تقود بغداد جهودا لاحتواء التوتر المستجد بين الاتحاد الوطني الكردستاني وتركيا، بطلب من طهران التي تعي جيدا حساسية الجانب التركي من الأكراد، وهي لا تريد أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة بين السليمانية وأنقرة.
بغداد – تزامنت زيارة نائب رئيس حكومة إقليم كردستان والقيادي في الاتحاد الوطني قباد طالباني إلى بغداد مع زيارة يؤديها نائب رئيس جهاز المخابرات التركي موتلو توكا إلى العاصمة العراقية حيث التقى بعدد من المسؤولين.
وترى أوساط سياسية عراقية أن زيارة طالباني إلى بغداد لم تكن بصفته كنائب لرئيس حكومة الإقليم، باعتباره يقاطع وفريقه الوزاري العمل الحكومي منذ أشهر على خلفية صراعات بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنما من منطلق حزبي، في علاقة أساسا بالتصعيد التركي الأخير.
وتوضح الأوساط أن بغداد ومن خلفها طهران تعملان على إنهاء مفاعيل التوتر المستجد بين الاتحاد الوطني وتركيا، والذي كانت آخر تمظهراته قصف تركي استهدف مطار السليمانية الدولي، ضمن إقليم كردستان العراق، خلال وجود قائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي.
إيران تسعى لاحتواء الموقف بين تركيا والاتحاد الوطني، حيث أنها لا تريد أن تنفلت الأمور وتصل حد خنق السليمانية
وكشفت مصادر عراقية عن لقاء جرى بين طالباني وتوكا الثلاثاء، لكن لم يصدر بيان رسمي يؤكد اللقاء.
وتثير العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية غضب أنقرة، التي تعتبر قسد امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض ضده حرب استنزاف في الداخل التركي وعلى الأراضي العراقية.
وشهدت العلاقة بين قسد والاتحاد الوطني الذي يتزعمه بافل جلال طالباني نقطة تحول منذ زيارة الأخير إلى الحسكة، في ديسمبر الماضي ولقائه بعبدي إلى جانب قائد التحالف الدولي، ومنذ ذلك الحين سجل تعاون عملياتي لافت وبدا وفق البعض استعراضيا بين الجانبين.
وتقول الأوساط العراقية إن الاتحاد الوطني تعمد أن تتخذ العلاقة بينه وقيادة قسد طابعا استعراضيا فكان أن منح طائرتي هليكوبتر مؤخرا أقلتا عددا من قياديي قسد للسليمانية ليأتي الرد سريعا بإسقاط إحداها.
وتشير الأوساط إلى أن طالباني أوغل في استفزاز تركيا، من خلال فتح السليمانية أمام قيادات قسد، ليأتي الرد الثاني قبل أيام عبر طائرة مسيّرة استهدفت مطار المحافظة، حينما كان مظلوم عبدي موجودا هناك، وذلك بناء على ما يبدو على معلومات حصلت عليها الاستخبارات التركية من غريم الاتحاد، الحزب الديمقراطي.
وتوضح الأوساط نفسها أن طالباني كان يعتقد أن اندفاعته صوب قسد والعملية الاستعراضية للعلاقات الثنائية، من شأنها أن تشكل عنصر ضغط على غريمه الحزب الديمقراطي لكن النتائج جاءت عكسية.
وتلفت الأوساط إلى أن ذلك دفع أنقرة إلى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من السليمانية بذريعة وجود “تهديدات”، كما أدى إلى استباحة أنقرة لأراضي المحافظة في مناسبتين، مشيرين إلى أن هناك تحركا عراقيا اليوم بواعز إيراني لاحتواء الموقف خصوصا وأن طهران التي تعد حليفا للاتحاد الوطني لا تريد خنق السليمانية.
والتقى قباد طالباني خلال زيارته المستمرة إلى بغداد كلا من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وزعيم منظمة بدر هادي العامري، إلى جانب ألينا رومانوسكي السفيرة الأميركية لدى بغداد.
وأكد مستشار الأمن القومي العراقي عقب لقائه مع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان على أهمية الحفاظ على المشتركات ووحدة العراق.
