واشنطن – إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قلقًا بشأن تداعيات الإصلاح القضائي في إسرائيل، مع تقاليدها الطويلة في النقاش المدني والتسوية، فيجب أن يكون أكثر قلقًا بشأن لبنان، حيث قامت منظمة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة (حزب الله) بنزع سيادة القانون.
وفي حديثه إلى المراسلين هذا الأسبوع ناشد بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقديم تنازلات بشأن مقترحاته لإصلاح القضاء، خشية أن تغرق بلاده في حالة من الفوضى.
ومارس بايدن وكبار مستشاريه ضغوطًا متواصلة على حكومة نتنياهو في ما يتعلق بالإصلاح القضائي، على الرغم من أن الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية الإسرائيلية.
وفي غضون ذلك، وصلت الفوضى المستمرة بالفعل إلى لبنان المجاور، حيث تعمل حكومة موالية لحزب الله باستمرار على تخريب سيادة القانون وصلاحيات القضاء.
حزب الله ينخرط في عرقلة مستمرة للنظام القضائي والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت مثال على ذلك
والبلاد بلا قيادة منذ أكتوبر، وغير قادرة على انتخاب رئيس فكان الرد من واشنطن قليل من التقوى حول الديمقراطية، لكنها في الغالب تتجاهل.
وإسرائيل حليف وثيق للولايات المتحدة، في حين أن لبنان صديق رمزي يمتص مليارات من الدولارات من المساعدات الأميركية ولكنه غالبًا ما يستجيب لطهران أكثر من واشنطن.
ويهمين حزب الله، الذي تموله طهران، على النظام السياسي في لبنان، ويدعم أعضاءه وحلفاءه في كل مؤسسة حكومية تقريبًا، كما فعل طوال الأعوام الخمسة عشر الماضية.
وينخرط حزب الله في عرقلة مستمرة للنظام القضائي والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت مثال على ذلك.
وفي أغسطس 2020، هز لبنان انفجار هائل في مرفأ بيروت أين انفجر حوالي 2750 طنًا من نترات الأمونيوم التي تم تخزينها بشكل غير آمن في الميناء لسنوات، مما أدى إلى وفاة أكثر من 200 شخص، بمن في ذلك العديد من المواطنين الأميركيين، وأصيب الآلاف، وأصبح مئات الآلاف بلا مأوى.
وتشير السجلات العامة إلى أن المسؤولين اللبنانيين كانوا على دراية بالمخاطر التي تشكلها المواد الكيميائية في الميناء وفشلوا في التصرف على هذا الأساس.
وفي وقت مبكر من عام 2014، تلقى رئيس مرفأ بيروت إشعارًا بأن نترات الأمونيوم “شديدة الخطورة” و”تتطلب بذل العناية الواجبة والاحتياطات” لتخزينها.
ودعا الشعب اللبناني والحكومة الأميركية والمجتمع الدولي إلى المساءلة والعدالة، لكن حتى الآن لم يتم تقديم أي منهما.
وفي فبراير، حملت محكمة بريطانية المسؤولية على شركة مقرها لندن كانت تسلم المواد الكيميائية، لكن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا يتمتعون بحصانة فعلية.
وبعد أيام من الانفجار، عين مجلس القضاء الأعلى في لبنان القاضي فادي صوان لقيادة التحقيق. ولكن بعد شهور فقط من التحقيق، تم استبعاد صوان من القضية، بناءً على طلب وزيرين سابقين وعلى ما يبدو اتهم صوان بالإهمال الجنائي.
أجبر خليفة صوان طارق بيطار على تعليق تحقيقه أربع مرات بين فبراير وديسمبر 2021 بسبب الطعون القانونية التي أثارها حزب الله وحلفاؤه.
وفي مرحلة ما، تحولت حملة حزب الله لإزاحة بيطار إلى قاتلة حيث اندلعت اشتباكات مسلحة بين الأحزاب المتناحرة في مظاهرة بين حزب الله وحركة أمل في بيروت، مما أسفر عن مقتل ستة.
وحدث التحول الأخير في يناير الماضي عندما أعاد بيطار فتح تحقيقه بشكل غير متوقع ووجه اتهامات إلى عدد من الوزراء السابقين، بما في ذلك المدعي العام اللبناني غسان عويدات.
على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إعادة تركيز جهودها على دولة تحتاج فعلاً إلى المساعدة
وشرع عويدات في توجيه اتهامات مضادة ضد بيطار، وفرض حظر سفر على القاضي، وأمر بالإفراج عن جميع المشتبه بهم المحتجزين على صلة بالقضية بمن في ذلك مواطن أميركي عاد على الفور إلى الولايات المتحدة، متجاوزًا قيود السفر.
وفي غضون ذلك، يواصل المسؤولون الأميركيون حث المسؤولين اللبنانيين على إجراء “تحقيق سريع وشفاف”، على الرغم من المؤشرات الواضحة على أن الأمر الذي يقوده حزب الله لن يسمح بذلك.
وكل هذه المناورات الداخلية لم تسفر عن تغيير يذكر في سياسة الولايات المتحدة. ولا تزال واشنطن ملتزمة بتحقيق الوضع الراهن، وتضع ثقة مضللة في المؤسسات المدنية اللبنانية.
وفي ديسمبر، كتب السيناتور روبرت مينينديز وجيمس ريش رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين يطلبان فيها من الإدارة تنفيذ “سياسة أكثر ميلاً إلى الأمام” ووقف “محاولات حزب الله لتعطيل وظائف الدولة الأساسية”، بما في ذلك “إجراءات التأخير المستمرة التي تستهدف التحقيقات”.
واقترح مينينديز وريش معاقبة “طيف” من القادة السياسيين اللبنانيين جنبًا إلى جنب مع الحلفاء الأوروبيين. ويقول محللون إنه لا جدوى من الانتظار أكثر حتى ينفذ لبنان إصلاحات حاسمة، إذ أن لواشنطن مصلحة راسخة في تحقيق العدالة للضحايا الأميركيين في الانفجار، وفي تحفيز إصلاح النظام السياسي المحطم في لبنان.
ويضيف هؤلاء أن فرض العقوبات بالتنسيق مع الأوروبيين سيساعد على تهميش الفاعلين الفاسدين الذين يمنعون إجراء تحقيق موثوق في انفجار الميناء. ويؤكد المحللون أنه يجب على إدارة بايدن إعادة تركيز جهودها على دولة تحتاج فعلاً إلى المساعدة.
العرب