تثير لامبالاة الإيرانيين بالهجمات الإسرائيلية على أهداف عسكرية إيرانية في سوريا الاستغراب، إلا أن محللين يربطون ذلك بتراجع شعبية الحرس الثوري الإيراني والرفض الشعبي للسياسات الخارجية لطهران.
لندن – تعكس ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الإعلامية من إيران أن جل الجمهور الإيراني لم يهتمّ منذ 2011 بمهاجمة القوات الجوية الإسرائيلية المتكررة مواقع تابعة لبلادهم في سوريا. وما يثير الدهشة أكثر هو قلة الذين يهتمون بتسبب هذه الهجمات في مقتل عدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني.
وحددت تقارير عديدة أن إسرائيل هاجمت منشآت عسكرية داخل إيران نفسها، وكانت من أحدث ذلك ضربة استهدفت موقعا في مدينة أصفهان في يناير 2023. ولم تلق أي رد فعل من الجمهور الإيراني. ويرى بعض المراقبين، مثل المراسل الكبير في “بي بي سي فارسي” كسرى ناجي، أن بعض الإيرانيين كانوا سعداء لأن إسرائيل هاجمت الموقع العسكري في أصفهان.
ويعتبر الإيرانيون وطنيين. وقاتلوا لمدة ثماني سنوات، من 1980 إلى 1988، ضد الجيش العراقي. وتضرر مئات الآلاف منهم جسديا ونفسيا من هذا الصراع. وطالما أظهر التاريخ حساسيتهم تجاه الدول الأجنبية التي تتحدى سيادة بلادهم أو تهاجم جنودها.
فلماذا لا يهتم أحد في إيران بهجمات إسرائيل وحتى قتلها (وفقا لبعض التقارير) لأعضاء إيرانيين في الحرس الثوري الإيراني في سوريا؟ لماذا لم تندلع مظاهرات شعبية ضد الهجمات التي تنسبها الصحافة الدولية إلى إسرائيل في إيران؟
يرجع الخبير في الشؤون الإيرانية مئير جافيدانفر اللامبالاة الإيرانية إلى أن أغلب الإيرانيين يعارضون سياسة النظام الخارجية، وخاصة تلك المعادية لإسرائيل، حيث لم يستفد الشعب الإيراني من دعم سلطاته للجماعات المعادية لتل أبيب في المنطقة مثل حماس وحزب الله.
وبحسب مقال لجافيدانفر، نشره معهد الشرق الأوسط، تعزز النفور من مواقف الحكومة تجاه إسرائيل خلال انتفاضات الشعب ضد النظام الذي سانده وكلاؤه مثل حزب الله ضد الإيرانيين العاديين.
ويتلقى هؤلاء الوكلاء من طهران مئات الملايين من الدولارات سنويا، وهي موارد يحتاجها الشعب الإيراني لمواجهة مشاكله الداخلية، مثل الفقر والجفاف والبطالة.
ويدرك نظام خامنئي عدم شعبية سياساته المعادية لإسرائيل. وكان “لا غزة ولا لبنان، حياتي من أجل إيران” أحد الهتافات الرئيسية التي اشتهرت خلال انتفاضة الحركة الخضراء في 2009 ضد دعم النظام للجماعات المعادية لإسرائيل.
ولفتت تلك الشعارات انتباه القيادة الإيرانية، بمن في ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي الذي أدان مباشرة في خطاب ألقاه في يناير 2020 الذين يرددون شعار “لا غزة ولا لبنان، حياتي من أجل إيران”.
ومن مؤشرات وعي النظام بعدم شعبية سياساته المعادية لإسرائيل خضوع هذا الموضوع في الغالب للرقابة في الصحافة الإيرانية وأثناء الانتخابات، حيث من الصعب العثور على مقالات أو تصريحات في الصحافة الإيرانية تناقش مزايا سياسات النظام المعادية لإسرائيل وعيوبها، ودعم الجماعات المعادية لتل أبيب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويتناقض هذا مباشرة مع علاقة إيران بالولايات المتحدة التي تُناقش على نطاق واسع في الأوساط الصحفية والأكاديمية الإيرانية.
