إيران تضفي الطابع الرسمي على علاقاتها مع حركة “طالبان”

إيران تضفي الطابع الرسمي على علاقاتها مع حركة “طالبان”

منذ أشهر، تنخرط الحكومتان الإيرانية والأفغانية في قضايا دبلوماسية عادية، لكن التسليم الجديد للسفارة الأفغانية في طهران إلى ممثلي طالبان قد يكون أكثر إثارة للقلق، بالنظر إلى أنهما نظامان قادران على التنسيق ضد المصالح الأميركية في المنطقة.

  • في 26 شباط (فبراير)، سلمت إيران رسمياً السفارة الأفغانية في طهران إلى دبلوماسيين من حركة “طالبان” -وهي خطوة كبيرة نحو إضفاء الطابع الرسمي على الروابط بينهما وتعميقها. ولن تبدأ العلاقات بين الحكومتين من الصفر، فقد شهدت تطوراً في عدد من المجالات على مدار العام ونصف العام الماضيين. وكانت حركة “طالبان” تدير سابقاً قنصليات عامة من مشهد وزاهدان، بينما لم تغلق إيران رسمياً سفارتها في كابول بعد استيلاء الحركة على السلطة في أفغانستان في العام 2021. ويختلف الوضع بشكل ملحوظ عن التوترات التي اتسمت بها النسخة الأولى من “الإمارة الإسلامية” الخاصة بحركة “طالبان”، عندما أُثيرت مخاوف أمنية عميقة في طهران بشأن الحركة، بالنظر إلى سوء معاملتها لشعب الهزارة الشيعة في أفغانستان وقتلها دبلوماسيين إيرانيين في القنصلية في مزار الشريف في العام 1998. وفي الواقع، يعد تسليم السفارة إنجازاً آخر تم تحقيقه في إطار سعي “طالبان” البطيء -وإنما المتواصل- إلى اكتساب الشرعية والاعتراف الدولي الكامل بها، حتى لو أن مثل هذا الاعتراف لم يحدث بعد.
    قبل سقوط كابول وبعدها
    على الرغم من أن طهران ظلت تتعامل من موقع الحذر “طالبان” لأعوام عديدة بعد حادثة العام 1998، إلا أن التدخل الأميركي طويل الأمد في أفغانستان ساعد على انفراج العلاقات بين النظامين، نظراً لعدائهما المشترك تجاه واشنطن ورغبتهما في انسحاب الولايات المتحدة. ولهذا السبب، شهدت الأعوام التي سبقت سقوط كابول في العام 2021 ظهور تقارير متزايدة عن قيام إيران بتزويد “طالبان” بالأسلحة، وهو ما أدى إلى توسيع علاقاتهما وتسارعها بعد ذلك.
    بدأت المراحل الأولى من تفاعل طهران دبلوماسياً وبشكل معلن مع نظام “طالبان” الجديد في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) 2021. وبعد ثلاثة أشهر، دعي مسؤولون من الحركة لعقد اجتماعات في طهران. ومنذ ذلك الحين، عقد سبعة وستون اجتماعاً، واحتلت إيران المرتبة الرابعة من بين الدول الثماني والخمسين التي تعاملت مع “طالبان” دبلوماسياً، بعد الصين وتركيا وقطر فقط. وعلاوة على ذلك، لم يكن هذا التفاعل متعدد الأطراف سوى في أربع حالات، مما يوضح عمق العلاقات بينهما. حتى أنها تمت دعوة حركة “طالبان” لحضور احتفالات متعددة الشهر الماضي تتعلق بذكرى الثورة الإسلامية الإيرانية -ليس في أفغانستان فقط بل وفي قطر أيضاً.
    حتى الآن، ركزت معظم الاجتماعات بين الجانبين على مجموعة محددة جيداً من القضايا، هي: أمن الحدود (ضبط تجارة المخدرات الضخمة على وجه الخصوص)، وفرص الاستثمار في قطاعات مثل إنتاج الطاقة والتعدين والزراعة والسكك الحديدية، ومخاوف “طالبان” بشأن معاملة ملايين اللاجئين الأفغان في إيران، وسعي الحركة إلى تحسين أنظمتها داخل الوطن من خلال اكتساب الخبرة في مختلف المجالات، لا سيما قطاع الصحة. وابتداء من أيار (مايو) 2022، أصبحت هذه الاجتماعات أكثر جوهرية، ولم تعد مجرد وسيلة لجس نبض الطرف الآخر. وأدى هذا المستوى المتزايد من الراحة في التعامل إلى إبرام عدد من الصفقات الثنائية والمناقشات حول التعاون في مختلف القضايا، ومن المرجح أن يؤدي تسليم السفارة إلى تعميق هذا التعاون بشكل أكبر. وتشمل أبرز هذه الاتفاقات ما يلي:
    • 13 أيار (مايو) 2022: توصلت وزارة الدفاع التابعة لحركة “طالبان” ووفد إيراني إلى عقد اتفاقية متعلقة بأمن الحدود، للحد من الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات. وتم إنشاء لجنة مشتركة للمساعدة على تنسيق الدوريات الحدودية لبعضهما بعضا.
    • 29 أيار (مايو): قاد نائب وزير الشؤون الفنية في “طالبان” ونائب وزير الأشغال العامة الإيراني فريقاً فنياً مشتركاً لمراجعة المشاكل المتعددة التي يعاني منها تطوير الطريق السريع “أبو نصر فراهي”، من أجل تحديد الخطوات اللازمة لاستئناف تنفيذ المشروع.
