توسيع صلاحيات هيئة النزاهة العراقية: خطوة لمحاربة الفساد أم لابتزاز الخصوم

توسيع صلاحيات هيئة النزاهة العراقية: خطوة لمحاربة الفساد أم لابتزاز الخصوم

يتجه البرلمان العراقي إلى تعديل القانون المنظم لعمل هيئة النزاهة الاتحادية، والذي سيتضمن المزيد من الصلاحيات للهيئة التي يشوب عملها الكثير من الشكوك، وسط اتهامات لها بالتعاطي مع قضايا الفساد بطريقة انتقائية.

بغداد – كشفت أوساط نيابية عراقية الاثنين عن اعتزام البرلمان توسيع صلاحيات هيئة النزاهة الاتحادية المعنية بمحاربة الفساد في البلاد، من خلال إقرار تعديلات على قانونها الحالي.

ويشكك الكثير من العراقيين في جدوى هذه الخطوة في تفكيك منظومة الفساد المتغلغلة في البلاد، والتي هي صنيعة القوى السياسية المهيمنة على المشهد العراقي، مشيرين إلى أن الهيئة تتعاطى بانتقائية مع محاربة الفساد، وأن توسيع صلاحياتها لا يخلو من نوايا مبيتة في استخدام الهيئة في لعبة تصفية الحسابات مع الخصوم.

وأكدت “لجنة النزاهة” النيابية بالبرلمان العراقي أنها تسعى لتوسيع صلاحية هيئة النزاهة الاتحادية من خلال تعديل قانونها، متوقعة التصويت عليه خلال الأيام القليلة المقبلة.

وقال عضو اللجنة النائب محمد الدليمي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن “لجنة النزاهة النيابية لديها ملفات كثيرة في عدة وزارات، وهناك متابعة وتحقيق، وتم تحويل بعضها إلى هيئة النزاهة، فيما ينتظر الآخر تدقيق أولياته ومن ثم تحويله إلى الهيئة المذكورة، كما سيتم فتح ملفات سابقة أيضًا في هذه الدورة”.

وأوضح الدليمي أنه “تم مؤخرا استدعاء رئيس هيئة النزاهة وكادرها المتقدم وأعضائها، لتعديل قانون هيئة النزاهة، وإعطاء صلاحيات أكثر لها، حيث هناك بعض القوانين تُقيّد عملها، وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتم تعديل القانون والتصويت عليه في مجلس النواب”.

وأكد عضو اللجنة النيابية أن “رئيس مجلس الوزراء وجّه بإنهاء البيع والشراء من خلال المقاولين المهيمنين والمسيطرين عليها، وتوجيه دعوات للشركات الرصينة التي لديها أعمال مماثلة، لتحقيق تقدم على المستوى الخدمي والمعماري في البلاد”.

ويرفع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني شعار محاربة الفساد كأولوية ضمن برنامجه الحكومي، ولا يكاد يمرر مناسبة دون الحديث عن هذه الحرب التي ما زال العراقيون لم يلمسوا شيئا منها باستثناء الإعلانات المتكررة لهيئة النزاهة عن اعتقال مسؤولين سابقين، وآخرها إصدار مذكرات توقيف بحق أربعة مسؤولين كبار في الحكومة السابقة، بتهم “تسهيل الاستيلاء” على 2.5 مليار دولار من الأموال العامة في واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في البلاد.

وكان رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي حذر في وقت سابق من السياسة الانتقائية والانتقامية التي يجري انتهاجها لمحاربة ظاهرة الفساد.

وقال الكاظمي في تعقيب على الحملات التي تطال مسؤولين من حكومته السابقة إنها “انتقامية ومرتبطة بأحزاب وميول سياسية”.

ويرى مراقبون أن توسيع صلاحيات هيئة النزاهة في هذا التوقيت لا يخلو من أهداف تسويقية، مشيرين إلى أن الشارع العراقي وصل إلى قناعة بأن مواجهة هذه الظاهرة أمر مستحيل في ظل المنظومة السياسية القائمة.

وهيئة النزاهة الاتحادية هي مؤسسة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتتركز مهامها على مكافحة الفساد، سواء منع وقوعه، أو تعقب المتهمين به والقبض عليهم بالتنسيق مع الجهات الأمنية الأخرى.

مراقبون يرون أن توسيع صلاحيات هيئة النزاهة في هذا التوقيت لا يخلو من أهداف تسويقية

ويقود هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون الذي ينتمي إلى تحالف الفتح الموالي لإيران برئاسة زعيم منظمة بدر هادي العامري.

وسبق وأن اتهم حنون بقضايا فساد في العام 2016، حينما كان رئيس دائرة الاستئناف. وقد تم إعفاؤه من المنصب حينها من قبل المجلس الأعلى للقضاء.

ولم يتم عرض حنون على المحاكمة، ما أثار ترجيحات بحصول تسوية خلف الكواليس لقضيته، ليظهر لاحقا كمرشح عن تحالف الفتح في الانتخابات التشريعية في العام 2018.

ويقول المراقبون إن تولي حنون لمنصب رئيس هيئة النزاهة على الرغم من شبهات الفساد التي تحوم حوله يجعل من الصعوبة بمكان الاقتناع بأن العراق على النهج الصحيح في مكافحة الفساد، محذرين من أن توسيع صلاحيات الهيئة الغرض منه هو ابتزاز الخصوم.

ويقبع العراق في المرتبة السابعة عربيا والمئة وسبع وخمسين عالميّا لأكثر الدول فسادا بين مئة وثمانين دولة مُدرجة على قائمة منظمة الشفافية الدولية. وخسر العراق أكثر من خمس مئة مليار دولار جرَّاء الفساد.

وتكبد العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم خسارة تقدر بأكثر من 350 مليار دولار من خلال تهريب العملة ومزادات البنك المركزي، والعقود والمشروعات الوهمية والمتعثرة. وتجاوزت الواردات المالية منذ الغزو الأميركي ألف مليار دولار، ذهب نصفها إلى الموازنة الاستثمارية الوهمية.

وسبق وأن كشف تقرير للسفارة الأميركية بأن الثروات التي اكتسبها القادة السياسيون في العراق تقدر بنحو 700 مليار دولار، توزَّعت بنسب متفاوتة بين الأحزاب ونواب البرلمان. كذلك كشف برهم صالح رئيس العراق السابق أن الأموال المنهوبة من البلاد إلى الخارج تُقدَّر بنحو 150 مليار دولار.

العرب