وقال المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي في بيان إن “اللقاء شهد، التباحث في مجمل الأوضاع السياسية والأمنية، والتأكيد على أهمية التضامن في مواجهة التحديات، والعمل على دعم العملية السياسية، وإنجاح البرنامج الحكومي”.
كما أكد الجانبان على “أهمية الحفاظ على المشتركات ووحدة العراق، مؤكدين أهمية ضبط الحدود والعمل على تعزيز وإدامة المنجزات الأمنية في إقليم كردستان وعموم العراق”.
وجاء لقاء طالباني بالأعرجي بعد ساعات قليلة من اجتماع عقد بين الأخير ونائب رئيس جهاز المخابرات التركي.
وبحسب بيان رسمي عراقي استعرض الجانبان العراقي والتركي مستجدات الأوضاع الأمنية في المنطقة، فضلاً عن بحث القضايا المتعلقة بأمن البلدين، إلى جانب وضع خارطة طريق لحل المشكلات الأمنية بين البلدين وضبط الحدود.
ووفق تسريبات فإن اللقاء ركز على استعراض المخاوف التركية من تحول محافظة السليمانية، إلى ساحة خلفية لقسد وحزب العمال الكردستاني، وتضمن اللقاء رسائل تحذيرية موجهة إلى الاتحاد الوطني من مغبة المضي في هذا المسار.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اتهم الاثنين، حزب طالباني بجعل السليمانية مركز نفوذ لوحدات حماية الشعب (المكون الرئيسي لقسد) وحزب العمال.
متابعون يستبعدون أن تؤثر التطورات الأخيرة على طبيعة العلاقات المتنامية بين قسد والاتحاد الوطني، لكن الثابت أن الأخير سيخفف من اندفاعته، وعمليته الاستعراضية للعلاقة مع التنظيم السوري
وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة “آتي في” التركية، “بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فإن حزب طالباني تلقى طائرات هليكوبتر من فرنسا، ومنحها للإرهابيين”. وأضاف أن “الأجواء الجوية تقع تحت سيطرة الولايات المتحدة، لذلك فإنها على علم بالرحلات الجوية” بين السليمانية والحسكة.
وتابع “لطالما قلنا إن الولايات المتحدة، وبعضاً من البلدان الأوروبية تدعم بكل الأشكال، حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب”، مشيراً إلى أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن أثبت ذلك بالأدلة والبراهين”.
وأكد أن “ملخص حادثة إسقاط المروحية، هو أنها تابعة لحزب طالباني، أو لإدارة محافظة السليمانية، ولا تتبع لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، بل تم تأمينها لهم من قِبل حزب طالباني”.
وشدد على أنه “لطالما قلنا وفي مختلف الاجتماعات، إن حزب العمال الكردستاني بات يهيمن على السليمانية وتحديداً على حزب طالباني، فضلاً عن أنه دخل في النقاط الإستراتيجية والمطارات”.
ولفت إلى “أنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى أربيل، لذلك حاولوا إضعافها بمختلف الطرق، لكنني أستطيع أن أجزم أن حزب العمال الكردستاني بات يهيمن على كل ما هو موجود في السليمانية، ولذلك أغلقنا أجواءنا أمام جميع الرحلات القادمة من هناك”.
وقال جاويش أوغلو، “عندما نتحدث إلى بعض الأعضاء الموجودين في الاتحاد الوطني الكردستاني، فإنهم يقولون بأن حزب العمال بات يسيطر على جميع مفاصل الحزب”. وأضاف أن “هذه مشكلة جدية، وينبغي عليهم معرفة أننا سنلاحق الإرهابيين، سواء كانوا في سوريا أو قنديل أو سنجار أو السليمانية أو أي مكان آخر، وهذا لن يكون ذريعة لهروبهم”.
ويستبعد متابعون أن تؤثر التطورات الأخيرة على طبيعة العلاقات المتنامية بين قسد والاتحاد الوطني، لكن الثابت أن الأخير سيخفف من اندفاعته، وعمليته الاستعراضية للعلاقة مع التنظيم السوري.
العرب