تشمل خطة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إجراء تغيرات في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية وذلك بهدف إعادة صياغة طريقة الحكم في الإقليم.
وكان نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي والملا بختيار مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للاتحاد الوطني اللذان اشرفا على اجتماع للمكتبين السياسيين للحزبين عقد في اربيل في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كشفا في مؤتمر صحافي ان الاجتماع سيكون بداية جديدة لبناء علاقات جديدة بينهما.
ويمثل الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني اكبر قوتين سياسيتين في اقليم كردستان، تأسس الاول عام 1946 والثاني عام 1976 وهما يتمتعان الان بالقوة ومناطق نفوذ خاصة بهما في جنوب كردستان.
وقاد كل منهما ثورة ضد الحكومات العراقية المتعاقبة الى ان شاركا في ربيع عام 1991 في الانتفاضة التي قامت في جنوب كردستان ضد النظام العراقي السابق وسيطرا على عدة مناطق ومنذ ذلك الحين وهما يديران الحكم في اقليم كردستان معاً.
وبعد الانتفاضة كان الحزبان في صراع مستمر للسيطرة على حكم إقليم كردستان حتى وصل الأمر بينهما الى حد خوض حرب اهلية وتقسيم الاقليم الى إدارتين (إدارتا أربيل والسليمانية) دام أعوام عدة وانتهى بتوقيع اتفاق إستراتيجي بينهما عام 2005 ما أدى الى إنهاء الصراع وتوحيد الادارتين كما نص الاتفاق على توزيع المناصب في حكومة الاقليم وحكومة بغداد بينهما.
وتقف وراء الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم قصة طويلة إلا أنها تتلخص في ان الاتفاق ألغي بعد انتخابات الحادي والعشرين من أيلول (سبتمبر) عام 2013 بشكل غير معلن.
وأدت نتائج تلك الانتخابات الى حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على (38) مقعدا في المرتبة الاولى وحصول حركة التغيير على (24) مقعدا في المرتبة الثانية وحصول الاتحاد الوطني على (18) مقعدا في المرتبة الثالثة ومثّل ذلك بداية تغيير في الخارطة السياسية في اقليم كردستان من حيث عدد أصوات القوى السياسية.
ومع أن المكتب السياسي للاتحاد الوطني قبِل بنتائج الانتخابات إلا أن مسؤولي الحزب كانوا يرفضون باستمرار ان يكون الحزب القوة الثالثة في إقليم كردستان ويشددون في تصريحاتهم على ان “الاتحاد اكبر من (18) مقعدا باعتباره يملك قوات عسكرية ومناطق نفوذ”.
وفي خضم تشكيل الحكومة التي كُلّف نيجيرفان بارزاني مرشح الحزب الديمقراطي بتشكيلها، علق الحزب بشكل من الأشكال بنود الاتفاق الاستراتيجي مع الاتحاد الوطني ووقع مع حركة التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الإسلامية اتفاقا لتشكيل حكومة القاعدة العريضة.
ومع ان الاتحاد الوطني انضم للحكومة مضطرا بعد توقيع الحزب الديمقراطي الاتفاق مع الاطراف الاخرى وتسلم المناصب التي حددها له الحزب الديمقراطي، إلا انه يظهر نفسه باستمرار كـ”مغبون”.
وكان تشكيل حكومة القاعدة العريضة أول تغيير فعلي في الخارطة السياسية لاقليم كردستان بعد عام 2005 حيث لم يبق الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الحاكمين المطلقين في اقليم كردستان، الا ان التغييرات لم تدم كثيرا، اما الان فهناك احتمال كبير بان تتغير الخارطة السياسية للاقليم مرة اخرى ويعود الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني معا الى الخارطة القديمة في حكم إقليم كردستان.
ويدور منذ بداية العام جدل بين الاطراف السياسية في الاقليم وخصوصا بين الحزب الديمقراطي وحركة التغيير حول موضوع رئاسة اقليم كردستان وصل الى حد انفجار سياسي بين الأطراف حيث أعلن الحزب الديمقراطي في الحادي عشر من تشرين الاول (أكتوبر) الماضي إلغاء اتفاق تشكيل الحكومة مع حركة التغيير.
قرار الحزب الديمقراطي بحق حركة التغيير كان بداية لدق باب الاتحاد الوطني من جديد بهدف العمل معا في حكم اقليم كردستان وهما الان يجريان مناقشات وقد اعدا برنامجا مبدئيا من اجل ذلك.
وتشهد العلاقات بين الحزب الديمقراطي وحركة التغيير وهما مكونان رئيسان في حكم اقليم كردستان خلافا عميقا وليسا مستعدين للعمل معا، فحركة التغيير تصف مسعود بارزاني رئيس الاقليم بـ”رئيس غير شرعي” نظرا لانتهاء ولايته منذ شهر آب (أغسطس) الماضي.
اما الحزب الديمقراطي وردا على محاولات التغيير فمنع يوسف محمد رئيس برلمان كردستان الذي ينتمي للحركة من العودة الى اربيل معلنا عدم سماحه له مطلقا بان يكون رئيسا للبرلمان كما طرد الوزراء الأربعة التابعين للحركة من الحكومة.
