الهجرة الأفريقية مستمرة نحو مكان أكثر أمنا.. تقريبا

الهجرة الأفريقية مستمرة نحو مكان أكثر أمنا.. تقريبا

يعتمد المهاجرون الأفارقة اليائسون اليمن الذي مزقته الحرب طريق عبور، حيث يحاول معظمهم الوصول إلى المملكة العربية السعودية. لكنهم يواجهون عنفا يلاحقهم في رحلة هروبهم إلى أماكن يظنون أنها أكثر أمنا من أوطانهم.

واشنطن – يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة أكثر من 41 ألف دولار، ويحتل المرتبة السادسة في الاقتصاد على مستوى العالم. وتتخذ البلاد التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة تدابير صارمة لمنع وصول اللاجئين القادمين من البلدان الفقيرة. وتعمل على استحداث تشريع تعترف وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بتعارضه مع القوانين الدولية التي تلتزم بها الدولة رسميا.

وتتوقع المملكة قدوم 46 ألف شخص هاربين من الحرب وحالات الطوارئ المناخية والمجاعة المتفشّية في بلدانهم الأصلية. ويلجأ هؤلاء إلى المهربين والقوارب الصغيرة القاتلة للعبور بسبب سياسة الهجرة العدائية الحازمة التي تمنعهم من التقدم رسميا بطلبات اللجوء. فكيف يقارن ذلك بوضع الهجرة في اليمن؟

صادف الأحد الماضي السادس والعشرون من مارس ثماني سنوات على الهجوم الأول بقيادة السعودية على قوات الحوثيين المدعومين من إيران. وتعاني الدولة، التي تمزقها حرب أهلية داخلية تفاقمت بسبب تدخل الحلفاء الأجنبي، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج أكثر من 21 مليونا من سكانها إلى المساعدة الإنسانية.

ويتلقى 13 مليونا فقط من 17 مليونا المعونة الغذائية بسبب نقص التمويل، ويحصلون فقط على 65 في المئة من “سلة الغذاء المعيارية” الأساسية لبرنامج الغذاء العالمي التي لا تعدّ بحد ذاتها مساعدة سخية. ولم يُقدّم سوى حوالي ربع المبلغ المطلوب في مؤتمر التعهدات السنوي لهذا العام بما يسبب استمرارية تدهور ظروف اليمنيين المعيشية، رغم تحسن الوضع الأمني ​​لعدم استئناف العمل العسكري الكبير منذ انتهاء الهدنة في أكتوبر الماضي.

وإضافة إلى الجهود الدبلوماسية المتعددة المستمرة التي تشمل تأثير تحسن العلاقات السعودية – الإيرانية الإيجابي المحتمل على اليمن، يعتبر الإعلان في جنيف في العشرين من مارس عن اتفاقية للإفراج عن 887 سجينا موضع ترحيب كبير، رغم أنه بعيد عن الاتفاقية الأصلية المبرمة في ديسمبر 2018 لتحرير 16 ألف أسير من الجانبين.

ووصل أكثر من 73 ألفا من مواطني شرق أفريقيا إلى اليمن خلال أزمته في 2022. وشكّل العدد انخفاضا عن العدد المسجل سنة 2019 (138 ألفا) بسبب تأثير كوفيد – 19.

وتقول هيلين لاكنر، وهي خبيرة في شؤون اليمن، إن مع دخول الحرب عامها التاسع، تبدو غالبية هؤلاء المهاجرين غير مدركة لكون البلاد في صراع عميق، مما يدل على محدودية الاتصالات الدولية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

وتضيف الخبيرة في تقرير خاص لمؤسسة عرب دايجست الاستشارية، أن جل المهاجرين يتجهون إلى المملكة العربية السعودية بحثا عن عمل. ويشكّل الصوماليون 8 في المئة منهم، وهم يستفيدون نظريا من حقوق اللاجئين، حيث كان اليمن الدولة العربية الوحيدة التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951.

ويشكّل الإثيوبيون غالبية المهاجرين. لكن الجميع يبقون عرضة لانتهاكات كبيرة من شتّى الأنواع، بما في ذلك الاتجار بهم داخل اليمن. وتواجه النساء والفتيات، اللاتي يشكلن 20 في المئة من المهاجرين، خطر الاعتداء الجنسي بالإضافة إلى جميع التهديدات الأخرى. وذكرت المنظمة الدولية للهجرة أن المهاجرين يتعرضون للعدوان وسوء المعاملة والاستغلال. وأكّدت أن جلّهم يعيشون في ظروف مزرية مع محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى والغذاء والمياه والرعاية الصحية.

