طهران – عقد وزيرا خارجية السعودية وإيران الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وحسين أمير عبداللهيان لقاء نادرا في بكين الخميس، استكمالا لاتفاق دبلوماسي مفاجئ توسّطت فيه الصين الشهر الماضي، من أجل تمهيد الطريق لتطبيع العلاقات بعد سنوات من التوترات.
وصدر في ختام مباحثات الوزيرين بيان مشترك أكد أن اللقاء جاء تطبيقا لما تم الاتفاق عليه بين وفدي إيران والسعودية في بكين في العاشر من مارس الماضي لاستئناف العلاقات الثنائية بعد سنوات من القطيعة.
وأضاف البيان أن اللقاء جاء “في إطار التنسيق بين البلدين حيال الخطوات اللازمة لاستئناف العمل الدبلوماسي والقنصلي بينهما”، مشيرا إلى أن الجانبين اتفقا خلال المباحثات على “أهمية متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، بما يعزز الثقة المتبادلة ويوسع نطاق التعاون، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة”.
كما أكد الجانبان “حرصهما على بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، الموقعة في 2001/4/17، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 1998/5/27”.
إلى ذلك، أورد البيان أن عبداللهيان والأمير فيصل بن فرحان اتفقا على إعادة فتح الممثليات خلال المدة المتفق عليها، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد ومواصلة التنسيق بين الوفود الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما فی ذلك تأشیرة العمرة.
كما عبر الوزيران عن تطلعهما إلى تكثيف اللقاءات التشاورية وبحث سبل التعاون لتحقيق المزيد من الآفاق الإيجابية للعلاقات بالنظر لما يمتلكه البلدان من موارد طبيعية، ومقومات اقتصادية، وفرص كبيرة لتحقيق المنفعة المشتركة للشعبين. وأكدا استعدادهما لبذل كل ما يمكن لتذليل أي عقبات تواجه تعزيز التعاون بينهما.
إلى ذلك، اتفق الجانبان على “تعزيز تعاونهما في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وبما يخدم مصالح شعوبها ودولها”.
وتبادل وزيرا خارجيتي السعودية وإيران دعوة بعضهما البعض لإجراء زيارة ثنائية إلى البلدين مع ترحيب الوزيرين بتلبية الدعوة، وفقا لما جاء في البيان.
وفي وقت سابق الخميس، بثّت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) صورا ولقطات فيديو تُظهر الوزيرين الإيراني حسين أمير عبداللهيان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود يتصافحان أمام عدسات الكاميرات.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية لاحقا أنه خلال اللقاء “تفاوض (وزيرا الخارجية) وتبادلا الآراء مع التركيز على الاستئناف الرسمي للعلاقات الثنائية والخطوات التنفيذية لإعادة فتح سفارات وقنصليات البلدين”.
وأفادت القناة السعودية بأن وزير الخارجية السعودي عقد ونظيره الصيني تشين جانغ لقاء ثنائياً، بعد اختتام الاجتماع الموسع بين الوفدين السعودي والإيراني.
وكانت طهران والرياض أعلنتا في 10 مارس عن اتفاق بوساطة الصين لاستئناف العلاقات بعد سبع سنوات من القطيعة إثر مهاجمة البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران على خلفية إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر.
وغادر عبداللهيان طهران الأربعاء متوجّها إلى بكين للاجتماع مع نظيره السعودي بعد سلسلة من المحادثات الهاتفية بينهما في مارس.
وسيساعد الاجتماع الذي يعد الأول منذ قطع العلاقات قبل سبع سنوات، على تمهيد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
وأكّد النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر الاثنين أن اللقاء ستتبعه زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للرياض بعد تلقيه دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي دعوة لم تؤكدها السعودية حتى الآن.
وقد أشادت دول في المنطقة وخارجها باتفاق إيران والسعودية باعتباره خطوة إيجابية نحو الاستقرار قد يمهّد الطريق لمزيد من التقارب الدبلوماسي الإقليمي.
ترتيبات إعادة فتح السفارتين واستئناف الرحلات الجوية وتسهيل التأشيرات
وقد تعاطت الولايات المتحدة بحذر شديد في التعليق على الاتفاق، لكنّ مراقبين يرون أن الاتفاق الذي جرى من شأنه أن يزيد من هواجس واشنطن حيال تنامي دور الصين في منطقة تعد من مناطق نفوذها التقليدية.
وقال مسؤول إيراني “ولّى عصر تدخل الولايات المتحدة في المنطقة… الدول الإقليمية قادرة على الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط دون تدخل واشنطن”.
وأضاف المسؤول أن الاجتماع المنتظر بين وزيري خارجية إيران والسعودية “ستتم مناقشة الخطوات التالية في اجتماع بكين مثل إعادة فتح السفارتين وتعيين السفيرين”.
وتحرص الصين على إنجاح الاتفاق، لتفتح بذلك المجال لأن تكون لاعبا رئيسيا في المنطقة، فضلا عن أن الاتفاق من شأنه أن يقود لاستقرار هي في أمسّ الحاجة إليه سواء تعلق الأمر بمبادلاتها التجارية، وأيضا بإمدادات الطاقة التي تصلها.
وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ شدد خلال اتصال هاتفي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي أن البلدين سيدعمان بعضهما البعض بقوة في القضايا المتعلقة بجوهر مصالح كل منهما.
وقال شي إن الصين والسعودية ستقدمان المزيد من الإسهامات لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط.
من جهته أعرب ولي العهد السعودي عن تقدير المملكة للمبادرة الصينية لتطوير علاقات حسن الجوار بين السعودية وإيران.
وانخرطت إيران والسعودية وهما خصمان إقليميان في نزاعات إقليمية بالوكالة مثل الحرب في اليمن.
ورحّبت إيران الأربعاء بالدعوة التي أطلقتها الولايات المتحدة الثلاثاء إلى المساعدة في إنهاء النزاع في اليمن عبر دعم عملية السلام. واعتبرت طهران أن تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ الثلاثاء “مُرضية”.
وكان ليندركينغ قال إن واشنطن تودّ “رؤية الإيرانيين يظهرون دعمهم للعملية السياسية التي تأمل أن تأتي”.
وعقدت الدولتان عددا من جولات الحوار في بغداد وسلطنة عُمان قبل أن تتوصلا إلى اتفاق في بكين، تم التفاوض حوله على مدى خمسة أيام بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي مسعد بن محمد العيبان.
وقال شمخاني بعد إبرام الاتفاق إنّ “إزالة سوء التفاهم والتطلع إلى مستقبل العلاقات بين طهران والرياض سيؤدّي بالتأكيد إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين”. وأضاف أن الاتفاق يمكن أن “يزيد من التعاون بين دول الخليج (…) والعالم الإسلامي لإدارة التحديات القائمة”.
وفي هذا السياق، عيّنت إيران الأربعاء رضا العامري سفيرا لها لدى الإمارات، بعد قرابة ثماني سنوات على وجود آخر سفير لها في أبوظبي. كما رحّبت طهران بإمكانية التقارب مع جارتها البحرين بعد الإعلان عن الاتفاق مع السعودية.
ويرى نائب مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون التشريعية في الولايات المتحدة جويل روبين، أنه “بما أن الصين داعم قوي لإيران، يجب أن يكون لدى السعودية ثقة أكبر في قدرة إيران على الامتثال للاتفاق، وهي قضية كانت دائمًا موضع شك “.
العرب