فاغنر تجد في صربيا مصدرا مهما لتجنيد المرتزقة

فاغنر تجد في صربيا مصدرا مهما لتجنيد المرتزقة

يوفر الدعم الذي تقدمه روسيا للصرب في خلافهم مع كوسوفو بيئة خصبة لتمدد مجموعة فاغنر العسكرية في البلقان، إذ تسعى موسكو لجعل بلغراد جبهة ثانية في الحرب على أوكرانيا والمصالح الغربية في المنطقة.

ستيفن بلانك

موسكو – تعاني قوة فاغنر شبه العسكرية الخاصة الروسية من سمعة سيئة بسبب وحشيتها. فهي تنفذ عمليات في أوكرانيا وليبيا وسوريا ومالي والسودان وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى، من بين دول أخرى، فيما أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن فاغنر تعمل نيابة عن الحكومة الروسية في الآونة الأخيرة.

وبرز مؤخرا أن فاغنر، وغيرها من المنظمات الروسية الغامضة المرتبطة بالدولة، تعمل على تجنيد “متطوعين” ومرتزقة من الصرب للقتال في أوكرانيا. وتقدّم هذه المجموعات للمجندين الجدد تدريبات قتالية بأسلوب مشابه لكتيبة سودوبلاتوف السوفياتية سيئة السمعة التي تقاتل الآن في زابوريزهيا وفقا لوسائل الإعلام الصربية.

لكن هذا ليس غير مسبوق، حيث عرضت قوات سلوبودان ميلوسيفيتش في 1999 إرسال سرية قوامها 500 جندي لحماية “الوطن الأم”. كما قاتل العشرات من المتطوعين الصرب مع الانفصاليين الموالين لروسيا في أوكرانيا خلال عامي 2014 و2015.

والأهم من ذلك أن الأوليغارشية الروسية (بما في ذلك كونستانتين مالوفيف) التي تعمل بأمر من الدولة سعت لتجنيد متطوعين من البلقان ووسائل الإعلام للمشاركة في انقلابات ضد الحكومات الموالية للغرب في المنطقة بين سنتي 2014 و2016.

تقول بعض المصادر إن مالوفيف، وهو أحد الأيديولوجيين والمنظرين الأوائل لضم شبه جزيرة القرم، نجح في تجنيد وتمويل مرتزقتين روسيتين على الأقل مع الإشراف عليهما وعلى قائدي التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا العقيد إيغور جيركين وألكسندر بوروداي.

ومن الواضح أن الكرملين اعتمد على مالوفيف كمبادر وممول بالوكالة للتدابير النشطة، بما في ذلك مهام العمليات الخاصة في أوكرانيا. ووفر ذلك لموسكو إمكانية الإنكار الكاملة في حالة فشل العمليات. وينسب الفضل في النهاية إلى الكرملين في حال نجاح العمليات كما حدث في شبه جزيرة القرم.

وسعى مالوفيف بعد ذلك إلى تجنيد عملاء في جميع أنحاء أوروبا. وتبعه المسؤول السابق رفيع المستوى في المخابرات الأجنبية ليونيد ريشيتنيكوف، والأوليغارشي الروسي اليوناني والبرلماني السابق إيفان سافيديس. وكان جميعهم مرتبطين بمحاولة انقلاب في الجبل الأسود واليونان.

ومنذ أن أسس يفغيني بريغوجين مجموعة فاغنر في 2014، ارتبط اسم المرتزقة بمخطط لتنظيم تمردات وحركات نيابة عن موسكو في الخارج مع السماح للكرملين بالاحتفاظ بإمكانية الإنكار المعقولة. وتندرج عملياتها بالتالي ضمن تقليد روسي وسوفياتي طويل الأمد.

لكن ما يجعل وجود فاغنر في صربيا مثيرا للجدل هو حقيقة أنه أحدث مظهرا من مظاهر هذا التوجه. وسيكون من الخطأ اعتبار فاغنر مجرد قوة عسكرية تسعى بشكل حصري للحصول على امتيازات التعدين خارج الدولة في سوريا وأفريقيا، أو السلطة في أوكرانيا.

وحدد أحد التقارير عن أنشطة فاغنر في أفريقيا أن جدول أعمال الشركات العسكرية الخاصة هذا يشمل الآن خدمات للسياسيين والدول في جميع أنحاء العالم النامي. وهي تتفاوض بشأن مبيعات الأسلحة وأعمال الإصلاح العسكرية للحكومة الروسية مع ضمان امتيازات التعدين لبريغوجين، إن لم يكن لبوتين والمسؤولين الروس الآخرين.

