الاستعمار الأخضر: وجه معتم للاستثمار في الطاقة المتجددة في أفريقيا

الاستعمار الأخضر: وجه معتم للاستثمار في الطاقة المتجددة في أفريقيا

لندن- حوّلت أوروبا أزمة الطاقة إلى ثورة طاقة نظيفة في اللحظات الأخيرة قبل الكارثة، حيث خلق التدخل الروسي في أوكرانيا تدافعا عاجلا نحو تقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية وخاصة منها الغاز الطبيعي.

لكن المشكلة الرئيسية التي تعترض السعي نحو الطاقة النظيفة تتمثّل في أن مناخ أوروبا لا يكفي لتحقيق ما تحتاجه القارة، ما يجعلها تتجه إلى أفريقيا لاستغلال مناخها، وهو ما يعيد العلاقة إلى المربع التاريخي، تاريخ الاستعمار، ولكنْ هذه المرة استعمار أخضر بوجه معتّم.

وانخفض استخدام الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي الروسي من حوالي 40 في المئة إلى أقل من 17 في المئة بين سنتي 2021 و2022. وبينما تم سدّ جزء من هذه الفجوة عبر عودة مخيّبة إلى الطاقة التي تعمل بالفحم، يواصل الاتحاد الأوروبي العمل على تكثيف الاستثمارات في الطاقات النظيفة مع تدابير سياسية غير مسبوقة تهدف إلى تسريع الانتقال إلى الطاقة الخضراء.

◙ دفع مشاريع الطاقة الخضراء من بلدان العالم الأول إلى أراضي البلدان الفقيرة خيار سهل، لكنه ليس الخيار الأخلاقي بالتأكيد

وفاقت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مزيج الطاقة الإجمالي في أوروبا من الغاز الطبيعي لأول مرة في التاريخ خلال العام الماضي. ويحاول الاتحاد الأوروبي الحفاظ على استمرارية هذا الاتجاه.

وذكر تقرير الحالة العالمية لمصادر الطاقة المتجدّدة لعام 2022 الصادر عن المفوضية الأوروبية أن التوجه الأخضر الجديد “يساعد مصادر الطاقة المتجددة على النمو على نطاق واسع ويشغل حصة كبيرة ومتزايدة من مزيج الطاقة الإجمالي”.

وتوقع التقرير أن تبلغ نتيجة النمو 69 في المئة من الطاقة المتجددة بحلول 2030، وهو ما يشكّل ارتفاعا هائلا من 37 في المئة المسجّلة في 2021.

وشكّلت خطة “ري باور إي يو” القارّية الطموحة استجابة المفوضية الأوروبية لقانون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لخفض التضخم الذي يقدم إعفاءات ضريبية وإعانات غير مسبوقة لمنتجي الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة.

ولئن انطلق مسار التشريعات الخضراء، فإن تأسيس البنية التحتية الكبيرة للطاقة النظيفة لن يكون أمرا سهلا. ويواجه التوسع في مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع قضايا رئيسية، كتخصيص الأراضي والتدابير البيروقراطية الشاقة لبعث الأعمال وشبكات الطاقة غير الكافية.

وتقول المحللة الاقتصادية هالي زارمبا في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي إن “مطوري الطاقة النظيفة في أوروبا، التي تعاني بعض دولها من فقر الأراضي، يتطلعون إلى تنفيذ خططهم الأكبر والأكثر طموحا في المناطق الأقل كثافة سكانية في شمال أفريقيا”.

ولا تقتصر هذه الجاذبية على وجود المزيد من الأراضي غير المطورة، بل تشمل مناخ شمال أفريقيا الجاف والمشمس الذي يفسح المجال لتوليد الطاقة الشمسية، حيث تولّد الألواح في القارة السمراء قوة تصل إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بتلك المثبتة في أوروبا. ويمكن بعد ذلك إعادة هذه الطاقة إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر الكابلات البحرية الضخمة العابرة للقارات.

وتشير زارمبا إلى أن بعض فوائد هذه العلاقة شبه التكافلية تبرز حاجة أوروبا إلى الطاقة مثلما تبرز حاجة شمال أفريقيا إلى التحفيز الاقتصادي، لكنها لا تخلو من عيوب التيارات الإمبريالية المألوفة والخطيرة.

وتحتاج دول شمال أفريقيا إلى الطاقة بقدر ما تحتاج إلى الاستثمار والصناعة لدعم اقتصادها. وبُعثت بالفعل مشاريع رئيسية للطاقة المتجددة لتشغيل الشبكات الأفريقية وتقليل البصمة الكربونية في المنطقة. لكنها تشهد تزايد تحويل هذا الإنتاج المخطط إلى الأسواق الأوروبية.

وذكر برنامج يلا 360، المتخصص في المناخ والبيئة، مؤخرا أن للمغرب “روابط عبر تجمع طاقة إقليمي يمكنه إرسال كهرباء خضراء إلى معظم الدول في غرب أفريقيا، بينما ترتبط مصر بمعظم شرق القارة. لكن صادرات البلدين من الكهرباء مخصصة للأسواق الأوروبية” بدلا من أن تذهب إلى الروابط الأفريقية.

ويدلّ حجم هذه المشاريع على استعداد شمال أفريقيا لجولة جديدة من تخصيص الأراضي، ما قد يسبب اضطرابات كبيرة في نظم النباتات والحيوانات والسكان عند إنشاء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ويحذر برنامج يلا من أن هذه التطورات ستحدث على الأرجح “بأقل قدر من التشاور مع المجتمع أو من التقييم البيئي”. ويتواصل التصوير الخاطئ لأفريقيا الصحراوية على أنها مساحة فارغة، حيث تبقى الصحراء نظاما بيئيا هشا للرعاة الرحل الذين ستتغير حياتهم وأنماط رعيهم بعد تأسيس صناعة الطاقة.

◙ استخدام الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي الروسي انخفض من حوالي 40 في المئة إلى أقل من 17 في المئة بين سنتي 2021 و2022

ومن المحتمل أن تعطي هذه المشاريع الأولوية للتنمية في المناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية، حيث سيكون النقل أسهل.

ومن المنتظر أن يخلق التحول نحو الطاقة الخضراء مقايضات كبيرة؛ فهو مشروع اقتصادي وصناعي ذو أبعاد غير مسبوقة ونتائج غير مؤكدة. لكن التنازلات والتضحيات ستكون حتمية للمصلحة العامة في مكافحة تغير المناخ الكارثي.

ولا يعني هذا عدم التشكيك في أخلاقيات من يتحمل العبء الأكبر من هذه التضحيات، ومن المهم أن تتم دراسة مسألة التخفيف من المقايضات.

ويعتبر تغير المناخ بالفعل قضية مثيرة للجدل من الناحية الأخلاقية، حيث تسبب الطور الأول من استغلال الطاقة في جل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري التي تهدد الآن البلدان الأقل نموا بشكل كبير، وخاصة دول أفريقيا.

ويبقى دفع مشاريع الطاقة الخضراء المثيرة للجدل من بلدان العالم الأول إلى أراضي البلدان ذات الأنظمة الأضعف خيارا سهلا، لكنه ليس الخيار الأخلاقي بالتأكيد.

العرب