تونس – حمل اللقاء الذي جمع رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة بالسفير التركي في تونس كاجلار فهري شاكيرالب، والتّحمّس لتبادل الزيارات واللقاءات بين االبرلمانيْن التونسي والتركي، إشارة واضحة إلى أن أنقرة قد قلبت صفحة رئيس البرلمان المنحل ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المحسوب عليها.
يأتي هذا فيما يقول مراقبون إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي عُرف بأنه يتحرك وفق مصالح بلاده، لن يجد أي ضير في التخلي عن علاقته بالغنوشي وحركة النهضة ضمن الاستدارة التركية إقليميا من خلال المصالحة مع السعودية والإمارات ومصر بحثا عن مصالح أنقرة.
وقال موقع رئاسة البرلمان التونسي إن السفير التركي بتونس عبّر خلال لقائه ببودربالة عن ارتياحه للعلاقات الممتازة القائمة بين تونس وتركيا والعمل المتواصل على مزيد دعمها وتطويرها في مختلف المجالات ولاسيما في المجال البرلماني من خلال تكثيف تبادل التجارب والخبرات وتوفير فرص اللقاء بين البرلمانيين من البلدين. كما سلمه رسالة خطية من رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب.
ويرى المراقبون أن اللقاء وجه رسالتين متزامنتين إلى الغنوشي الذي مازال يتحدث عن “شرعية” البرلمان المنحل؛ الأولى من بودربالة ومفادها أن آخر حلفاء الغنوشي (الأتراك) قد تخلوا عنه، وأن عليه القبول بالأمر الواقع، أما الرسالة الثانية فمن السفير التركي ومفادها أن الغنوشي لم يكن سوى ورقة سعت أنقرة لاستثمارها بهدف ضمان مصالحها في تونس ليس أكثر، وأن تركيا -إثر انتهاء دور رئيس حركة النهضة في السلطة- ستعمل على توطيد علاقاتها مع السلطة الجديدة.
وعبر عن هذا التوجه السفير التركي حين أكد، أثناء لقائه رئيس البرلمان التونسي، استعداد بلاده لمواصلة الاستثمار في تونس ودعم مجالات التبادل التجاري، مشيرا إلى حرص تركيا على تنويع وارداتها من السلع التونسية وزيادة حجمها، فضلا عن تشجيع المستثمرين الأتراك وحثّهم على المزيد من بعث المشاريع في تونس.
وسبق أن عبر أردوغان وكذلك رئيس البرلمان التركي عن معارضتهما حل البرلمان التونسي السابق، وهو ما رد عليه الرئيس التونسي قيس سعيد بالقول “تونس ليست إيالة، ولا ننتظر فرمانا من أي جهة كانت، سيادتنا وكرامتنا قبل أي اعتبار”.
لكن موقف السفير في تونس يتضمن مؤشرا واضحا على تبدل الموقف التركي باتجاه الاعتراف بالبرلمان التونسي الجديد والتخلي عن الغنوشي وحزبه، كما سبق أن قدمت أنقرة مصالحها على جماعات الإسلام السياسي الأخرى في التفاوض مع مصر أو في تمتين العلاقة مع إسرائيل.
ويشار إلى أن الخط التحريري لوكالة الأنباء الرسمية الأناضول لا يزال “معارضا” للرئيس سعيد من خلال الإسهاب في نقل وجهات نظر حركة النهضة خصوصا والمعارضة عموما، وبطريقة تميل إلى المعارضة على حساب الموقف الرسمي. إلا أن اللقاء مع رئيس البرلمان قد يمهد لتحول في هذا الموقف.
وجاء لقاء بودربالة مع شاكيرالب في خضم تحركات إقليمية تهدف إلى دعم تونس ومساعدتها على الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها. ومن الواضح أن تركيا لم ترد أن تكون على هامش تلك التحركات، وأن اللقاء رسالة أيضا إلى السلطة السياسية تفيد باستعداد أنقرة لتغيير موقفها كمدخل للحفاظ على مصالحها في تونس وتدعيمها.
لقاء السفير التركي مع رئيس البرلمان التونسي يؤشّر على تبدل موقف أنقرة باتجاه التخلي عن الغنوشي
ولا شك أن تغير الموقف التركي بالابتعاد عن الغنوشي والاقتراب من قيس سعيد سيزيد عزلة رئيس حركة النهضة الذي اعتقد أن الخطابات التي كان يوجهها إلى الخارج، بما في ذلك تركيا، ستقود إلى الضغط على قيس سعيد وتدفعه إلى التراجع، لكن ما حصل هو أن موقف الرئيس التونسي ازداد صلابة وحسما تجاه التدخلات الخارجية، وهو ما ضاعف شعبيته.
وما جرى مع الغنوشي من استدارة تركية ليس الأول، فقد سبق أن تخلى أردوغان عن حركة حماس الإخوانية حين راهن على تدعيم علاقته بإسرائيل.
ويعتقد المراقبون أن أردوغان لم يعد في حاجة إلى الشعارات التي تغازل الفلسطينيين، كما لم يعد في حاجة إلى بيانات حركة حماس التي تشيد بمواقفه، فذلك صار من الماضي وفي مرحلة حققت أغراضها بلفت أنظار الإسرائيليين. والآن يحاول الرئيس التركي استرضاء تل أبيب بهدف تطبيع العلاقات معها؛ إذ خلت خطبه في الفترة الأخيرة من الهجمات الكلامية التي كان يستخدمها بكثافة.
وقوبلت زيارة رئيس حركة النهضة إلى تركيا في يناير 2020 بغضب شعبي واسع بسبب اتهامه بتبديد أموال الدولة وتسريب أسرار تونس إلى دولة خارجية؛ لأنه آنذاك كان رئيسا للبرلمان ويحضر جلسات رسمية على مستوى عال ويتمكن من الاطلاع على تقارير مهمة، ما دفعه إلى اعتبار تلك الزيارة شخصية وأنها تمّت بصفته الحزبية وعلى نفقته الخاصة.
وسبق للغنوشي أن سعى إلى توظيف موقعه على رأس البرلمان المنحل في محاولة تمرير اتفاقية مع تركيا تتمثل في تشجيع الاستثمار وحمايته بشكل متبادل بين الجمهورية التونسية وجمهورية تركيا، وهي المبادرة التي قوبلت برفض واسع من النواب والسياسيين والنشطاء في تونس.
العرب