كما تعمل المجموعة على بناء المؤسسات الإعلامية الوطنية في جميع أنحاء أفريقيا وتستعين بالنازيين الجدد الأوروبيين والمتفوقين البيض للتأثير على الانتخابات في القارة، وتدعوهم إلى استخدام حجج موسكو المعتادة باتهام الولايات المتحدة بالاستعمار بينما تقدّم تراثها المفترض المناهض للإمبريالية. كما توفر فاغنر لعملائها الأجانب خطط الأمان المستمدة من صفوف كوادر الاستخبارات السابقة أو الحالية.

من الواضح أن فاغنر قد خطت إلى الأمام في صربيا؛ حيث أنشأت ودعمت مجموعات يمينية متطرفة (مثل “دورية الشعب” و”مركز أورلوفي الروسي الصربي”) لزعزعة استقرار السياسة الصربية.

ويرتبط بفاغنر كذلك داميان كنيزيفيتش وألكسندر ليسوف، وكلاهما من المحافظين المتطرفين سيئي السمعة. وينشران الدعاية الروسية أثناء العمل على زعزعة استقرار صربيا.

ويقول دبلوماسيون أميركيون إن فاغنر تهدد القوات المحلية والمسؤولين في صربيا. ووصف الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش “دورية الشعب” بأنها مجموعة “فاشية”، ولا يرى لفاغنر مكانا في صربيا.

ويصبح الخطر الكامن في مجهودات التجنيد التي تبذلها فاغنر واضحا عند دراسة نطاق نفوذ موسكو الواسع على قطاعات الطاقة والجيش والإعلام في صربيا. ولذلك ليس من المستغرب أن فوتشيتش طالب بإنهاء جهود فاغنر للتجنيد في صربيا على الفور.

الخطر في مجهودات التجنيد يتجلى في مدى تأثير موسكو على قطاعات الطاقة والجيش والإعلام في صربيا

كما شجب وكلاء فاغنر (بمن في ذلك “دورية الشعب”) وأكد معارضة حكومته للحرب الروسية ضد أوكرانيا. وندد بالإشاعات التي تفيد بأن لفاغنر مكاتب نشطة في صربيا ووصفها بالأكاذيب. لكن بلغراد تظل معتمدة دبلوماسيا على روسيا بشأن كوسوفو بينما يلعب فوتشيتش لعبة التوازن المعتادة بين موسكو والغرب.

وحشد كنيزفيتش وليزوف الصرب الموالين لروسيا لإطلاق مظاهرات كبيرة إذا حاولت البلاد تحسين العلاقات مع كوسوفو في محاكاة أخيرة لنمط محاولات الانقلاب السابقة بقيادة روسيا في الجبل الأسود واليونان وجمهورية مقدونيا الشمالية. واعتقلت الشرطة الصربية العديد من المتظاهرين المسلحين الذين كانوا يريدون الإطاحة بالحكومة بالعنف.

وعند النظر في هذه الحقائق في سياق محاولات الانقلاب في مولدوفا وبلغاريا ذات التكتيكات المماثلة، يتضح أن موسكو تدبر هذه المحاولات بدعم من وكلاء محليين مثل كنيزفيتش وليزوف. ويبرز هذا ضمن عناصر إستراتيجية موسكو الشاملة لفتح “جبهة ثانية” في أوروبا على ما يبدو.

ويعزز كل هذا أهمية واشنطن وبروكسل في عدم السماح لصربيا بأن تصبح جبهة ثانية في حرب روسيا ضد أوكرانيا، حيث يمكن لموسكو تقويض المصالح الغربية.

ويجب أن تقود خبرة الرئيس الأميركي جو بايدن الواسعة واشنطن إلى تبني جهد أكثر استباقية ونشاطا لإيجاد حل لقضية كوسوفو التي خدمت الكرملين منذ فترة طويلة كنقطة دخول في حربها المستمرة ضد تكامل البلقان مع الغرب.

ويهدف وجود فاغنر في صربيا إلى نشر الحرب الحالية في البلقان وإنشاء بؤرة ثانية يمكن أن تشتت الحلفاء الغربيين وتقسمهم. ويجب بالتالي توسيع الدعم السياسي والمادي الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا مع مراعاة أكبر للتحديات في صربيا وجميع أنحاء البلقان.

العرب