توسطت الصين في الاتفاق بين السعودية وإيران، إلّا أن ذلك لا يشير إلى قيام نظام جديد بزعامة بكين في الشرق الأوسط. وفي الواقع، يمكن أن يجعل التوترات الإقليمية أكثر سوءاً.
لم يشكل الاتفاق الذي أبرمته طهران والرياض في الأسبوع الماضيلاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما “اتفاقية سلام”، بل قراراً صدر عن الخصمين لتهدئة التوترات وإعادة فتح السفارات بعد مرور سبع سنوات على انقطاع العلاقات. إلا أن واشنطن تخوّفت بالدرجة الأولى من دور الصين في تسهيل الاتفاق، مما دفع بالبعض إلى الإعلان عن بداية “عهد جيوسياسي جديد” والتأكيد أن الاتفاق فاق “كل ما تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ تولّي بايدن منصبه”.
ولكن ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى الشك في أن الاتفاق يشير إلى براعة دبلوماسية صينية جديدة أو إلى تغير النظام في المنطقة. على سبيل المثال، تلعب بكين دوراً في المجال الدبلوماسي في الشرق الأوسط منذ سنوات، ومؤخراً عبر الرحلة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ في كانون الأول/ديسمبر لترؤس القمم الإقليمية في المملكة العربية السعودية، إلّا أن جهوده لم تثمر عما يستحق الذكر. (للحصول على نظرة تفصيلية على الأنشطة الدبلوماسية السابقة للصين في المنطقة، راجع المقالة المصاحبة “سجل الصين على الصعيد الدبلوماسي في الشرق الأوسط“.)
بالإضافة إلى ذلك، لم يتضح بعد مدى أهمية دور بكين في المفاوضات الإيرانية السعودية. فمنذ سنوات يجري الطرفان محادثات غير رسمية (عبر قنوات خلفية) على أمل تهدئة التوترات، وقد جرت الجولات السابقة برعاية العراق وسلطنة عُمان. ووُضعت هذه المحادثات جانباً مع تغيير الحكومة في العراق واندلاع الاحتجاجات في إيران العام الماضي.
وفي هذا السياق، تشير التقارير حول الاتفاق الجديد إلى أن كلا الجانبين كانا قادرين على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا المهمة، نظرياً على الأقل. ويبدو أن الرياض وافقت على التخفيف من حدة حملتها الإعلامية عبر قناة “إيران إنترناشيونال” الكائنة في لندن والممولة من السعوديين، وهي التي وصفتها طهران بالمحرض الأول المناهض للنظام خلال حركة الاحتجاج الأخيرة. وفي المقابل، أفادت بعض التقارير أن إيران وافقت على تشجيع حلفائها الحوثيين في اليمن على الأبقاء على الهدنة الحالية المستمرة منذ عام. ومنذ بداية تلك الحرب في عام 2015 أنفقت السعودية ملايين الدولارات للدفاع عن أراضيها ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة، والتي غالباً ما استهدفت مواقع مدنية رئيسية. باختصار، كان لدى الرياض وطهران أساساً حوافز قوية لاتخاذ بضع خطوات دبلوماسية أولية على الأقل لتعزيز استقرارهما الداخلي، لذا فإن إبرام هذا الاتفاق ليس بمثابة أنجاز بارز جداً لبكين.
وثمة مسألة أخرى مطروحة وهي ما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق بالكامل، وما إذا كانت بكين تنوي مساءلة كل جانب. ورفقاً لـ البيان الثلاثيالصادر في 10 آذار/مارس، اتفقت إيران والسعودية على “استئناف العلاقات الدبلوماسية” وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين. كما أكدتا “احترامهما لسيادة الدول… وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، فضلاً عن اعتزامهما تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 واتفاق عام 1998 الذي يتناول التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي (ستتم مناقشة الاتفاقيتين الأخيرتين بشكل كامل في مقال مصاحب قادم).
إلا أن اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 غامضة – على الرغم من أنها تتضمن لغة عامة تشجع على تبادل المعلومات والتدريب المشترك لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات، إلا أنها لا توفر مساراً محدداً نحو بدء مثل هذا التعاون. بالإضافة إلى ذلك، يوضّح البيان الثلاثي بشكل جاد أن دور الصين اقتصر على “استضافة المحادثات ورعايتها”، ومن الممكن أن تستضيف قمة إقليمية أخرى في وقت لاحق من هذا العام. ولم يلمّح البيان بأي شكل على أنها تعتزم تأدية دور الضامن للاتفاقية أو إبقاءها على المسار الصحيح.
وبالفعل، تبدو مخاطر الخروج عن المسار عالية نظراً لانعدام الثقة بين الرياض وطهران. وقد يؤدي تجدد الاحتجاجات في إيران إلى اندلاع موجة جديدة من غضب النظام تجاه السعودية، سواء شاركت الرياض وحلفاؤها في إثارة الاضطرابات أم لا. وعلى الرغم من أن الحوثيين متحالفون بشكل وثيق مع طهران ويعتمدون على أسلحتها وأموالها وتدريبها، إلا أنهم قد يواصلون عمليات القصف على السعودية لأسبابهم الخاصة، مما يهدد وقف إطلاق النار الهش. وبالمثل، من الممكن أن تقرر شبكة وكلاء إيران في العراق وسوريا مهاجمة الشركاء السعوديين أو المملكة ذاتها، مما يقوّض دعم الرياض الداخلي للتسوية.
وقد يؤدي الاتفاق إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً التي تسعى بكين على الأرجح إلى تهدئتها. وعلى وجه الخصوص، قد ترى إيران في الاتفاق تأييداً ضمنياً لسياستها النووية الحالية والتي جمعت بين التعنت السياسي والتطورات التقنية غير المسبوقة. وإذا قررت طهران مضاعفة الجهود في استراتيجيتها النووية نتيجة لذلك، فإنها ستزيد منقلق المسؤولين الغربيين والعرب والإسرائيليين. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الاتفاق قد يخفف من حدة التوترات بين إيران والسعودية، إلّا أنه قد يؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم التوترات بين طهران والجهات الفاعلة الأخرى، ما قد يزيد من احتمال حدوث تصعيد عسكري.
لذلك، على واشنطن التيّقظ بشأن ما تعنيه وساطة بكين – وما لا تعنيه. ومن المرجح أن تواصل الصين زيادة استثماراتها في الشرق الأوسط؛ فهي في النهاية القوة الاقتصادية المهيمنة في المنطقة وقد سعت منذ فترة طويلة للمواءمة بين مكانتها الدبلوماسية وتأثيرها الاقتصادي الكبير. وحتى الآن، لم تتأثر سمعتها الدبلوماسية في المنطقة بما يجري على أرض الواقع. وفي النهاية، لا شكّ في أن إقناع إيران والسعودية بالموافقة علناً على اتفاق لخفض التصعيد يشكل فوزاً. لكن في واقع الأمر، يُعد إلزامهما بالاتفاقية على المدى الطويل تحدياً مختلفاً تماماً، حيث سيكشف الكثير عن تأثير الصين الحقيقي.
هنري روم
معهد واشنطن