ويحاول المهاجرون الذين يصلون إلى ساحل بحر العرب الجنوبي في اليمن شق طريقهم إلى المملكة العربية السعودية. لكن الآلاف لا يعبرون الحدود أبدا، بينما يعاد آخرون. وتقطعت السبل بنحو 43 ألف شخص في اليمن، ويتواجد معظمهم في محافظات مأرب وعدن وشبوة والمهرة حيث يكونون عرضة للمزيد من الانتهاكات.

وينتشر الصوماليون والإثيوبيون عبر المدن اليمنية وهم يحاولون كسب المال من تنظيف السيارات وشغل وظائف غير رسمية. وتجدهم في المناطق الريفية عمالا مؤقتين في الزراعة وصيد الأسماك، ويتنافسون مع اليمنيين على الوظائف. ويتمتع الصوماليون رسميا بإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية المحدودة المتوفرة في بلد فقير في حالة حرب، لكن هذا لا يمنع التمييز. ويُفترض أن النساء يقدّمن خدمات جنسية مما يعرضهن للإهانة والاعتداء.

ويتعرض الإثيوبيون والصوماليون للاتجار والاحتجاز غير القانوني وسوء المعاملة أثناء رحلتهم عبر اليمن إلى المملكة العربية السعودية. وتحتجز السلطات الكثير من بين الذين وصلوا إلى الحدود، وتعيدهم عبر محافظتي صعدة والجوف.

وتفيد تقارير بأن الكثيرين يُقتلون عند إعادتهم إلى اليمن في منطقة على طول الحدود. وطلب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي توضيحات من السعودية وسلطات أنصار الله (الحوثيين) بعد المعلومات التي تلقاها.

ويشير المقررون الخاصون لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن المهاجرين تأثروا “بشكل غير متناسب بما يبدو أنه استهداف مباشر من قوات الأمن السعودية، إثر تراجع المواجهات العسكرية النشطة على طول الحدود. وتستخدم قوات الأمن هجمات القناصة على المهاجرين في مجموعات صغيرة أو تقصف المهاجرين في مجموعات أكبر وتطلق النار على المهاجرين الذين تعثر عليهم في أراضيها”. كما تنتشر تقارير غير مؤكدة عن إجبار يمنيين على العودة عبر نفس الطريق ومواجهة الهجمات المسلحة المميتة.

الإثيوبيون يشكلون غالبية المهاجرين. لكن الجميع يبقون عرضة لانتهاكات كبيرة بما في ذلك الاتجار بهم داخل اليمن

وذكرت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان المرموقة أن وتيرة الانتهاكات التي يرتكبها حرس الحدود السعوديون بحق المهاجرين الأفارقة واليمنيين تزايدت بشكل غير مسبوق في 2022. وحددت أن عدد القتلى والجرحى من المهاجرين يصل إلى المئات.

كما اتهمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في رسالتها إلى الحوثيين السلطات اليمنية المحلية بالتعاون مع “شبكات التهريب لتوجيه المهاجرين على طول طريق الهجرة بين محافظتي الجوف وصعدة من خلال الابتزاز والاستغلال الاقتصادي، الذي يبلغ ذروته في الاعتداء الجسدي والجنسي والتعذيب”.

وذكرت أن الحوثيين يحتجزون المهاجرين في “معسكر استقبال”، حيث “يضطرون إلى تمويل رحلتهم إلى الحدود السعودية من خلال العمل الجبري والاستغلال الجنسي وتجارة المخدرات وأشكال أخرى من الاستغلال”. ويعيدون قسرا إلى الجنوب أولئك الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الامتثال، والذين يقدر عددهم بما يصل إلى ألف في الأسبوع.

وترى الخبيرة أنه بينما لا يتم التصدي لركاب القوارب رسميا في اليمن حيث من المفترض أن يتلقى الصوماليون حماية الأمم المتحدة، يتواصل التمييز وسوء المعاملة من العصابات وغيرهم ممن يستفيدون من بؤس المهاجرين ويأسهم، مما يقوّض وضعهم ويجعله أسوأ حتى من وضع الملايين من اليمنيين الذين ما زالوا ينتظرون السلام.

العرب