والحق في الإضراب، الذي أعدته الحكومة وعرضته على البرلمان من أجل المصادقة عليه.

ويوجد شبه إجماع من الفعاليات النقابية في الجزائر على رفض المشروع، الذي تعتبره تهديدا مباشرا للمكاسب التي حصلتها الطبقة الشغيلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن أكبر وأعرق نقابات البلاد ممثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لم تنخرط في الاحتجاج، واكتفت بانتقاد المشروع فقط.

وذكرت تقارير محلية بأن “أكثر من 30 نقابة مستقلة ممثلة لعمال التربية والتعليم، والصحة والبريد والتضامن والإدارات، والأئمة وعمال الشؤون الدينية، شنت الثلاثاء إضرابا عن العمل، للتنديد بما تصفه بتهديد الحريات النقابية، والضغط على الحكومة بغية سحب المشروع كلية”.

وكان نقابيون مستقلون قد انتقدوا تغييب الحكومة للشركاء الاجتماعيين عن مشاورات إعداد مشروع القانون، واعتبروه إقصاء مبرمجا يستهدف ثني النقابات عن أداء أدوارها الحقيقية في الدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة.

وعبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في تصريحات مؤخرا عن “احترامه لدستورية الإضراب والاحتجاج”، لكنه أبدى امتعاضه مما وصفه بـ”فوضى” التنظيمات النقابية التي شتتت تركيز عمل المؤسسات.

واستغرب الرئيس الجزائري من وجود العشرات من النقابات داخل المؤسسة الواحدة، في موقف يعكس إصرارا على المضي قدما في مشروع قانون العمل النقابي.

وشدد على ضرورة استعادة التنظيم داخل الجبهة الاجتماعية، والتكيف مع النصوص الناظمة، في تلميح إلى ما تصفه وزارة الداخلية بـ”افتقاد تنظيمات نقابية لصفة التمثيل القانوني للعمال، لكنها تمارس المزايدة على السلطة العمومية”.

وذكر تبون بأنه “من غير المعقول أن تأتي رسالة في الهاتف النقال على الساعة العاشرة لشن إضراب مفاجئ عطل مصالح ومعاملات المواطنين”، وذلك في إشارة للإضراب الذي خاضه عمال قطاع البريد والمواصلات منذ عدة أيام، دون سابق إنذار حسب ما ذكرته الإدارة المركزية للقطاع.

وكشف رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط عن أن “قرار شل المستشفيات والمدارس والبريد.. وغيرها من القطاعات، جاء بعد اجتماع تكتل النقابات الجزائرية قبل أسبوع لدراسة القوانين التي تقدمت بها الحكومة، تحت غطاء إعادة تنظيم المشهد النقابي، وللأسف الحكومة صاغت القوانين دون استشارة النقابات المستقلة، ولا حتى النقابات الأخرى (المنضوية في الاتحاد العام للعمال الجزائريين) المساندة لها”.

مراقبون لا يستبعدون للشأن الجزائري أن تكون الخطوة الجديدة جزءا من خطة السلطة لإعادة رسم المشهد الحزبي والنقابي والجمعيات

وأضاف مرابط “كنا قد حذرنا الحكومة من مغبّة المرور بالقوة، وعرض القوانين على البرلمان يوم الثامن والعشرين من فبراير، ولكن لم نجد آذانا مصغية لديها، ما اضطرنا إلى شن إضراب مع وقفات احتجاجية”.

وتضمن المشروع الجديد العديد من الإجراءات، كحظر بدء أي إضراب عمالي قبل استنفاد وسائل الحوار والمصالحة والتحكيم، وإجبارية تقديم إشعار مسبق من قبل النقابات قبل خمسة أيام على الأقل، وعقد جمعية عامة للعمال تقر اللجوء للإضراب، فضلا عن شروط أخرى لتأسيس النقابة وإمكانية حلها عن طريق القضاء، وعدم توظيف العمل النقابي في الأغراض السياسية والحزبية.

وسبق للعديد من القوى السياسية أن انتقدت مشروع القانون، ودعت إلى سحبه وفتح المجال أمام جميع الشركاء الاجتماعيين من أجل التشاور حول صياغة مرضية للجميع، واعتبرت تمرير القانون بهذه الصياغة سينهي مسيرة من النضالات والمكاسب الديمقراطية والعمالية.

ولا يستبعد مراقبون للشأن الجزائري أن تكون الخطوة الجديدة جزءا من خطة السلطة لإعادة رسم المشهد الحزبي والنقابي والجمعياتي، حيث تجري عملية مراجعة لمطابقة كل الفواعل من نصوص تنظيمية، قبل اللجوء للقضاء من أجل حلها، كما جرى مؤخرا مع جمعية “راج”، والحركة الديمقراطية الاجتماعية، وهو ما تعتبره المعارضة مسارا جديدا تنتهجه السلطة لإنهاء المعارضة في كل القطاعات. ويشير نشطاء حقوقيون ونقابيون إلى أن تمرير مثل هذه المشاريع يشكل خطرا حقيقيا على حرية العمل النقابي، وأن الصمت بشأنه سيكون مكلفا لاحقا.

العرب