    • 16 تموز (يوليو): اتفق وزير خارجية “طالبان” أمير خان متقي والسفير الإيراني آنذاك بهادور أمينيان على تشكيل وفود مشتركة تعقد اجتماعات منتظمة لتبسيط المحادثات التجارية المستقبلية.
    • 23 تموز (يوليو): قام ممثلون من شركة النفط والغاز الحكومية الأفغانية، و”المصرف المركزي الأفغاني”، و”وكالة القواعد والمعايير”، ووزارات المالية والخارجية والتجارة الأفغانية، بزيارة طهران لتوقيع عقد لاستيراد 350 ألف طن من النفط الإيراني. كما اتفق الجانبان على تمديد خط الأنابيب الحالي بين البلدين وإنشاء مصافٍ مشتركة.
    • 10 آب (أغسطس): أكد وزير الطاقة والمياه في “طالبان” (ملا) عبد اللطيف منصور، في لقاء مع وزير الطاقة الإيراني علي أكبر محرابيان، التزام حكومته بمعاهدة مياه نهر هلمند للعام 1973. وتنبع هذه الخطوة من السد الذي بنته الحكومة الأفغانية السابقة، والذي اعتبرته إيران ضاراً بالنظام البيئي للأراضي الرطبة في هامون.
    • 14 آب (أغسطس): أخبر المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية علي رضا بكديلي وزير خارجية “طالبان”، أن القنصليات الإيرانية في أفغانستان ستبدأ مجدداً في منح التأشيرات بهدف التخفيف من الهجرة غير الشرعية والسيطرة بصورة أفضل على أولئك الذين يعبرون الحدود.
    • 20 آب (أغسطس): اجتمع وزير الصحة في حركة “طالبان”، قلندر عباد، مع السفير أمينيان لمناقشة استكمال بناء مستشفيين في باميان وكابول، وكذلك التدريب التقني الإيراني على علاج السرطان. وفي أوائل أيلول (سبتمبر)، زار عُباد إيران لفهم نظام الرعاية الصحية بشكل أفضل وتنفيذ الدروس المستفادة في الوطن.
    • 20 آب (أغسطس): دعا السفير أمينيان وزير التعليم العالي في حركة “طالبان”، عبد الباقي حقاني، مع فريق تقني للقيام بجولة للاطلاع على نظام التعليم العالي في إيران.
    • 4 أيلول (سبتمبر): أبلغ نائب السفير الإيراني، حسن مرتضوي، حاكم إقليم ننجرهار الأفغاني بأن طهران مستعدة للتعاون في إعادة بناء المطار المحلي لكي يتمكن المزيد من الأفغان الحاملين للتأشيرات من السفر إلى إيران.
    • 15 تشرين الثاني (نوفمبر): ناقش وزير الصناعة والتجارة في حركة “طالبان”، نور الدين عزيزي، والمبعوث الإيراني الخاص حسن كاظمي قمي، إطلاق حوار مع القطاع الخاص لتنسيق أفضل لفرص المشاريع المشتركة. كما أشار الجانبان إلى ضرورة زيادة الصادرات الأفغانية إلى إيران، وتسهيل عبور البضائع والتجارة عبر ميناء تشابهار، وتوسيع الاستثمارات الإيرانية في أفغانستان.
    • 13 كانون الأول (ديسمبر): عقد أول حوار مخطط له مع القطاع الخاص في كابول، الذي تعهد فيه رجال الأعمال الإيرانيون باستثمار 100 مليون دولار في مصانع الإنتاج وتوسيع هذه الجهود إذا نجحت.
    • 14 شباط (فبراير) 2023: أخبر حسن كاظمي قمي (الذي كان سفير إيران الجديد في ذلك الوقت) وزير المناجم والبترول في حركة “طالبان”، شهاب الدين ديلاوار، بأن إيران تريد إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة على جانبي الحدود، بهدف خلق فرص عمل لكلا الشعبين وتحسين الصادرات والواردات.
    ومن المثير للاهتمام أنه لا يبدو أن أياً من هذه الاجتماعات قد غطى ولاية خراسان التابعة لتنظيم “داعش”، وهو فرع جهادي مقره في أفغانستان. وهذا الإغفال مثير للدهشة بالنظر إلى معاناة إيران من هجوم مميت نتيجة عملية خارجية قام بها “داعش” في شيراز في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثم قيامها بتفكيك خليتين من خلايا التنظيم في كانون الثاني (يناير) الماضي بينما كانتا تخططان للقيام بمزيد من العمليات.
    مخاوف محتملة في واشنطن
    من منظور أمني، سيدق تسليم السفارة ناقوس الخطر في واشنطن. وعلى أي حال، يتمركز زعيم تنظيم القاعدة الجديد، سيف العدل، في إيران. وعندما قُتل الزعيم السابق للتنظيم، أيمن الظواهري، في غارة جوية أميركية في تموز (يوليو) الماضي، كان يعيش في منزل يملكه سراج الدين حقاني، أحد كبار مساعدي وزير داخلية “طالبان”. ولا شك في أن نطاق المصالح الثنائية بين طهران وكابول يتجاوز بكثير كل ما يتعلق بتنظيم القاعدة، كما أن حالات التعامل المتعددة بينهما على الصعيد العام تبدو حتى الآن شؤونًا دبلوماسية عادية. ومع ذلك، ستوفر السفارة الأفغانية في إيران منصة أخرى لتنسيق الردود المحتملة للنظامين إذا قررت واشنطن الضغط بقوة أكبر على أي منهما فيما يتعلق بدعم الإرهاب.

*هارون ي. زيلين

الغد