مهدت هذه التغيّرات الطريق امام الحليف القديم للحزب الديمقراطي (الاتحاد الوطني) للظهور من جديد كرقم كبير، وقد اعد مشروعا لحل المشاكل، ومع ان الاتحاد لم يكشف حتى الآن مضمون مشروعه رسميا الا ان هناك معلومات حوله تم تسريبها الى الإعلام.
وقد اعترف سعدي احمد بيرة عضو المكتب السياسي للاتحاد في تصريح لـ”نقاش” انهم اعدوا مشروعا مكونا من عدة نقاط للتهدئة وحل مشاكل الاقليم دون ان يكشف معلومات عن المشروع.
وقال بيرة وهو عضو في وفد الاتحاد الوطني للمحادثات مع الأطراف: “لقد ناقشنا المشروع مع عدد من الاطراف السياسية وكان لبعض الاطراف استجابة جيدة له خصوصا الحزب الديمقراطي”.
المعلومات الصحفية تشير الى ان النقطة الرئيسية في المشروع هي القيام بتغيير في الهيئة الرئاسية لبرلمان كردستان وهذا ما يرغب به الحزب الديمقراطي الا ان حركة التغيير ترفضه بشدة لذلك من المحتمل كثيرا أن يوضع خارج الاتفاق الجديد.
وحول ذلك لم يخف دلشاد شهاب العضو القيادي في الحزب الديمقراطي واحد المشاركين في اجتماع الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في حديث لـ”نقاش” ان حزبه خطا مع الاتحاد الوطني خطوات كبيرة لحل الوضع السياسي في الاقليم خصوصا بعد ان اعرب الجانبان عن إصرارهما على حل المشاكل.
وشدد شهاب على ان حزبه حسم أمره حول استعادة منصب رئيس البرلمان من حركة التغيير وان لم يتحقق ذلك فانه لن يسمح ابدا بان يعود يوسف محمد الى اربيل كرئيس لبرلمان كردستان كما منعه في السابق.
وحول المعادلة السياسية الجديدة في إقليم كردستان قال شهاب: “بالتأكيد حدث تغيير في المعادلة السياسية في اقليم كردستان منذ الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي، فالحزب الديمقراطي لن يتعامل مع حركة التغيير كالسابق، وما يدور الان هو اننا نريد توقيع اتفاق جديد مع الاتحاد الوطني لإدارة الاقليم اقتصاديا وسياسيا”.
وكان برلمان كردستان قد بدأ في الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي اولى خطواته لتعديل قانون رئاسة الاقليم ونصت المشاريع المعدة على عدم بقاء مسعود بارزاني في منصب رئيس الاقليم.
من جانبه لم يرفض سعدي بيرة ما قاله العضو القيادي في الحزب الديمقراطي كاشفا عن انهم منشغلون مع الحزب الديمقراطي بتفعيل الاتفاق الاستراتيجي الذي علق بعض بنوده منذ عامين.
وينص الاتفاق الاستراتيجي بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على توزيع المناصب في حكومة وبرلمان كردستان وكذلك المناصب التي تمنح للكرد في بغداد بينهما.
وفي المقابل لا تخفي حركة التغيير قلقها من تلك الخطوات التي تهدف الى تغيير الخارطة السياسية في الإقليم دون مشاركتها هي، وحول ذلك قال شورش حاجي المتحدث باسم الحركة لـ”نقاش”:ان الحزب الديمقراطي “يريد بخطواته تلك تهميش مشكلة رئاسة الإقليم وذلك عبر خلق مشاكل جديدة للاطراف السياسية، مثل المشاكل الحالية التي أوجدها لبرلمان كردستان ومهام الحكومة”.
واضاف حاجي: “لقد قام الحزب الديمقراطي بانقلاب على أكثر مؤسسات اقليم كردستان شرعية الا وهو برلمان كردستان وان اي طرف يساعد في تحقيق تلك الخطوة فهو يساعد الحزب الديمقراطي في تحقيق محاولته الانقلابية”.
من الواضح أن الخارطة السياسية لإقليم كردستان تقف أمام تغييرات كبيرة بسبب التحالفات الجديدة للقوى السياسية، ولكن ليس من الواضح ماذا ستكون النتائج التي ستتمخض عنها تلك التغييرات.
ويرى ابوبكر كارواني العضو القيادي في الاتحاد الإسلامي انه اذا اتفق الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني كما كان في السابق فان اتفاقهم سيكون عائقا أمام توجه الاقليم نحو المؤسساتية وقال لـ”نقاش”: حول الموضوع “اعتقد ان هذه المرة وخلال صياغة طريقة الحكم في الاقليم ستوضع حركة التغيير واطراف اخرى خارج الدائرة” وهذه هي الحالة التي يحذر منها العديد من المراقبين ويرون فيها خلقا لعدم الاستقرار السياسي في الإقليم ولا يستبعد لجوء القوى الاخرى الى الشارع.
هونر حمه رشيد
موقع نقاش