الخلافات تهدد بتأجيل الانتخابات البلدية في لبنان

الخلافات تهدد بتأجيل الانتخابات البلدية في لبنان

في ظل فراغ رئاسي وانقسامات وتوتّرات سياسية وانهيار مالي، يرجح مراقبون تأجيل الانتخابات البلدية المقررة في مايو القادم للمرة الثانية على التوالي إلى موعد لاحق، وهو ما يدخل لبنان في أزمة دستورية جديدة.

بيروت – تشكك مصادر لبنانية في إمكانية إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر في مايو القادم، وسط خلافات سياسية وأزمة مالية حادة.

وأعلن وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي الإثنين أن وزارته جاهزة لتنظيم الانتخابات البلدية في مايو وطالب بتأمين الاعتمادات المالية اللازمة لإجرائها.

وقال مولوي خلال مؤتمر صحفي في بيروت “نحن ملزمون بدعوة الهيئات الناخبة، سنصدر التعاميم اللازمة بخصوص الترشيح ونكرر طلبنا بتأمين الاعتمادات (المالية) اللازمة لخوض الانتخاب”.

وحدد الوزير اللبناني مواعيد الانتخابات بعموم البلاد بداية من 7 مايو المقبل حتى 28 من الشهر نفسه.

ودعا مولوي إلى ضرورة “الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها نظرا لأهميتها”، مضيفا “نحن على جاهزية إدارية والقوائم الانتخابية حاضرة”.

ورغم تأكيد مولوي عزمه على دعوة الهيئات الناخبة فإنّ معوقات لوجستية وسياسية كثيرة تجعل هذا الاستحقاق عرضة للتأجيل مرة ثانية.

ويقول مراقبون إن مصير الانتخابات البلدية على المحك وإجراؤها أو عدمه معلقان على حافة قرار الاتحاد الأوروبي تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لإنجاز الاستحقاق أو إجازة مجلس النواب للحكومة فتح اعتمادات إضافية.

وتزيد كلفة إجراء الانتخابات على 9 ملايين دولار، وهو رقم يتجاوز قدرة الحكومة على تأمينه إلا في حال الاستعانة بالمجتمع الدولي وهيئاته الدولية.

وباتت التوافقات السياسية تتحكم بمواعيد الاستحقاقات في لبنان، متجاوزة النصوص الدستورية والقانونية التي هي عادة المرجع النهائي، إذ يستحيل إجراء أي استحقاق انتخابي في موعده من دون شبه إجماع بين القوى السياسية المؤثرة، وهذا ما تشهده البلاد حالياً في استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتوقع انسحابه أيضاً من الانتخابات البلدية.

وقد وتّر ملف الانتخابات البلدية والاختيارية العلاقات داخل جلسة اللجان النيابية المشتركة في مجلس النواب مؤخرا، في ظل الخلاف الحاد بين مختلف الكتل النيابية حول إمكانية تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لإنجاز الاستحقاق البلدي.

ويواجه هذا الاستحقاق إمكانية التأجيل مرة ثانية بحجة المعوقات التقنية واللوجستية، وسط رفض عدد من الكتل النيابية عقد جلسة للبرلمان اللبناني لغير انتخاب رئيس للجمهورية.

ويقول وزير الداخلية السابق مروان شربل إن “مجلس النواب حكمًا مجبر على الاجتماع إما من أجل إقرار الاعتماد لإجراء الانتخابات أو لتأجيلها إذا لم تكن هناك انتخابات بلدية”.

ورأى أنه “لو أن هناك نية لإجراء الانتخابات لما وصلنا إلى الاختلافات التي رأيناها، لا يوجد تضامن لإجراء الانتخابات”، مشيرًا إلى أنه “خلال السبعينات بقرار من وزير الداخلية مدد العمل في البلديات والمخاتير وبعد سنتين صدر قانون مع مفعول رجعي، اعتبروا أن عمل السنتين قانوني، وهذا خطأ كبير ولكنه حصل لأننا كنا على مشارف حرب في لبنان وعلى مشارف مشاكل أمنية كبيرة وليس مثل الآن، وأي قرار يصدر عن وزير الداخلية أو الحكومة يطعن به”. وشدد شربل على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية والبحث عن مصادر تمويل.

وكان ينبغي للانتخابات البلدية أن تحصل في مايو العام الماضي وتأجلت إلى مايو المقبل بسبب عدم الجاهزية. وآخر انتخابات بلدية في لبنان جرت في الثامن من مايو 2016 لولاية من ست سنوات.

وقال الخبير القانوني علي مراد إن الانتخابات البلدية في لبنان تجرى كل 6 سنوات، وكان من المفترض أن تجرى في مايو 2022، ولأن هذا التاريخ تزامن مع الانتخابات النيابية أخذ القرار بتأجيلها لمدة عام لأسباب تقنية ولتزامنها مع الانتخابات النيابية، وكان الحديث عن العمل على قانون للانتخابات البلدية وهذه حجة دائمًا يعتمدونها”.

وأشار مراد إلى أنه “من المفروض قانونًا أن تجرى الانتخابات البلدية في مايو المقبل، ودعوة الهيئات الناخبة ستحصل بقرار من وزير الداخلية وليست بحاجة إلى مرسوم”، لافتًا إلى أن “التحدي الكبير اليوم هو التمديد للمجالس البلدية بقانون، والتمديد بقانون واضح في اجتهاد المجلس الدستوري في العام 1997 واجتهاد العام 2018 أن تمديد ولاية المجالس المنتخبة هو أمر مخالف للدستور لأنه يتعارض مع مبدأين أساسيين ذوي قيمة دستورية وهما مبدأ دورية الاقتراع وحق الانتخاب”.

ولفت مراد إلى أن “التحدي اليوم في حال تم إقرار القانون وطعن أمام المجلس الدستوري قد يبطل هذا الأمر ونذهب إلى انتخابات، وفي حال لم يتم إقرار قانون وهنا الخطورة بحسب قانون البلديات لا تستمر المجالس البلدية في عملها وتعتبر البلديات بمثابة المنحلة وتذهب الصلاحيات للقائم مقام وهذا الأمر كارثة، والكارثة الأكبر في موضوع المخاتير لأن المخاتير لا تذهب صلاحياتهم إلى أحد”.

ورأى أن “موضوع تأمين الأموال ليس أمرا أساسيا، هو حجة لعدم احترام الاستحقاق، واضح أن لا أحد من القوى السياسية يناسبه إجراء الانتخابات البلدية، خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في البلد، وهناك إشكالية ثانية وهي عدم رغبة جماعة السلطة في الترشح للانتخابات البلدية لأن البلديات قبل الأزمة كانت ميزانيتها محدودة فكيف اليوم عمليًا، وأتوقع عزوفا عن الترشح”.

وذكر مراد أن “ملف البلديات هو تعبير عن أزمة النظام، وأتوقع أن العمل سينصب على تأجيل الانتخابات ولكن في ظل صراعاتهم وخلافاتهم لا أحد يريد أن يتحمل طرح التأجيل، وما سيقوم به وزير الداخلية هو أنه سيصدر أول قرار للدعوة إلى الانتخابات ولكن هذا لا يعني أن الانتخابات ستحصل، لا بل إصدار القرار من وزير الداخلية في أوائل أبريل الجاري يعني أنهم سيبدأون بالتفاوض بين بعضهم البعض لإيجاد مخرج”، محذرًا من الوصول إلى سيناريو بلديات منحلة.

العرب