كان الاقتصاد التركي مترنحا قبل الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شهر فبراير، لكن الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي في البلاد، وهو واحد من أهم قطاعاتها، قد تدفع تركيا إلى حافة الهاوية.
ومع اقتراب موسم الزراعة بسرعة، يحتاج المزارعون في منطقة الزلزال إلى مساعدات فورية لتجنب نقص الغذاء في جميع أنحاء البلاد.
وقد ظهرت بالفعل عواقب الكارثة المرتبطة بالغذاء، ففي غضون أسبوع من الزلزال ارتفعت أسعار لحوم البقر بعد تدمير المسالخ في المنطقة، كما تأثّرت الإمدادات، حيث تحتوي المحافظات التي تضررت من الزلزال بشدة على 12 في المئة من قطاع الماشية في تركيا، وارتفع سعر الكيلوغرام من اللحم بنحو 40 في المئة منذ شهر يناير ليصل إلى 180 ليرة أي (حوالي 9.50 دولار).
فشل الحكومة التركية في توفير احتياجات المزارعين وتلبيتها سيؤدي إلى ظهور قضية أمن غذائي طويلة الأمد
كما أن أسعار السلع الغذائية الأخرى تتزايد باطراد، فقد زاد سعر سلة واحدة من المواد الغذائية بنسبة 7 في المئة في شهر فبراير، مع ارتفاع أسعار الخضروات بنسبة 24 في المئة والفواكه بنسبة 10 في المئة، ولا بد أن يستمر تضخم المواد الغذائية، خاصة إذا لم ينتعش إنتاج الغذاء في المناطق المتضررة من الزلزال بسرعة.
ولا يعد التضخم مشكلة جديدة في تركيا، حيث أفاد معهد الإحصاء التركي أن معدل التضخم السنوي في تركيا لشهر يناير 2023 بلغ 57 في المئة، في حين أن معهد الأبحاث المستقل “أي إن أي جي” يُقدره بنسبة 121 في المئة، وكان القادة الترك يتوقعون انخفاض التضخم قبل الانتخابات المتوقع إجراؤها في شهر مايو القادم، لكن يبدو ذلك مستبعدا الآن، وسيزيد ما يقدر بنحو 25 مليار دولار من خسائر الإنتاج المرتبطة بالزلازل من الضغوط التضخمية، وخاصة أسعار المواد الغذائية.
وتلعب المقاطعات الـ10 التي ضربها الزلزال دورا مهما في توفير الطعام لسكان البلاد، وتمثل تلك المدن مجتمعة 15.5 في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي في تركيا، حيث تبلغ قيمة الإنتاج أكثر من 85 مليار ليرة وحوالي 20 في المئة من ذلك عبارة عن خضروات. ويوجد أكثر من 13 في المئة من المزارعين المسجلين في تركيا في تلك المنطقة، ويعيش معظمهم في قرى دمرت بالكامل ولا تزال محاصرة ولا تصلها المساعدات.
وتم تعويض بعض المزارعين عن خسائرهم، حيث دفع مجمع التأمين الزراعي التركي (ترسيم) 11 مليون ليرة تعويضا عن مطالبات التأمين منذ وقوع الكارثة، لكن حوالي 20 في المئة فقط من المزارعين في تركيا تحت غطاء التأمين، والعديد من مزارعي الخضروات ليسوا تحت ذلك الغطاء، مما ترك الجزء الأكبر من منتجي الأغذية في البلاد يعتمدون على المنح الحكومية الصغيرة للإنتاج.
ويجب أن تزرع حقول تركيا قريبا بالدخن والأرز وفول الصويا وعباد الشمس. وللحاق بالموسم، ولمساعدة البلاد على تجنب نقص الغذاء، يحتاج المزارعون إلى الدعم من خلال تأمين البذور والأسمدة ووقود الديزل. وقالت وزارة الزراعة والغابات إنها ستقدم مبالغ بقيمة 2.8 مليار ليرة للمزارعين المسجلين المنكوبين بالزلزال.
ومع ذلك، حتى لو تم الوفاء بتلك الوعود، فإن قضية العمال ستظل غير واضحة، فكيف سيتم إقناع أولئك الذين فقدوا منازلهم وعائلاتهم وأصدقاءهم بالعودة إلى العمل وحراثة الأرض؟ وإذا لم يكونوا هم من سيقومون بذلك.. فمن إذن؟
وقد يكون نقص العمالة أكبر عقبة يجب التغلب عليها بالنسبة إلى القطاع الزراعي في تركيا، ولا يزال نحو 100 ألف طن من الليمون في مقاطعة “هاتاي” على الأشجار دون أن يقتطعها أحد، وهي المقاطعة التي صدرت ما قيمته 186 مليون دولار من الحمضيات في عام 2022، وهناك 300 ألف طن أخرى عالقة في المستودعات في انتظار توزيعها.
والزراعة هي قطاع تحت رحمة الزمن، وموسم قطف الفاكهة وزراعة الخضروات يكاد ينقضي، وتحتاج الحكومة إلى خطة عمل على الفور.
ولسوء الحظ، لا يبدو أن الحكومة التركية على مستوى الحدث، حيث تكافح الحكومة من أجل الخروج من نفق الزلزال، ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ما يصل إلى 210 مليون طن من الأنقاض التي كانت نتيجة لانهيار الآلاف من المباني بسبب الزلازل، وهي كمية لا مثيل لها من النفايات لكارثة واحدة، وبالمقارنة أنتج زلزال عام 1999 في مدينة “مرمرة” بتركيا 13 مليون طن من الأنقاض.
ومن الواضح أن مجرد إزالة الأنقاض هي قضية مثيرة للجدل وذلك بالنسبة إلى قادة البلاد، حيث استنكر الأتراك الصور التي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تظهر الأنقاض وهي تلقى في البحيرات والأنهار وعلى طول الساحل، ورميها في تلك الأماكن قد يسبب أضرارا بيئية لا علاج لها. وتظهر إحدى الصور التي تمت مشاركتها على نطاق واسع أكواما من النفايات تتراكم على ساحل البحر في “هاتاي” وهي موطن السلاحف وأكثر من 300 نوع مختلف من الطيور، ويظهر مقطع فيديو من قرية في غازي عنتاب أنقاضا يتم إلقاؤها في برك يستخدمها المزارعون لماشيتهم.
وتواجه تركيا رحلة إعادة بناء ضخمة، وفي تقرير حديث قدر البنك الدولي الأضرار المادية المباشرة الناجمة عن الزلازل بنحو 34.2 مليار دولار، أي حوالي 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا لعام 2021، ويمكن أن تكون تكاليف إعادة البناء ضعف هذا المبلغ أو أكثر، وقالت ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا لويزا فينتون إن الأضرار بلغت أكثر من 100 مليار دولار.
وفي حين أنه لم يكن من الممكن فعل الكثير لحماية قطاع الزراعة في تركيا من الزلازل، فإن كيفية استجابة الحكومة لهذه الأزمة سيقطع شوطا طويلا لحماية القطاع من الكوارث المستقبلية. وإن الفشل في توفير احتياجات المزارعين وتلبيتها سيؤدي إلى ظهور قضية أمن غذائي طويلة الأمد.
ولا يزال بإمكان تركيا تجنب أزمة أخرى، ولكن للقيام بذلك يجب وضع خطة لبنية تحتية اقتصادية ريفية طويلة المدى ومستدامة للحفاظ على عمل المزارعين، وتوفير الطعام لسكان البلاد.
العرب