أما السبب الثاني بحسب جافيدانفر فيتمثل في تراجع شعبية الحرس الثوري الإيراني باستمرار منذ انتفاضة 2009 وتنامي نفور الإيرانيين منه بسبب تعاظم دوره في الاقتصاد وتعدد التقارير التي تؤكّد تورطه في الفساد المستشري في البلاد.
وبلغ عدم الشعبية الذي يعاني منه الحرس الثوري الإيراني ذروته بعد أن أسقط طائرة تديرها الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية إثر انقضاء وقت قصير على إقلاعها من مطار الإمام الخميني الدولي في طهران يوم 8 يناير 2020.
ووقع الحادث بعد مرور أيام على اغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد. وأخفى الحرس الثوري الإيراني لمدة ثلاثة أيام سبب تحطم الطائرة الذي أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176 شخصا. ويمكن أن يُعتمد هذا في تفسير عدم التعاطف مع ضحايا الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
أما السبب الثالث بحسب الخبير في الشؤون الإيرانية فيتمثل في أن الإيرانيين ينظرون إلى مجمع النظام الصناعي الدفاعي وبرنامجه النووي على أنهما من الصناعات غير المتسمة بالشفافية الواقعة في أيادي المنظمات الفاسدة مثل الحرس الثوري الإيراني.
ولا يُسمح للجمهور الإيراني بالتعبير عن آرائه في المناقشات المتعلقة بتمويل هذه الصناعة أو شفافيتها. وليس له كذلك رأي في تصدير الأسلحة الإيرانية لدعم الأنظمة غير الديمقراطية مثل نظام بشار الأسد في سوريا أو فلاديمير بوتين في روسيا.
◙ شكوك في حملة النظام الإيراني الأخيرة القمعية ضد المتظاهرين والتي ربما تضمنت تسميم مئات الفتيات في المدارس انتقاما لحركة الاحتجاج “المرأة والحياة والحرية”
ولم يعترف النظام حتى الآن بعدم تعاطف الشعب الإيراني مع الهجمات الإسرائيلية المزعومة داخل إيران وخارجها. كما أنه لم يفعل الكثير لتصحيح الوضع.
ومن التفسيرات المحتملة لذلك تخوّفه من أنه قد يبدو ضعيفا أمام شعبه لو قرر تغيير سياساته النووية أو الإقليمية في الشرق الأوسط، مما قد يشجع المطالبة بالمزيد من التغييرات في السياسات الأخرى التي لا تحظى بشعبية في الداخل والخارج. وقد خفي برود الجمهور الإيراني على الكثير من المنافذ الصحفية الإسرائيلية لكن صانعي القرار في البلاد ربما لاحظوه.
وينظر أغلب القادة الإسرائيليين إلى الشعب الإيراني على أنه صديق لبلادهم وحليف مشترك لهم ضد النظام الإيراني. ويأخذون رأي المواطن الإيراني على محمل الجد، ومن المرجح أن يعتبروا صمته علامة على أن الهجمات المبلغ عنها ضد منشآت النظام وقواته في سوريا مقبولة على مستوى الشعب.
وينتشر بين الجمهور الإيراني شك عميق في أن حملة النظام الأخيرة القمعية ضد المتظاهرين المناهضين للنظام ربما تضمنت تسميم مئات الفتيات في المدارس في جميع أنحاء البلاد انتقاما لحركة الاحتجاج “المرأة والحياة والحرية” التي اندلعت شرارتها في سبتمبر 2022.
وكانت هذه ممارسة لم تعتمدها حتى قوات صدام حسين. وهذا ما يبرّر أن معظم الإيرانيين يرون في النظام أكبر أعدائهم وفي إسرائيل أكبر عدو لمضطهدهم. ويقول المثل إن “عدو عدوي صديقي”.
العرب